بسم الله الرحمن الرحيم
ترددت في البداية عن الكتابة حول هذا الموضوع بسبب الصورة المخيفة التي حملناها عن هذا العالم منذ الصغر وعندما يرد حديث أو قصص عن عالم الجن تصيب بعض الناس رعدة وانتفاضة ومسارعة إلى الاستعاذة والبسملة ومحاولة إقفال الحديث عن ذلك، وتغيير لمسار الكلام إلى شيء آخر، وهذا شيء ملحوظ، وإذا جرّبت ذلك بأن لك وانكشف، والمشكلة عزيزي القارئ أن بعض الناس يخاف الجنّ أكثر من خوفه من الله - تعالى -، ويضرب لهم ألف حساب، وأعطاهم حجماً في القدرة والنفوذ أكبر مما يملكون، وما علم أنهم مخلوقون مربوبون ضعفاء أمام من تحصّن بالأذكار، لا يؤذون إلا بأمر الله، ولا يتسلطون إلا على من كان أعزل لا سلاح معه، والسلاح المراد كما قال ابن القيم الأوراد والأذكار.
قال ابن القيم - رحمه الله - في الطبّ النبوي: " وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلّة دينهم، وخراب قلوبهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لاسلاح معه، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا " والكثير من الناس - والله المستعان يغفلون عن الأذكار والأوراد الصباحية والمسائية، ولذا خاف الناس جداً من الجنّ، فتطاول الجن، وزادوا طغياناً، وقد أشار العلامة / ابن سعدي - رحمه الله تعالى - في التفسير أعني: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عند قوله - تعالى -:{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} إلى أن الإنس كانوا يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع فزاد الإنس الجنّ رهقاً، أي طغياناً وتكبراً لمّا رأوا الإنس يعبدونهم ويستعيذون بهم .." أهـ. وأجدها فرصة لا تفوت أن أوضّح ما ذكرت وأشرت إليه، حتى تطمئن نفسك ويتوحّد خوفك لله - جلّ في علاه- ويقوى تعلقك به - سبحانه - وتوكلك عليه، وأحذّرك من الالتفات إلى غيره من الأوهام والأساطير التي تسود بيئات كثيرة، وتتردد على الألسن، بأنّ لهم سلطاناً في الأرض، وأنهم يعلمون الغيب، ويطاردون الناس في الفيافي والقفار، وهذا اعتقاد فاسد يشوش على القلب في سيره إلى الله، وهي على كل حال صورة خاطئة في كثير من جوانبها، حملتها البشرية عن هذا المخلوق...