قصيده للأمير عبد القادر الجزائري يمدح فيها و يتغنى بمحاسن البادية
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضـر = وعـاذلاً لمحـبّ البـدو والقـفـر
لا تذممـنّ بيوتـاً خـفّ محملـهـا = وتمدحـنّ بيـوت الطيـن والحجـر
لو كنت تعلم ما في البـدو تعذرنـي = لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
أو كنتَ أصبحت في الصحراء مرتقياً = بساط رملٍ بـه الحصبـاء كالـدرر
أو جلتَ في روضةٍ قد راق منظرها = بكـل لـونٍ جميـل شيّـق عطـر
تستنشقـنّ نسيمـاً طـاب منتشـقـاً = يزيد في الروح لم يمرر على قـذَر
أو كنت في صبح ليل هـاج هاتنـه = علوت في مرقبٍ أو جلـت بالنظـر
رأيت في كلّ وجـهٍ مـن بسائطهـا = سرباً من الوحش يرعى أطي الشجر
فيا لها وقفة لـم تبـق مـن حـزن = في قلب مضنى ولا كدّا لذي ضجـر
نباكـرُ الصيـد أحيـانـا فنبغـتـه = فالصيد منّا مدى الأوقات فـي ذعـر
فكـم ظلمنـا ظليمـا فـي نعامتـه = وإن يكن طائراً في الجـو كالصقـر
يـوم الرحيـل إذا شـدّت هوادجنـا = شقائق عمّهـا مـزنٌ مـن المطـر
فيها العذارى وفيها قد جعلـن كـوىً = مرقعـاتٍ بأحـداقٍ مـن الـحـور
تمشي الحداة لها من خلفهـا زجـلٌ = أشهى من الناي والسنطيـر والوتـر
ونحن فوقَ جياد الخيـل نركضهـا = شليلهـا زينـة الأكفـال والخصـر
نطارد الوحـش والغـزلان نلحقهـا = على البعاد وما تنجو مـن الضمـر
نروح للحـيّ ليـلا بعدمـا نزلـوا = منازلاً ما بها لطـخٌ مـن الوضـر
ترابها المسك بل أنقـى وجـاد بهـا = صوب الغمائـم بالآصـال والبكـر
نلقى الخيام وقد صفّت بهـا فغـدت = مثل السماء زهت بالأنجـم الزهـر
قال الألى قد مضوا قـولا يصدّقـه = نقلٌ وعقلٌ ومـا للحـق مـن غيـر
الحسن يظهـر فـي بيتيـن رونقـه = بيتٌ من الشعرِ أو بيتٌ مـن الشعَـر
أنعامنا إن أتت عنـد العشـيّ تخـل = أصواتها كـدويّ الرعـد بالسحـر
سفائن البـرّ بـل أنجـى لراكبهـا = سفائن البحر كم فيهـا مـن الخطـر
لنا المهارى ومـا للريـم سرعتهـا = بهـا وبالخيـل نلنـا كـل مفتخـر
فخيلنـا دائمـا للحـرب مسـرجـةٌ = من استغـاث بنـا بشّـره بالظفـر
نحن الملوك فلا تعـدل بنـا أحـداً = وأيّ عيشٍ لمن قد بـات فـي خفـر
لا نحمل الضيم ممن جـار نتركـه = وأرضه وجيمع العـزّ فـي السفـر
وإن أسـاء علينـا الجـار عشرتـه = نبين عنـه بـلا ضـرٍّ ولا ضـرَر
نبيت نـار القـرى تبـدو لطارقتنـا = فيها المداواة من جوع ومن خصـر
عدوّنـا مـا لـه ملـجـا ولا وزرٌ = وعندنـا عاديـات السبـق والظفـر
شرابها مـن حليـبٍ مـا يخالطـه = ماء وليـس حليـب النـوق كالبقـر
أمـوال أعدائنـا فـي كـلّ آونـة = نقضـي بقسمتهـا بالعـدل والقـدر
ما في البداوة من عيـب تـذمّ بـه = إلّا المـروءة والإحسـان بالـبـدرِ
وصحّة الجسـم فيهـا غيـر خافيـةٍ = والعيب والداء مقصورٌ على الحضَر
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مدى = فنحن أطول خلق اللَـه فـي العمـر
[b]