admin
Time Online : 1d 14h 59m 25s عدد المشاركات : 94883 أنــــــــــــا جنسي هو : أنا جنسيتي هي : احترام القوانين : الوسام الممنوح للعضو : : 138639823 29015
| موضوع: سيكولوجية السياسة .. الانثروبولوجيا الثقافية - الشخصية الحضارية!! 03.12.10 21:02 | |
| سيكولوجية السياسة .. الانثروبولوجيا الثقافية - الشخصية الحضارية!!
ترتبط السياسة بالسيكولوجيا عبر علاقة عضوية تعود الى البدايات الاولى للفكر الانساني . اي الى ما قبل تشكل المفاهيم النظرية لاي منهما . و بالعودة الى ارسطو نجده يصنف السيوكولوجيا و السياسة و الاقتصاد في اطار العلوم التطبيقية . معرفا الاخلاق على انها علم دراسة السلوك الشخصي ، و الاقتصاد على أنه علم تدبير معيشة العائلة و السياسة على انها علم تدبير المدينة ( الدولة ) . لكن الطابع العضوي لهذه العلاقة يعود عمليا الى حاجة السياسة الماسة لاية وسيلة تسهل الاتصال الذي يحتاج بدوره الى اية معلومة تساهم في اكمال فعاليته و تدعيمها. هذا وتعود البدايات الحديثة لعلم السياسة إلى مطلع الخمسينيات وهي إقترنت ببدايات علم النفس السياسي. فقد نشرت منذ مطلع هذا القرن العديد من البحوث النفسية –السياسية. التي بدأها فرويد بعودة إلى ما قبل الحضارة البشرية لينتقل بعدها إلى دراسة الأساطير وتحديدا مناقشة الأساطير اليهودية ومسألة التوحيد في كتابه "موسى والتوحيد"ليدخل بعدها مباشرة إلى السياسة في مقالته "أفكار لأزمنة الحرب والموت".ثم كانت دراسات يونغ الشهيرة حول الأساطير واللاوعي الجماعي وعلاقتهما باللاوعي الفردي. وبعدها أتت محاولة إتباع فرويد والمنشقين عنه للتوفيق بين التحليل النفسي والسياسة والنظرية الماركسية خصوصا. كما تجدر الإشارة إلى الكتاب الذي نشره غراهام والاس في العام 1921 تحت عنوان " الطبيعة الإنسانية في ميدان السياسة".
لكن البحث العلمي الحقيقي في ميدان السيكولوجيا السياسة بدأ في الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية. خين تدعمت هذه البحوث بهجرة مكثفة لعلماء االنفس الأوروبيين الهاربين إلى أميركا من الحرب. فبدأت هذه البحوث من منطلقات اتنية (عرقية) وسخرت هذه البحوث لدراسة اللاوعي الجماعي والشخصيات الأممية لأصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها. في محاولة لتسخير سيكولوجية الرأي العام في الإتجاه السياسي المناسب. وهكذا بحيث يمكن إعتبار ولادة السياسة واليكولوجيا السياسية في مطلع الخمسينيات ولادة توأمية. لكن هذه الفترة وتحديدا العام 1952 سجلت ترسيخ العلوم النفسية كعلم له منهجيته الطبية الصارمة. إذ شهد هذا العام ظهور دواء الكلوربرومازين (دواء معقل) الذي كان مقدمة لإرساء الطب النفسي كأحد فروع الإختصاصات الطبية مما أذكى الصراع بين هذا الفرع المستجد ( الذي وجد لنفسه التطبيفات في الميادين السياسية والعسكرية والحضارية....الخ) وبين بقية الفروع المعنية بهذه الميادين. بل إن الطب النفسي بدا وكأنه يحاول وضع النظم الأخلاقية لهذه الفروع وخصوصا السياسية منها. إذ يرى الطب التفسي ضرورة الإفادة من معارفه( وضرورة مساعدة بقية الفروع له) لكي يحقق الضوابط الأخلاقية التالية:
1- إن أية أبحاث تعمل على إحداث تغييرات في الإنسان (مثل التربية العبقرية وأبحاث الهندسة الوراثية والإستنساخ والجراحة الدماغية....الخ). ويجب أن تكون خاضعة لسياسة إجتماعية صارمة تهتم بتوجيه هذه الأبحاث لتحسين شروط معيشة وسعادة الإنسان.
2- أن مثل هذه الأبحاث يجب أن يمنع توجيهها بإتجاه تحقيق تفوق أفراد أو جماعات أو شعوب على حساب غيرها من البشر.
3- يجب النظر إلى جميع محاولات (تحسين) السلوك الإنساني على أنها إعتداء على حرية الشخص. بإستثناء الحالات التي تتم فيها هذه المحاولات بطلب من الشخص نفسه لإستشعاره الحاجة إليها. على أن تدعم الآراء العلمية-الموضوعية هذا الإستشعار.
4- إن "اللاانسنة" المتمثل بإستبدال أعضاء بشرية هامة بأعضاء حيوانية هي مسألة تطرح إشكاليات أخلاقية خطيرة.
5- أن الرغبة الشخصية بالإستفادة من تقنيات معينة لإستغلالها لتحقيق أهداف شخصية من شأنها أن تنسف قواعد السياسة الإجتماعية وأخلاقياتها. الأمر الذي يقتضي التريث في تشريعها لقياس مدى قدرة هذه السياسة على إستيعاب التعديلات. مثال على ذلك أن الدعوة العالمية للحد من زيادة السكان (ومعها دعوة الشعوب لا يتجاوز متوسط أعمارها الأربعين عاما للحد من التكاثر) تصطدم بالرغبات الشخصية في الإنجاب بإستخدام تقنيات طفل الأنبوب أو الإستنساخ أو غيرها.
6- إن أية محاولة لتعديل الشخصية يجب أن تخضع لتحري دوافع هذه المحاولة سواء من قبل شخص أو من قبل الإختصاصي الذي يتولى عملية التعديل.
7- إن تطور تقنية الإتصال (ومعها التجسس على الأفراد) يؤمن مراقبة دقيقة لسلوك الأشخاص مما يزيد من إحتمالات إساءة الإستغلال السياسي لهذه المراقبة ( خصوصا بعد أن نعلم أن دولا نامية عديدة تخضع بشكل جماعي لهذا النوع من المراقبةّ!).
8- أن موضوع ولادة بدون رحم ومعها موضوع الإستنساخ هي فروض و امتحانات و تمارين و حلول تلامس حساسيات تحديد الإنتماء العائلي. الأمر الذي يهدد مفاهيم البنية العائلية في المجتمع البشري. وهو تهديد يستحق الدراسة والمناقشة المعمقة.
9- إن محاولات زيادة الذكاء السكاني (نسبة 20%) أو مايعرف بمحاولات إنتاج جيل من العباقرة , وأيضا محاولات زيادة متوسط أعمار البشر بحوالي عشرين بالمئة إضافية , هي محاولات محفوفة بمخاطر الإحتكار الذي يؤدي إلى التفرقة والتمييز العنصريين( العلميين) مما يجعل تكاليف هذه الأبحاث الأخلاقية خارج إطار قدرة البشرية على تحملها. فهي تشجع فرز البشر إلى أذكياء وأغبياء بكا يعني ولادة نوع جديد من الأسباب الممهدة لإنتهاك حقوق الإنسان.
10- ترتبط كرامة الإنسان بقاعدة ذهبية تقول: إن البشر يكونون أكثر فعالية وعطاء(أي أكثر إنسانية) عندما نعاملهم كأحرار مسؤولين متمتعين بإستقلاليتهم الذاتية وبفرادتهم.
11- إن مسألة الحفاظ على التنوع الإنساني ( الجيني والثقافي ) هي مسألة حيوية –محورية. ومحاولة إنتاج مخلوقات مثالية جينيا ( أو ثقافيا عن طريق العولمة) هي محاولة تحرم الإنسانية من هذا التنوع.
12- يجب أن تبقى العائلة الواحدة الرئيسة لتكاثر البشر ويجب الإصرار على عدم إستبدالها بأي من الوحدات المقترحة. وحول حبة الرمل هذ(أي العائلة) أي تطور اللؤلؤة التي تشكل التنوع الثقافي الإنساني. الذي لم تستطع الإقتراحات المطروحة لغاية اليوم أن تأي ببديل له. وبهذا تبدو العلوم النفسية , الطب النفسي خصوصا , وكأنها خط الدفاع الضابط للأخلاقيات. لكن هذا الضابط لا يشكل سوى قمة جبل الجليد. فمن ناحية يقع الطب النفسي ومعه العلوم النفسية والإنسانية كافة تحت تأثير علوم أخرى مثل الإقتصاد والإتصال والإحصاء. وهذا الأخير بات قادرا على فبركة النتائج بأي إتجاه كان , وباتت الإحصاءات لعبة بدون قواعد( أنظر فصل العرب والعولمة في هذا الكتاب). ومن ناحية أخرى فقد وقعت العلوم النفسية في أسر الفكر السياسي. فعلاقة هذه العلوم بالفلسفة علاقة قديمة وعضوية ومتبادلة. فلو راجعنا التصنيفات المقترحة للأمراض النفسية لوجدنا أنها متأثرة لدرجة التوحد بالفكر السياسي السائد. فالتصنيف الأمريكي يعتمد المبادئ البراغماتية والظواهرية من خلال تحديده للتشخيص من خلال العوارض. حتى إعتبر بعض المؤلفين يأن التصنيف الأمريكي هو حصان طراودة الذي يحاول الفكر الأمريكي النفاذ من خلاله إلى عقول الأطباء النفسيين حول العالم. فإذا ما أضفنا الوقائع المتوافرة حول أساءات إستخدام الطب النفسي فإنا نجد أن الفن المسمى بالسياسة قد إمتلك القدرة على السيطرة وعلى تسخير العلوم لمصلحته مع بقاء قواعده سرية وعصية على الأرصان في مناهج أكاديمية خاضعة للمنطق العلمي وقابلة للتجريب.
الانثروبولوجيا الثقافية الشخصية الحضارية
الدكتور عيسى الشماس تسمى الانثروبولوجيا الثقافية ايضا (الشخصية الثقافية) Culture and personality... وذلك بالنظر الى العلاقة الوثيقة بين الثقافة والشخصية الانسانية. فقد اثبتت بعض الدراسات ان التطابق في التقويمات المستقلة للمعلومات التي جمعت، بقصد دراسة معادل «الشخصية الثقافية *» بلغ حدا كبيرا يدل على توقع حدوث تعاون مثمر، بين الانثروبولوجيين والتحليل النفسي في ابحاث اخرى. ويدل ايضا، على ان من المستحسن ان يتدرب الباحث على فروع علمية عديدة حتى يتمكن من اجراء المراحل المختلفة من البحث والتحليل، والتي تتطلبها طريقة التركيب «السيكو * ثقافي» (هرسكوفيتز، 1974، ص 53). ومن هذا المنطلق، اكدت معظم التعريفات التي تناولت مفهوم الثقافة، ارتباطها بشكل اساسي بالنتاجات/ الابداعية والفكرية/ للانسان. وهذا يعني ان الثقافة ظاهرة ملازمة للانسان، باعتباره يمتلك اللغة، واللغة وعاء الفكر، والفكر ينتج عن تفاعل العمليات العقلية والنفسية التي يتمتع بها الانسان دون غيره من الكائنات الحية. فالعناصر الثقافية وجدت معه مذ احس بوجوده الشخصي/ الاجتماعي، واخذ مفهومها يتطور ويتسع، وتتحدد معالمها مع تطور الانسان، الى ان وصلت الى ما هي عليه الآن.
اولا * مفهوم الشخصية انطلاقا من ان الشخصية تعبر عن الجوهر الاجتماعي/ الحقيقي للانسان، فقد عرّفها رالف لينتون، بانها:«المجموعة المتكاملة من صفات الفرد العقلية والنفسية. اي المجموع الاجمالي لقدرات الفرد، العقلية واحساساته ومعتقداته وعاداته، واستجاباته العاطفية المشروطة» (لينتون، 1964، 607). كما عرفها فيكتور بارنوا: بانها تنظيم لدرجة ما، للقوى الداخلية للفرد، وترتبط تلك القوى بكل مركب من الاتجاهات والقيم والنماذج الثابتة، بعض الشيء، والخاصة بالادراك الحسي، والتي تفسر * الى حد ما * ثبات السلوك الفردي». (barnouw) وهكذا، يعبر مفهوم الشخصية عن الوصف الاجتماعي للانسان، والذي يشمل الصفات التي تتكون عند الكائن البشري من خلال التفاعل مع المؤثرات البيئية، والتعامل مع افراد المجتمع بصورة عامة. وهذا ما يعبر عنه: (بالجوهر الاجتماعي للانسان). اي انها مجموعة الخصائص (الصفات) التي تميز فردا/ انسانا بذاته، من غيره في البنية الجسدية العامة، وفي الذكاء والطبع والسلوك العام.
ثانيا * مفهوم الثقافة تعد الثقافة عملا مهما في تصنيف المجتمعات والامم، وتمييز بعضها من بعض، وذلك بالنظر لما تحمله مضمونات الثقافة من خصائص ودلالات ذات ابعاد فردية واجتماعية، وايضا انسانية. ولذلك، تعددت تعريفات الثقافة ومفهوماتها، وظهرت عشرات التعريفات ما بين (1871 * 1963)، منها ما اخذ بالجوانب المعنوية/ الفكرية، او بالجوانب الموضوعية/ المادية، او بكليهما معا، باعتبار الثقافة * في اطارها العام * تمثل سيرورة المجتمع الانساني، وابداعاته الفكرية والعلمية. وهذا التنوع في التعريفات، حدا بـ/ادغار موران/ ان يقول بعد مرور قرن على اول تعريف انثروبولوجي للثقافة:«الثقافة بداهة خاطئة، كلمة تبدو وكأنها كلمة ثابتة، حازمة، والحال انها كلمة فخ، خاوية، منومة، ملغمة، حائلة.. الواقع ان مفهوم الثقافة ليس اقل غموضا وتشككا وتعددا، في علوم الانسان منه في علوم التعبير اليومي» (MORIN, 1969, P5) ولعل اقدم تعريف للثقافة، واكثرها شيوعا، ذلك التعريف الذي وضعه/ ادوارد تايلور/، والذي يفيد بان الثقافة: هي ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد، والفن والاخلاق والقانون، والعادات وغيرها من القدرات التي يكتسبها الانسان بوصفه عضوا في المجتمع. (مجموعة من الكتّاب، 1997، ص9) وعرفها عالم الاجتماع الحديث/ روبرت بيرستيد/ بقوله:«ان الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه، او نقوم بعمله او نمتلكه، كاعضاء في مجتمع». وضمن هذا المفهوم، يرى/ جيمس سبرادلي (J.SPRADLEY) ان ثقافة المجتمع، تتكون من كل ما يجب على الفرد ان يعرفه او يعتقده، بحيث يعمل بطريقة يقبلها اعضاء المجتمع.. ان الثقافة ليست ظاهرة مادية فحسب، اي انها لا تتكون من الاشياء او الناس، او السلوك او الانفعالات، وانما هي تنظيم لهذه الاشياء في شخصية الانسان، فهي ما يوجد في عقول الناس من اشكال لهذه الاشياء. .(SPRADLEY,1972,P.P.6-7) وربما يكون احدث مفهوم للثقافة، هو ما جاء في التعريف الذي اتفق عليه في اعلان مكسيكو (6آب 1982)، والذي ينص على ان الثقافة * بمعناها الواسع * يمكن النظر اليها على انها:«جميع السمات الروحية والمادية والعاطفية، التي تميز مجتمعا بعينه، او فئة اجتماعية بعينها. وهي تشمل: الفنون والآداب وطرائق الحياة.. كما تشمل الحقوق الاساسية للانسان، ونظم القيم والمعتقدات والتقاليد». ويعتقد معظم علماء الانثروبولوجيا ان الحضارة ما هي الا مجرد نوع خاص من الثقافة، او بالاحرى، شكل معقد او «راق» من اشكال الثقافة. وبذلك لم يعتمدوا قط، التمييز الذي وضعه علماء الاجتماع بين الثقافة والحضارة.. فمن المعروف ان بعض علماء الاجتماع يميزون بين الحضارة بوصفها «المجموع الاجمالي للوسائل البشرية» وبين الثقافة بوصفها «المجموع الاجمالي للغايات البشرية». (لينتون، 1967، ص 143). وهكذا يمكن القول: ان الثقافة * في اطارها العام * ليست الا مفهوما مجردا يستخدم في الدراسات الانثروبولوجية للتعميم الثقافي، وان ضرورة الثقافة لفهم الاحداث في العالم البشري، والتنبؤ بامكانية وجودها او وقوعها، لا تقل اهمية عن ضرورة استخدام مبدأ (الجاذبية) لفهم احداث العالم الطبيعي وامكانية التنبؤ بها. وتأسيسا على ذلك، اعتمد كثير من الباحثين في دراسة الانثروبولوجيا الثقافية النفسية والاجتماعية/ على ثلاثة مفهومات اساسية، هي: التحيزات الثقافية: وتشمل القيم والمعتقدات المشتركة بين الناس. العلاقات الاجتماعية: وتشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس بعضهم مع بعض. انماط اساليب الحياة التي تعد الناتج الكلي المركب من التحيزات (الثقافية والعلاقات الاجتماعية) (مجموعة من الكتاب، 1997، ص 10). وهذا يعني ان الثقافة تهدي الانسان الى القيم، حيث يمارس الاختيار ويعبر عن نفسه بالطريقة التي يرغبها، وبالتالي يتعرف الى ذاته، ويعيد النظر في انجازاته وسلوكاته. وعلى الرغم من ذلك، فان اية ثقافة لا تؤلف نظاما مغلقا، او قوالب جامدة يجب ان يتطابق معها سلوك اعضاء المجتمع جميعهم. ويتبين من التأكيد على حقيقة الثقافة السيكولوجية، ان الثقافة بهذه الصفة، لاتستطيع ان تعمل اي شيء، لانها ليست سوى مجموع من سلوكات وانماط وعادات تفكير، عند الاشخاص الذين يؤلفون مجتمعا خاصا، في وقت محدد ومكان معين. (هرسكوفيتز، 1974، ص 65) فالثقافة لا توجد الا بوجود المجتمع، والمجتمع من جهته، لا يقوم ويبقى الا بالثقافة، لان الثقافة طريق متميز لحياة الجماعة ونمط متكامل لحياة افرادها، وهي التي تمد هذه الجماعة بالادوات اللازمة لاطراد الحياة فيها، وان كانت ثمة آثار في ذلك لبعض العوامل البيولوجية والجغرافية. ثالثا *الثقافة والشخصية ان شخصية الفرد تنمو وتتطور، من جوانبها المختلفة، داخل الاطار الثقافي الذي تنشأ فيه وتعيش و تتفاعل معه حتى تتكامل وتكتسب الانماط الفكرية والسلوكية التي تسهل تكيف الفرد، وعلاقاته بمحيطه العام. وليس ثمة شك في ان الثقافة مسؤولة عن الجزء الاكبر من محتوى اية شخصية، وكذلك عن جانب مهم من التنظيم السطحي للشخصيات، وذلك عن طريق تشديدها على اهتمامات او اهداف معينة. ويكمن سر مشكلة العلاقة بين الثقافة والشخصية في السؤال التالي:«الى اي مدى يمكن اعتبار الثقافة مسؤولة عن التنظيم المركزي للشخصيات؟ اي عن الانماط السيكولوجية؟ وبعبارة اخرى: هل يمكن للتأثيرات الثقافية ان تنفذ الى لباب الشخصية وتعد لها؟» (لينتون، 1964، ص 609). (ان الجواب على هذا التساؤل، يكمن في ان عملية تكوين الشخصية هي عملية تربوية/ تعليمية * تثقيفية، حيث يجري فيها اندماج خبرات الفرد التي يحصل عليها من البيئة المحيطة، مع صفاته التكوينية، لتشكل معا وحدة وظيفية متكاملة تكيفت عناصرها، بعضها مع بعض تكيفا متبادلا، وان كانت اكثر فاعلية في مراحل النمو الاولى من حياة الفرد. ويمكن ان نطلق اسم التثقيف او المثاقفة ENCULTURTION، على جوانب تجربة التعليم التي يتميز بها الانسان عن غيره من المخلوقات، ويوصّل بها الى اتقان معرفة ثقافته. والتثقيف في جوهره، سياق تشريط شعوري او لاشعوري، يجري ضمن الحدود التي تعينها مجموعة من العادات. ولا ينجم عن هذه العملية التلاؤم مع الحياة الاجتماعية القائمة فحسب. بل ينجم ايضا الرضا، وهو نفسه جزء من التجربة الاجتماعية، ينجم عن التعبير الفردي وليس عن الترابط مع الآخرين في الجماعة (هرسكوفيتز، 1974، ص 34) واذا كان /هرسكوفيتز/قد ركز على الاستمرارية التاريخية في الثقافة، من خلال عملية (المثاقفة)، فان /سابير/ يشدد على العلاقة بين الثقافة والشخصية، استنادا الى الاساس اللغوي الذي كان له التأثير الكبير في الانثروبولوجيا البنيوية. يقول سابير: «هناك علاقة اساسية بين الثقافة والشخصية. فلاشك في ان انماط الشخصية المختلفة، تؤثر تأثيرا عميقا في تفكير عمل المجموعة بكاملها، وعملها. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، تترسخ بعض اشكال السلوك الاجتماعي، في بعض الانماط المحددة من انماط الشخصية، حتى وان لم يتلاءم الفرد معها الا بصورة نسبية»، (SAPIR, 1967 P. 75). واذا كان ثمة فرق ما بين الشخصية والثقافة، فإن ذلك يعود الى الفرق في الاسس التي تقوم عليها كل منهما. فالشخصية تعتمد على دماغ الفرد وجهازه العصبي، ودورة حياتها ما هي الا مظهر من مظاهر دورة حياة الجسم الانساني. اما الثقافة فتستند الى مجموع ادمغة الافراد الذين يؤلفون المجتمع. وبينما تتطور هذه الادمغة كل بمفرده وتستقر ثم تموت، تتقدم دوما ادمغة جديدة لتحل محلها. ومع انه توجد حالات كثيرة من المجتمعات والثقافات التي طمستها قوى خارجة عنها، الا انه من الصعب ان نتصور ان المجتمع او ثقافته، يمكن ان يموت بسبب الشيخوخة. (لينتون، 1964، ص 387). وهنا يتجلى تأثير الثقافة القوي والفاعل في تكوين شخصية الانسان، الفرد اولا، والمجتمع ثانيا، في الجوانب التالية:
.1* توفر الثقافة للفرد، صور السلوك والتفكير والمشاعر، التي ينبغي ان يكون عليها، ولاسيما في مراحله الاولى، بحيث ينشأ على قيم وعادات تؤثر في حياته، بحسب طبيعة ثقافته التي عاش فيها.
.2* توفر الثقافة للافراد، تفسيرات جاهزة عن الطبيعة والكون، واصل الانسان ودورة الحياة.
.3* توفر الثقافة للفرد المعاني والمعايير التي يستطيع ان يميز * في ضوئها * ما هو صحيح من الامور، وما هو خاطىء.
.4* تنمي الثقافة الضمير الحي عند الافراد، بحيث يصبح هذا الضمير * فيما بعد * الرقيب القوي على سلوكاتهم ومواقفهم.
.5* تنمي الثقافة المشتركة في الفرد، شعورا بالانتماء والولاء، فتربطه بالآخرين في جماعته بشعور واحد، وتميزهم من الجماعات الاخرى.
6* . واخيرا، تكسب الثقافة الفرد، الاتجاهات السليمة لسلوكه العام، في اطار السلوك المعترف به من قبل الجماعة. (عفيفي، 1972، ص 141).
ان ردود فعل الفرد تجاه النظام، هي التي تؤدي الى نموذج السلوك الذي ندعوه الشخصية». وتصنف النظم في انظمة اولية ونظم ثانوية. فالنظم الاولية: تنشأ عن الشروط التي يمكن ان يتحكم فيها الفرد، (كالغذاء والعادات الجنسية، ،انظمة التعليم المختلفة). اما النظم الثانوية: فتنشأ من اشباع الحاجات وانخفاض التوتر الناجم عن النظم الاولية. مثال ذلك: اعتقاد بعض الشعوب بآلهة، تطمئن القلق الناجم عن حاجة هذه الشعوب الى تأمين موارد غذائية دائمة. ان ما يميز هذا الرأي عما سبقه، هو صفته الديناميكية، لان بنيان الشخصية الاساسية ينتج عن تحليل النظم الاجتماعية، وتحليل اثرها على الافراد في ثقافة بعد اخرى. (هرسكوفيتز، 1974،ص 51). ومما أدى فيما بعد الى تسهيل الدمج بين الاسلوبين: الانثروبولوجي والسيكولوجي، التخلي عن الفرضية التطورية التي استغلها العلماء الانثروبولوجيون الاوائل.. والواقع ان الفرضية (النظرية) التطورية تلاشت، وحل محلها مفهوم الثقافات بوصفها وحدات وظيفية متكاملة، كما ظهر الاتجاه الى دراسة المجتمعات البدائية باعتبارها كيانات قائمة بذاتها، وهذا ما دعا اليه /مالينوفسكي/ الرائد الاول لهذه الحركة. (لينتون، 1967).. ص 198، لقد اعتمد الباحثون النفسيون * في الواقع * على نتائج ملاحظاتهم المحدودة، كما لو انها قضايا مسلم بصحتها، فافترضوا وجود غرائز عامة متنوعة لتعليل ما لاحظوه من ظاهرات.. ثم تبين لهؤلاء العلماء ان معايير الشخصية تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات، فكان هذا الاكتشاف بمنزلة صدمة اضطرتهم الى اتخاذ خطوات جذرية لاعادة تنظيم مفهوماتهم. (لينتون، 1967، ص 30)، ولذلك، فانه على الرغم من ان الشخصية ليست في واقع الحال، الا نتاجا للعوامل الثقافية في المقام الاول، فان الفرد ينزع * من خلال تجربته الثقافية * الى تبني الشخصية النموذجية التي ترغب فيها جماعته. ولكن نجاح ذلك لايتحقق بالكامل أبدا، لان بعض الاشخاص اكثر مرونة من غيرهم، وبعضهم الآخر يقاوم عملية التثقيف اكثر من غيره. وهنا يمكن ان نميز بين ثلاث طرائق في بحث التفاعل بين الفرد وبين وسطه الثقافي. الطريقة الاولى: هي طريقة «الاشكال الثقافية»، التي تسعى الى تحديد الانماط السائدة في الثقافات، والتي تحبذ نمو بعض نماذج الشخصية. الطريقة الثانية: هي طريقة «الشخصية النموذجية» التي تؤكد ردود فعل الفرد تجاه الوسط الثقافي الذي ولد فيه. وهي طريقة اثنولوجية في اساسها، لان المرجع فيها دائما هو النظم الاجتماعية، والانماط الثقافية، التي تشكل الاطر التي ينمو بداخلها بنيان الشخصية السائد لدى الجماعة. فهي تركز اهتمامها على الفرد، معتمدة على تطبيق التحليل النفسي وعلى الدراسة المقارنة لمشكلات اوسع، تتمثل في مشكلات التلاؤم الاجتماعي. الطريقة الثالثة: هي «طريقة الاسقاط PROJECTION» التي تستخدم طرائق الاسقاط المختلفة، في التحليل، ولاسيما مجموعة /رورشاخ/ من بقع الحبر، وذلك لتحديد نطاق بنيان الشخصية في مجتمع معين. وفي هذه الطريقة يتمثل كل من الفرد والثقافة.. ولاشك في ان استخدام اختبار موحد ترجع اليه النتائج كلها، يزود بأداة منهجية لمعرفة بيان شخصية افراد جماعة ما، في ضوء تثقيفهم على النظم الاجتماعية والقيم في ثقافتهم. (هرسكوفيتز، 1974، ص 47 * 48.( وهكذا يمكن القول: ان الثقافة تضفي على حياة الفرد قيمة ومعنى، وتكسب وجوده غرضا له اهميته. وهي بالتالي تمد الافراد بالقيم والآمال والاهداف التي توحد مشاعرهم واساليب حياتهم. غير ان تشكيل الثقافة تنمو امكاناته وتتحرر قواه، ويكتسب قدراته المتعددة، ويصبح بالتالي قادرا على الاختيار الصحيح والتمييز الواعي. (فالثقافة هي طرق حياة الناس) مع الاخذ في الحسبان الفروق الفردية بين الاشخاص، من حيث تأثرهم بالثقافة او تأثيرهم فيها. لقد ناقش العلماء طويلا فيما اذا كان عالم الانثروبولوجيا، يستطيع دراسة الشخصية في المجتمعات البدائية، دون ان يخضع * هو نفسه * للتحليل النفسي. ولم يدر حديث طويل عما اذا كان يجب على عالم التحليل النفسي الذي يهتم بالدراسة المقارنة للثقافات، ان يحصل على معلومات مستمدة من خبرة مباشرة بالمجتمعات التي تختلف عن مجتمعه اختلافا تاما، في الجزاء والاهداف وانظمة الحوافز والضبط الاجتماعي. غير ان مجرد الاقرار بان تركيبات الشخصية الاساسية تختلف باختلاف المجتمعات، لا يحقق تقدما اكثر من مفهوم النمط الثقافي * السيكولوجي. ولا يكتسب هذا الاقرار اهمية علمية الا اذا امكننا تقصي طريق تكون الشخصية الاساسية، وارجاعها الى اسباب يمكن التعرف اليها، واذا امكننا ايضا التوصل الى تعميمات مهمة بشأن العلاقة بين تكون التركيب الاساسي للشخصية، وبين الامكانات الفردية الخاصة في مجالات التكيف. (لينتون، 1967، ص 200). ومما يلاحظ ان سيكولوجية الشخصية، سارت في خط تطوري يكاد يكون مماثلا لخط تطور الاثنولوجيا. فقد وقع هذا الفرع في بادىء الامر، تحت تأثير العلوم الطبيعية، فحصر اهتمامه في الفرد، وحاول تفسير اوجه التشابه والفروق الفردية على أسس نفسية. ومع ان علماء النفس سرعان ما ادركوا اهمية البيئة في تشكيل الشخصية، فإن فائدتها اقتصرت * في البداية * على استخدامها في تفسير الفروق الفردية. وبما ان الثقافة * في جوهرها * ظاهرة نفسية، تعيش في عقول الافراد، ولا تجد تعبيرا عن نفسها الا عن طريقهم، فان دور الشخصيات الفردية في الابقاء على الثقافة يتضح بصورة جلية جدا، في الطريقة التي تتمكن بها اية ثقافة من البقاء على قيد الحياة، حتى بعد انقطاع التعبير عنها في سلوك خارجي ظاهري، وحتى بعد زوال المجتمع الذي كان يحمل هذه الثقافة في الاصل. ولذلك، يستطيع عالم الاثنولوجيا ان يستعيد العناصر الاساسية لثقافة مجتمع منقرض، من آخر رجل من هذا المجتمع بقي على قيد الحياة، كما يستطيع ان يستعيد المهارات الخاصة التي سبق ان تدرب عليها هذا الرجل. (لينتون، 1964، ص 384). وتأسيسا على ما تقدم، نجد ان ثمة علاقة وثيقة وتفاعلية بين الثقافة وابنائها، فهي التي توجههم في جوانب حياتهم المختلفة، لدرجة انهم يتصرفون بطريقة منسجمة وآلية، في معظم الاحيان، والافراد في المقابل، يؤثرون في هذه الثقافة ويسهمون في تطويرها واغنائها، من خلال نتاجاتهم وابداعاتهم الفكرية والفنية والعلمية. ولذلك، نرى اهتمام علماء التربية والاجتماع والانثروبولوجيا، بدراسة الثقافة للتعرف الى السمات العامة للفرد او الجماعة (المجتمع) في اطار مكونات هذه الثقافة، والتعرف بالتالي على انماط الحياة الاجتماعية للناس، وتفسيرها والتمييز فيما بينها. | |
|
AsiArtiste مشرفة عامة
عدد المشاركات : 509 أنــــــــــــا جنسي هو : أنا جنسيتي هي : احترام القوانين : الوسام الممنوح للعضو : : 51232157 5103
| |
admin
Time Online : 1d 14h 59m 25s عدد المشاركات : 94883 أنــــــــــــا جنسي هو : أنا جنسيتي هي : احترام القوانين : الوسام الممنوح للعضو : : 138639823 29015
| موضوع: رد: سيكولوجية السياسة .. الانثروبولوجيا الثقافية - الشخصية الحضارية!! 06.12.10 11:29 | |
| | |
|