حديث ( مَن استغفر للمؤمنين كتب
له بكل مؤمن حسنة )
جاء في الحديث ( مَن استغفر
للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة )
ما
المقصود بالحديث ؟
وهل هو على ظاهره ؟
الحمد لله
أولا :
لم يصح حديث في تعيين فضل
معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، وما ورد في ذلك لا يثبت ، وفي
أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة ، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع
العمل ، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك :
1- عن عبادة رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له
بكل مؤمن ومؤمنة حسنة )
رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234)
[font=Times New Roman][b]من طريق بكر بن خنيس عن عتبة بن حميد عن عيسى بن
سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت .
وعيسى بن سنان : ضعفه
أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية . انظر "تهذيب
التهذيب" (8/212)
وعتبة بن حميد : قال فيه أحمد : ضعيف ليس بالقوي .
وقال أبو حاتم : صالح الحديث .
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين
على تضعيفه ونكارة حديثه . انظر "تهذيب التهذيب" (1/428)
فلا وجه لقول
الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده جيد . وعليه اعتمد الشيخ
الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في
"مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد .
2- عن أم سلمة رضي الله عنها :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( من قال كل يوم اللهم اغفر لى
وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة )
رواه الطبراني في
الكبير(23/370) وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي ، جاء في
ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى : ضعيف ، ليس حديثه بشيء ،
وقال مرة : متروك الحديث .
وقال النسائي والدارقطني: متروك . وقد مشاه
شعبة ، وقال : اكتبوا عنه ، فإنه شريف . وقال البخاري : سكتوا عنه . وذكره
ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة ، لكنها منكرة الاسناد " انتهى .
وقال
الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف "
انتهى .
3- عن أنس رضي الله عنه ، جاء عنه من طريقين :
- من طريق عمر
بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
بلفظ :
( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز و جل عليه من آدم
فما دونه ).
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في
"الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم .
قلت :
فيه علتان : الأولى : ضعف شعيب بن كيسان ، والثاني : الانقطاع بينه وبين
أنس ، فقد قال البخاري عقب إخراجه له : " لا يعرف له سماع من أنس ، ولا
يتابع عليه "
لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته ،
وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف .
وقال الشيخ
الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر " انتهى .
- من طريق
معمر عن أبان عن أنس مرفوعا بلفظ :
( ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات
إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل
ما دعا به )
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217)
قلت : وأبان الذي
يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه
وتركه . انظر "تهذيب التهذيب" (1/99)
4- عن أبى الدرداء قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم
سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم
ويرزق بهم أهل الأرض )
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) :
"
رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة ، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء ،
وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله المسمين ثقات "
انتهى .
5- عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من لم
يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة )
رواه
الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/128) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"
(10/210) : " فيه من لم أعرفهم " انتهى .
6- عن أبي سعيد الخدري عن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال :
( أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة
فليقل في دعائه : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وصل على المؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، فإنها زكاة )
رواه ابن حبان (3/185) في
صحيحه ، وإسناده ضعيف ؛ لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم ، وقد ضعفها
أحمد وأبو داود وغيرهما ، انظر "تهذيب التهذيب" (3/209)
ثانيا :
الاستغفار
للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام ، فقد دعا به نوح عليه
السلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ
مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) نوح/28
ودعا به إبراهيم
عليه السلام فقال : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/41
وأمر الله
سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ ) محمد/19
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين
فقال : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10
فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر
لإخوانهم المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على
دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به .
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217) :
"
عن ابن جريج قال : قلتُ لعطاء : أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات ؟
قال :
نعم ، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك ، فإنَّ ذلك الواجبَ على
الناس ، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ )
قلتُ : أفتدع ذلك في المكتوبة
أبداً ؟ قال : لا .
قلت : فبِمَن تبدأ ، بنفسك أم بالمؤمنين ؟
قال :
بل بنفسي ، كما قال الله : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالمُؤْمِنَاتِ ) " انتهى .
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة"
(1/298-299) :
" والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ
الله وعفوِه ورحمتِه ، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه
المسلمُ ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم ، فيصير هِجِّيراه :
ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات ، وقد
كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم
سبعين مرَّة ، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به .
وسمعتُ شيخَنا - أي
ابن تيمية – يذكرُه ، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه ، وربَّما كان مِن
جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها ، وسمعتُه يقول : إنَّ جعلَه بين السجدتين
جائزٌ ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به ، محتاجون
إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله
وفضلِه ، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد ، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل " انتهى
.
فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي صلى الله
عليه وسلم ، ولخصوص الأجور المذكورة فيها ، وذلك لا يعني عدم استحباب
الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات .
والله أعلم .