التكامل الاقتصادي
التكامل الاقتصادي
ليس لتعبير «التكامل الاقتصادي» Economic Integration في المجال الاقتصادي معنىً محدد، فعند بعض الاقتصاديين تشمل العبارة مفهوماً اجتماعياً، وعند بعضهم الآخر تندرج تحتها أنواع مختلفة من التعاون الدولي.
ومهما اختلفت الآراء، فإن التكامل الاقتصادي صيغة من صيغ العلاقات الاقتصادية الدولية، وهي عملية تنسيق مستمرة ومتصلة، تتضمن مجموعة من الإجراءات، بهدف إزالة القيود عن حركة التجارة، وعناصر الإنتاج بين مجموعة من الدول ذات الأنظمة السياسية الاقتصادية المتجانسة، كما تتضمن عملية التنسيق بين مختلف السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية والإنتاجية بهدف تحقيق معدل نمو مرتفع.
ويختلف مفهوم التكامل الاقتصادي باختلاف المدارس الفكرية، والظروف الموضوعية، إضافة إلى نظرة الباحث نفسه.
أنواع التكامل الاقتصادي
يمكن النظر إلى التكامل الاقتصادي من حيث طبيعته والمستوى الذي يأخذه، لاسيما ما يتعلق بنوعية العلاقة التي تقوم بين الدول المتكاملة وطبيعة توزيع منافع التكامل وآثاره بين هذه الأطراف، ويُلمس في هذا المجال نوعان من العلاقات:
آ ـ علاقات التكامل الرأسي: ظهرت هذه العلاقات، في مرحلة الاستعمار، بين الدول المستعمرةِ (بالكسر) والدول المستعمرةَ (بفتح الميم).
فقد فُرض على المستعمرات أن تتخصص بإنتاج المواد الأولية في حين كانت الدول المستعمرة تقوم بتصنيع هذه المواد. إن هذا النوع من التكامل المفروض من الدول الرأسمالية المستعمرة. يؤدي إلى تقسيم عمل غير متكافئ يجري لمصلحة الدول المتطورة، على حساب المجموعة الأخرى، ومن ثم تتسع الفجوة بينها.
ومثل هذا التكامل المفروض لا يندرج في مفهوم التكامل الاقتصادي الإرادي لمصلحة الأطراف المتكاملة.
ب ـ علاقات التكامل الأفقي: وقد بدأت هذه العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الشروط الموضوعية الجديدة، ولاسيما الثورة العلمية ـ التقنية، وظهور دول المنظومة الاشتراكية واتساع حركة التحرر في العالم. وتقوم هذه العلاقة مبدئياُ بين أطراف متجانسة في طبيعة أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية أو ذات انتماء قومي أو جغرافي واحد. إضافة إلى تقارب مستوى تطورها الاقتصادي إذ تتكامل العملية الإنتاجية على أسس جديدة من التخصص وتقسيم العمل بإقامة علاقات متكافئة لتحقيق مصالح مشتركة بين الدول الأعضاء كما يمكن النظر إلى التكامل الاقتصادي من حيث طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي للدول أطراف التكامل إذ يكون التكامل الرأسمالي الذي يقوم بين الدول الرأسمالية والتكامل الاشتراكي الذي يقوم بين الدول الاشتراكية وكذلك التكامل بين الدول النامية.
ويتخذ التكامل الاقتصادي صوراً تتدرج من التعاون الاقتصادي البسيط حتى الاندماج الاقتصادي الكامل ومن هذه الصور:
1ـ منطقة التجارة الحرة Free Trade Area
وفيها تتفق الدول الأعضاء على تخفيض القيود المفروضة على التبادل التجاري فيما بينها حتى تزول هذه القيود كلياً، وفي الوقت نفسه لا يكون للمنطقة تعرفة جمركية موحدة تطبقها على الواردات من البلاد الأخرى غير الأعضاء ومعنى هذا أن كل دولة من الدول المنضمة إلى المنطقة تحتفظ بتعرفتها الجمركية الخاصة بها، إزاء الدول الأخرى غير الأعضاء.
2ـ الاتحاد الجمركي Customs union
إن قيام اتحاد جمركي بين بعض البلدان، يعني إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية بينها مع التزام هذه البلدان تعرفة جمركية موحدة على السلع المستوردة من بلاد خارج الاتحاد.
3ـ السوق المشتركة Common Market
وتختفي هنا القيود الكمية والرسوم الجمركية على التبادل السلعي بين الأعضاء. وإضافة إلى ذلك تختفي أيضاً القيود على انتقال عناصر الإنتاج المختلفة. وتطبق تعرفة جمركية موحدة على السلع الواردة من العالم الخارجي للبلدان المنضمة إلى السوق.
4ـ الوحدة الاقتصادية Economic union
وهي خطوة أكثر تقدماً تلي السوق المشتركة على طريق التكامل الاقتصادي. وفي ظلها لا تلغى القيود على انتقال السلع وعناصر الإنتاج، مع تطبيق تعرفة جمركية موحدة إزاء العالم الخارجي فحسب، بل يتم أيضاً، التنسيق بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الخاصة بالدول الأعضاء.
5ـ التكامل الاقتصادي الكامل Total Economic Integration
وتقضي هذه المرحلة بتوحيد السياسات النقدية والضريبية والاجتماعية للدول الأعضاء، فتصبح اقتصادياتها كأنها اقتصاد واحد تسيطر عليه سلطة عليا فوق قومية Supra national في يدها اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية للدول المندمجة كلها، ويكون لهذه القرارات صفة الإلزام.
مشاريع التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية
تعاني البلدان العربية، بعد حصولها على استقلالها السياسي، من مشكلتي التخلف والتبعية، مع ارتباط ذلك بالتجزئة.
إن هاتين المشكلتين تعنيان:
ـ ضعف الترابط الاقتصادي بين البلدان العربية.
ـ ارتباط المصالح القطرية بالاقتصاد الرأسمالي على نحو أوثق من ارتباطها فيما بينها ومن ثم بالمصلحة القومية.
ـ اتساع الفجوة بين المصلحة القطرية والمصلحة القومية.
وينصب مفهوم التكامل الاقتصادي العربي على هذا الأساس على إيجاد وحدة اقتصادية كبيرة بدمج الوحدات القائمة قطرياً وقومياً، مقابل إنهاء تبعيتها للاقتصاد الرأسمالي بهدف بناء القاعدة المادية للوحدة السياسية، وذلك بالتزام التنمية المشتركة عن طريق الاستغلال الجماعي للموارد الاقتصادية لصالح الوطن العربي بكامله. وهكذا فإن التكامل الاقتصادي العربي إنما هو عملية سياسية واقتصادية طويلة الأجل تقترن بالتزام التنمية المشتركة لتحقيق هدفين مترابطين هما إنهاء التبعية، وإنهاء التجزئة بما يحقق المصلحة الاقتصادية المشتركة للدول العربية ويحمي حقوقها في تعاملها مع العالم الخارجي، ومنذ إحداث الجامعة العربية (1945) بدأت البلدان العربية تعاوناً اقتصادياً متعدد الجوانب.
وفي عام 1950 أحدث المجلس الاقتصادي العربي بموجب اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي ونجح هذا المجلس في إقرار عدد من الاتفاقيات، لاسيما اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتسديد المدفوعات (1953) إضافة إلى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1964، وتعد هذه الاتفاقية المحاولة الأولى في إطار الجامعة التي نصت صراحة على الوحدة الاقتصادية. كما تم إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية للإشراف على تنفيذ الاتفاقية. التي تأثرت باتفاقية السوق الأوروبية المشتركة. في مجال اختيار وسيلة التكامل.
ونجح المجلس في إقرار اتفاقية السوق العربية المشتركة التي دخلت حيز التنفيذ عام 1964 بعد تصديقها من قبل كل من سورية ومصر والأردن والعراق.
اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية
وتهدف إلى قيام وحدة اقتصادية كاملة بين الأقطار العربية. وقد حددت هذه الاتفاقية مهام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية من الناحيتين التنظيمية والتشريعية وهي وضع التعرفات والأنظمة والتشريعات الهادفة إلى قيام منطقة عربية جمركية موحدة، وتنسيق سياسات التجارة الخارجية والإنماء الاقتصادي والزراعة والصناعة والتجارة الداخلية وكذلك السياسات المالية والنقدية وأنظمة النقل الموحدة وأنظمة العبور (الترانزيت) وتشريعات العمل والضمان الاجتماعي. إلى جانب تنسيق التشريعات الضريبية والرسوم. كما نصت الاتفاقية على ضرورة تحقيق انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية وحرية الإقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي وحرية النقل والعبور واستعمال وسائل النقل والمرافئ والمطارات المدنية.
مداخل التكامل والوحدة الاقتصادية
اتبع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية أربعة مداخل في سبيل تحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية العربية وهي:
1ـ المدخل التجاري
2ـ المدخل الإنتاجي
3ـ مدخل تنسيق خطط التنمية
4ـ مدخل تنسيق الموقف العربي تجاه الاقتصاد الدولي.
لقد كانت محاولات التعاون والتكامل الاقتصادي العربي في المرحلة الماضية، حتى بداية عقد الثمانينات نشطة، ولدت أنماطاً مؤسسية للعلاقات العربية، ومورست فيها مناهج متعددة ومتباينة لما يمكن إدراجه تحت اسم (التكامل الاقتصادي) أو تحت اسم العمل العربي المشترك. ولكن عقد الثمانينات شهد انتكاسة للممارسات ذات التوجه التكاملي القومي. سواء من حيث أهميتها لعملية التكامل أو من حيث أسلوب العمل، أو من حيث توافر الدعم المادي والمعنوي لها.ومن خلال محاولات المسيرة التكاملية، ظهر ما يمكن تسميته «القطاع المشترك» بطابعه التنظيمي والمؤسسي بين البلدان العربية، والذي شمل مجالس ذات طبيعة تكاملية رسمية (المجلس الاقتصادي العربي) ومنظمات متخصصة رسمية (المنظمة العربية للعمل[ر]. والمنظمة العربية للتنمية الصناعية[ر] وغيرها) وشركات عربية قابضة (الشركة العربية للاستثمار وشركة تنمية الثروة الحيوانية..) ولكن التشتت قد أصاب أجهزة العمل العربي المشترك بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، ودعوة الدول العربية إلى مقاطعة مصر.
والملاحظ أن المدخل التجاري للتكامل الاقتصادي العربي لم يستطع أن يحقق الهدف المنشود في تنمية المبادلات التجارية بين البلدان العربية، فقد حال دون ذلك تماثل الهياكل الاقتصادية في هذه البلدان،، وارتباط أسواقها بالأسواق الرأسمالية العالمية.
كما أن المدخل الإنتاجي، على الرغم من أهميته، بقي عاجزاً عن تحقيق قاعدة إنتاجية قوية مشتركة، لوقوع الشركات العربية في شرك المكاتب الاستشارية الغربية، ولتحكم المصالح في قراراتها. ولخضوعها لبيروقراطية متشددة ولعدم وجود رقابة حقيقية على أعمالها، ولعدم وجود خطط واضحة لمشروعاتها. أما الاتحادات النوعية فقد بقيت هياكل من دون مضمون حيوي وعملي.
ولم تنجح فكرة تنسيق خطط التنمية القطرية ضمن مفاهيم تكاملية واحدة، بسبب سيطرة النظرة الانعزالية القطرية وهيمنة المصالح الإقليمية، ولتخلف أساليب التخطيط القطري أساساً.
أما بشأن تنسيق الموقف تجاه الاقتصاد الدولي، فقد بقيت الدول العربية منعزلة مشتتة، تحمل معها إلى المحافل الدولية أفكاراً متباينة، ينقصها التنسيق والبرمجة والمواقف الموحدة. رداً على إحباطات العمل العربي المشترك والتكامل الاقتصادي العربي، ظهرت في الثمانينات ثلاث مجموعات إقليمية عربية، هي مجلس التعاون الخليجي (1981) ومجلس التعاون العربي الذي أنشئ هو واتحاد المغرب العربي في أسبوع واحد من أواسط شهر شباط 1989.
وتضم هذه المجموعات الثلاث 15 قطراً عربياً من جملة 22 قطراً، وتشمل أكثر من ثلثي الوطن العربي وتتصرف بنحو 90٪ من موارد الطاقة التقليدية، وبثلاثة أرباع الموارد الزراعية والمائية، وبمعظم الموارد المعدنية، كما تستأثر بأوفر نصيب في عدد الجامعات ومراكز البحث العلمي، وبأعلى نسبة من الأطر والقدرات العلمية والكفاءات الفنية، وتملك المجموعات الإقليمية الثلاث مفاتيح الحوضين الغربي والشرقي للبحر المتوسط ومعابر البحر الأحمر والخليج العربي.
وعلى الرغم من كون الدول المنضمة إلى الاتحادات الإقليمية الثلاث لا تزال أعضاء في الجامعة العربية، فقد أضافت إلى هذا الانتماء القومي العريض، انتماء إقليمياً في رقعة جغرافية محدودة وأبرمت فيما بينها معاهدات واتفاقيات ليست بالضرورة متفرعة عن ميثاق الجامعة العربية، وأقدمت على وضع خطط تنفيذية قد لا يكون من مقاصدها الأساسية التنسيق مع خطة التنمية الشاملة أو مع خطة الدفاع المشترك بل قد يكون لهذه التجمعات مسوغات تنفصل عن مسوغات الجامعة العربية.
وللعمل الاقتصادي لهذه التجمعات هدف تكاملي نصت عليه مواثيقها، فهو يستهدف «تحقيق التنسيق والترابط بين البلدان الأعضاء» كما ورد في طليعة أهداف النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي. أو «لتحقيق التكامل الاقتصادي تدريجياً» كما نصت اتفاقية بغداد التي أحدث بموجبها مجلس التعاون العربي. أو بقصد «تحقيق متسع اقتصادي مندمج متكامل متناسق» كما ورد في معاهدة مراكش التي أحدث بموجبها اتحاد المغرب العربي.
إن إحداث الخليج الأخيرة منذ صيف 1990، حتى قيام الحرب وما نجم عنها، تطرح مسائل جديدة أمام الدول العربية، سواء في إطار الجامعة العربية، أم في إطار الاتحادات الإقليمية الثلاث. كما أن المتغيرات على الساحة الدولية، تضع الدول العربية أمام تحديات اقتصادية وسياسية جدية تجعل من الضروري مواجهتها بروح المسؤولية والتضامن والتعاون. سعياً نحو التكامل الاقتصادي في ظل أحداث دولية سريعة تتسابق فيها دول العالم لتحتل مركزها في النظام العالمي الجديد.