دراسة أوسكار لويس لخمس اسر مكسيكية

دراسة أوسكار لويس لخمس اسر مكسيكية :
يوميء أوسكار لويس في بدء دراسته إلى اقتناعه بأن مهنة الباحثين الانثروبولوجيون ينبغي أن تتغير في عالمان المعاصر لتتجه باتجاه تقديم صورة عن حياة الطبقات الفقيرة من أهالي القرى والأحياء الشعبية والذين يكونون هذه اللحظة 80% من أهالي العالم. ويبدي ضيقة هؤلاء الباحثين قد عكفوا على دراسة الشعوب البسيطة المنزوية في زوايا الأرض بحيث بات في إمكان الكثيرين في أمريكا مثلا أن يتحدثوا بشكل مفصل عن إحدى قبائل غينيا الحديثة التي لا يزيد عدد أفرادها على خمسمائة شخص،وفي الوقت ذاته لا يكادون يعرفون شيئا عن حياة الملايين من الفلاحين في الهند والمكسيك وغيرها من الدول النامية التي سيقدر لها أن تلعب دورا هاما على مسرح الأحداث في العالم.
منهج البحث: 
يشاهد لويس أن ذلك النوع من الدراسات يحتاج تحويرا في طرق البحث التقليدية، لم يعد بالإمكان دراسة القرى كوحدات منعزلة عن الثقافة القومية، أو دراسة أهالي المدينة كأعضاء في مجتمعات محلية ضئيلة منعزلة، ولذا فمن اللازم العثور على طرق ووحدات حديثة للدراسة وتقديم المعلومات والنتائج بالصورة التي يفهمها القارئ غير المختص، والدراسة الجارية تمثل تجربة مهمة في ذلك الأمر فخي تركز على دراسة العائلة أكثر من  دراسة المجتمع الإقليمي و الشخص، ويشير لويس إلى انه أثناء خمسة عشر عاما استخدم في ذلك النوع أربع أساليب مغايرة، في الأولى طبق طريقة دراسة المجتمع الإقليمي على دراسة العائلة الواحدة فكان يتناول جوانبها المغيرة تحت عناوين مثل الحياة الاستثمارية والحياة الدينية والعلاقات الاجتماعية وغيرها، وفي الثانية طبق أسلوب دراسة العائلة عن طريق مشاهدة كل واحد من أعضائها لها وهنا لجا إلى طريقة تواريخ الحياة لكل منهم، وفي الأسلوب الثالثة اختار إحدى المشاكل التي تجابه العائلة ودرس كيفية استجابتها لها ليتعرف بهذا على العوالم السيكودينامية التي تسيطر على حياتها، وما الأسلوب الرابعة فهي تستخدم في التعليم بالمدرسة الجارية وتقوم على مرجعية الملاحظة التفصيلية ليوم كامل في حياة كل عائلة من الأسر الخمس ، ولكي يضفي لويس على التعليم بالمدرسة مزيدا من العمق استخدم فيها ايضا الطريق الثلاث الفائتة بدرجات متفاوتة.
وحدة التعليم بالمدرسة:
اختار لويس هذا النهار التام كوحدة للدراسة وهو يختلق أسباب هذا بان هذا النهار يعبر عن طريقة حياة العائلة بصورة منتظمة تسمح دائما الملاحظة المباشرة، وإجراء المقارنة بين الأسر الخمس وخصوصا من حيث المعلومات المقدار كالوقت المستخدم في تجهيز الأكل وفي المباحثات بين الزوجين أو بينهما وبين الأطفال وغير هذا، بالإضافة على دراسة الجوانب الوسيلة للعلاقات العائلية، ومن ثم تجمع تلك الوحدة الدراسية بين الجانبين العلمي والإنساني في الأنثروبولوجيا، وفي ذلك الحين تم اختيار هذا النهار بحيث يكون يوما عاديا لا تتخلله فاعليات طارئة كولادة طفل أو احد الاحتفالات بالأعياد أو مناسبات الموت، وقد كانت الصلات الحميمة مع الباحث تتيح استمرار الحياة العائلية بصورتها العادية أثناء وجوده، وفي ذلك الصدد يقول لويس "لقد أمضيت مئات الساعات معهم في منازلهم، وشاركنهم طعامهم ورقصاتهم، واستمعت إلى أحاديثهم عن متاعبهم، وتعرفت منهم على سير حياتهم، ولم يبخلوا على بوقتهمـ وقبلوا بروح طيبة تصرف امتحانات بقع الحبر و TAT والمقابلات المركزة"
الخلفية التاريخية والمحيط الاجتماعي:
يقدم لويس عرضا سريعا للتاريخ الجديد للمكسيك والتحولات التي طرأت على المجتمع في جوانبه المغيرة منذ عام 1910 م وحتى الأعوام الأخيرة، ليعطي خلفية على الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة، وعن التفاوت بين أحياء المدينة الجميلة التي تغري السياح بإنفاق أموالهم والأحياء الفقيرة المحرومة من ضروريات الحياة، ثن يقدم لويس صورة عن المحيط الاجتماعي لكل واحدة من الأسر الخمس، فأسرة مارتنيز تقطن في قرية تبعد ستين ميلا عن العاصمة وتقاسي من الاستثمار الزراعي المتخلف، وعائلة جوميز رحلت من القرية إلى مدينة المكسيك لتعيش في إحدى الأنحاء الهامشية الفقيرة، وايضا عائلة جوتيريز التي تعد أفقر الأسر الخمس، أما عائلة سانشير فإنها أحسن حالا لان الأب يعمل عملا إضافيا في تربية الطيور المنزلية والخنازير الأمر الذي ساعده على تشييد بيت في إحدى الأنحاء الفقيرة، والعائلة الخامسة هي عائلة كاسترو الذي تمكن من إحداث حصيلة هائلة بعد وضعية الفقر وبدا يبدل أنماط حياته التقليدية ويقلد الأنماط الجديدة.
أسلوب العرض:
يبدأ لويس كل فصل عن إحدى الأسر لخمس ببيان عن أعضائها وأيضا الشخصيات الأخرى التي سيرد ذكرها أثناء العرض ، وفي ذلك الحين اختار الطريقة الروائي في عرض مادته الحلقية فهو يصور حياة العائلة كما يصور المؤلف والكاتب شخصياته، ويدخل التفصيلات ضمن سياق الأحداث لتضيف وضوحا للمشهد الذي يتحدث عنه ويمكن القارئ من أن يكون انطباعا كاملا عن كل واحد من أشخاص العائلة ليس لاغير في استجاباته السلوكية وإنما كذلك في حياته الفكرية والوجدانية، ففي عرضه لأسرة جوميز نقتطف تلك البند "...وجلست روزا لتشرب القهوة عندما دخل قرينها الطي كان غائبا عن المنزل مدة ثماني عشرة ساعة، وقد كان متسخا ملطخا ببقع الشحم منحني الظهر من شدة الإعياء، وأيضاً قد شرب زجاجة من الصودا ويخشى أن تكون قد رفعت نسبة السكر عنده، ودون أن يحيي أحدا اتجه على الفور على الرف الذي يعلو المدفأة ليبحث عن دوائه المستخلص من الأعشاب، وفي راحة نوهت روزا بإصبعها إلى الزجاجة فملأ ملعقة منها وشربها، ثم اتجه الى حجرة السبات وجلس على حافة الفراش، ولحق به صغيره جوانيتو والتصق بجانبه وسعى وضع ذراع الوالد فوق كتفيه فابتسم أبوه له و ربت على قمته وسأله "ماذا فعلت هذا النهار في المدرسة؟" وقص عليه جوانيتو بعض ما وقع له أثناء هذا النهار وأوجستين يستمع إليه باهتمام حتى شاهده يتثاءب فطلب منه أن يذهب إلى دورة المياه ثم إلى فراشه ـ ونظرت روزا إلى قرينها وسألته "لماذا تأخرت؟ هل قابلت إحدى صديقاتك؟"
حصائل التعليم بالمدرسة:
يُعد لويس كل عائلة من الأسر الخمس "عالما قائما بذاته يعكس بطريقته المخصصة شيئا من الثقافة المتغيرة في المكسيك، فأسرة مارتنيز ( تعكس نفوذ بعض القوى التي يقع تأثيرها على الحياة الريفية منذ ثورة1910 م ، وعائلة جوميز اعتقاد حياة العائلة في فترة الانتقال من الريف إلى المدينة فهي مازالت تحتفظ بعلاقتها مع الأقرباء في القرية وبالكثير من المعتقدات والأعراف القروية ، ولكن إلى منحى هذا وجدت متغيرات رئيسية في الحياة العائلية من أهمها إجابات الأم مقر الأب فيما يتعلق للدور السيادي في العائلة وغلاء مستوى المعيشة وازدياد فرص التحرر في مواجهة الناشئين ) أما عائلة جوتيريز فعلى الرغم من فقرها سوى أنها قد كانت أكثر استقرارا من جهة الصلات بين الزوجين من ناحية وبين الآباء والأولاد من ناحية أخرى، فهي تمثل العائلة التي سكنت على مرجعية الحياة الحضرية في الأنحاء الفقيرة دون تخرج إلى حراك اجتماعي يترك تأثيره على النظام التقليدي للمعايير والقيم، وتصور عائلة سانشيز الجمع بين ملامح العائلة التي تعمل وبعض ملامح العائلة المتوسطة، وهي تمثل نمطا معقدا من الصلات بين أطرافها وان كان الزوج حريصا على التمسك بالتزاماته تجاه عائلته، وذلك ما لا نجده في العائلة الخامسة التي تمثل بعض الأنماط التقليدية مع مسعى اصطناع الأنماط الأمريكية الجديدة، وهي العائلة الوحيدة التي تعرضت لهجر الزوج لحياة العائلة، وظهور بعض الأعراض العصابية لدى بعض أعضائها.
ويعتبر عمليات استخلاص العواقب على مستوى كل عائلة يجري أوسكار لويس مضاهاة بينها جميعا وايضاً بين الأنحاء التي تعتبر تلك الأسر مجرد نماذج لها، ويستخلص عددا من الملامح التي تعبر عن الفروق الريفية الحضرية وتعكس القيم الثقافية على المستوي العام، ومن أكثر أهمية تلك الملامح استمرارا السيادة للرجل كرب للعائلة في الهيئة الخارجية العام للحياة العائلية مع ظهور الأم كمحور أساسي ندور من حوله تلك الحياة، وتأثر الصلات بين الزوجين بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، والارتباط بين عمل المرأة ومقدرتها على تأدية دورها في توازن مع دور الرجل، وتقبل المجتمع للعلاقات غير الشرعية خارج مدى العائلة، وظهور الفوارق الجلية بين جيل الآباء وجيل الأولاد من حيت معدلات التعلم والميل إلى الحراك الاجتماعي تحقيقا للتطلعات الحديثة.