كلنا يعلم قصة الهدهد الواردة فى كتاب الله عز وجل ولقد قرأت
كثيرا فى سردها وشرحها وانتم كذلك وما يعنينى فيها هو جزء هام ومؤثر وهو مقال الهدهد وصنيعه وكيف لهذا الطائر الصغير الذى لا يملك ما نملك من البنية والعقل والإرادة والتمييز ان يأتى بمثل ما أتى به من حجة وعلم ودعوة وكلمة حق ورسالة استطاع بهما ان يقف امام سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام ويخبره بما لم يعلمه وهو الذى اتاه الله العلم والحكمة بجرأة الداعى فى قول وفعل ما يراه مساعدا لمضى رسالته وعلم الهدهد بأمر لم يعلمه سيدنا سليمان كان رسالة من الله له بأن هذا العلم الذى انعم الله عليه به هو علم نسبى والدليل قول الهدهد (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) والعلم المطلق لله العليم الخبير
وكلما سمعت الآيات التى ورد بها ذكر الهدهد وما قال حدثتنى نفسى وقالت باليتنا نغير على ديننا مثلما غار الهدهد فنحن نغير ولكن على ما هو فان ولا يستحق ان نغير عليه ويالها من خسارة وياله من فارق كبير ولنتدبر ما فى هذه الآيات التى اعلم اننا نمر عليها ونسمعها كثيرا ولكن بالفعل اثبت الهدهد انه بالعلم يستطيع الصغير ان يغلب الكبير والضعيف ينتصر على القوى والعالم يغلب الجاهل وفى هذا قال الله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) والعلم دائما يرفع صاحبه ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) وبالعلم يقينا نزداد قربا وتقربا لله عز وجل ونكون على يقين من واسع فضله وبالتالى يزداد الشكر لله فى كل وقت
قال تعالى (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ، وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
والله ان هذا المقال نعجز ان نأتى بمثله فإذا تدبرنا ما قال نجده قد تدرج فى مقاله من خبر (نبأ يقين) الى استنكار(امرأة تملكهم) الى تعجب (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) الى رسالة وما تحويه من ارشاد وها هو قد اقترب من هدفه الذى مهد له بمقدمة يستطيع بها ان يثير غضب سيدنا سليمان عليه السلام تجاه ملكة سبأ وقومها فقال (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ما هذه الكلمات المعبرة بصدق عن الداعى الغيور على دينه المحب لخالقه ورازقه الذى لا يتوانى فى قول وفعل ما يخدم رسالته
ولسمو الكلمات وما تعنيه ذكرها الله فى كتابه وجعل بقراءة كل حرف منها عشر حسنات والحق يقال فهو أفضل مقال قرأته فى حياتى
ولفت انتباهى عند قراءتى عن الهدهد بعض النقاط الواجب ذكرها عند الحديث عنه
وابتداء لا بد أن ندرك أن هذا الهدهد لم يكن هدهداً من عامة الهداهد وإنما هو هدهد معين خاص، وقد دل على ذلك أن الله قال: { مالي لا أرى الهدهد} ولم يقل : مالي لا أرى هدهداً فأدخل في الاسم الألف واللام، فجعله معرفة فدل بذلك القصد على أنه ذلك الهدهد بعينه
يعد وجوده ومشاهدته علامة على نقاء البيئة من المبيدات الحشرية
يسكن هذا الطائر في جحور الأشجار أو الجحور الصخرية الضيقة وحتى في المباني القديمة
يتميز بسرعته الفائقة في الطيران والعدو، ومن صفاته المميزة أيضاً أنه يتمكن أن يبعد أي حيوان ضار أو مفترس عن عشه وصغاره عن طريق رش رذاذ أسود زيتي برائحة كريهة من غدة بقاعدة الذيل تبعد أي متطفل، بل وحتى الصغار يستطيعون ذلك إن أحسوا بالخطر
ويرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع علم أن فيه ماء
والحكمة فى اختيار هذا الطائر تحديدا لهذه المهمة الدعوية العظيمة أن الهدهد أكفأ من الحمام في استخدامات النقل والاتصال، فهو أسرع طيراناً ولا يحتاج للجماعة في طيرانه وقوة دفاعه عن نفسه أكفأ وتحمله للجوع والعطش أكثر فضلاً عن ذكاءه ومكره المشهور بهما.