أولاً : في الجانب الاجتماعي والاقتصادي :
- شيوع روح العجز والفشل :
وذلك بسبب الهزائم التي حصلت للمسلمين في بدايات هذه الحروب ، حتى اقتنع بعض المسلمين بعدم إمكانية الانتصار ، واتجه بعضهم إلى اعتبار جهاد الصليبيين بالقلم واللسان قد يغني عن جهادهم بالسيف والسنان .
- ترك الجهاد كلية :
فشغل كثير من المسلمين أنفسهم بالعبادة من صلاة وصيام واعتكاف وذكر وتسبيح ، واتخذ ذلك صوراً عدة ، فمنهم من يهاجر إلى مكة والمدينة ليجاور أحد الحرمين .
ومن ذلك الدعوة إلى الزهد في الدنيا واحتقار ما فيها ، والعيش منها على الكفاف ، فمدحوا الجوع والعري والفقر، مما أصاب الناس بالكسل والتراخي ، فكان ذلك من أسباب تفوق أعدائهم عليهم .
ومنهم من اشتغل عن الجهاد بتأليف الكتب والرسائل والمقالات في يوم القيامة والدجال وظهور عيسى عليه السلام والجنة و ما فيها من النعيم والحور العين .
كما لجأ عدد من الشعراء إلى القصائد النبوية يمدحون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يستشفعون به ، أو يطلبون منه النصر على الأعداء ، وبعض هذا غير جائز شرعاً .
- استحداث مدن لم يكن لها وجود ملحوظ :
مثل مدينة قوص وثغر عيذاب على البحر الأحمر ، وذلك أن الصليبيين قد استولوا على فلسطين وثغورها فأصبح الطريق للحج لأهل الأندلس وشمال أفريقية غير مأمون ، فاتجه الحجاج إلى مصر ، ثم يسلكون طريق النيل إلى جنوبي القاهرة حيث مدينة قوص ، ومنها إلى ثغر عيذاب ، ثم يركبون البحر إلى البلاد المقدسة .
وترتب على ذلك أن عظم شان قوص وكثرت بها المدارس والمعاهد والمساجد ، وقصدها العلماء ، وبزغ منها علماء في الحديث والفقه والنحو ، وكثر بها الأدباء والشعراء ، و كذلك عيذاب .
ثانياً : في الجانب الاقتصادي :
- في الجانب الإيجابي : ترويج التجارة :
ونقل حاصلات الشرق ومنتجاته إلى أوروبا ، عن طريق جنوا والبندقية وبيزا ، وغيرها من الموانئ الأوروبية التي اشترطت للدخول في الحرب حصولها على امتيازات تجارية في ممالك الصليب بالشام .
وأصبحت مثل عكا وصيدا وصور واللاذقية مراكز تجارية هامة حملت حاصلات الشرق لأوروبا من مثل المنسوجات القطنية والحريرية والأواني الزجاجية واللآلئ والأحجار الكريمة والعاج والأخشاب والعقاقير والتوابل التي كانت ترد للشرق الإسلامي من الشرق الأقصى .
كل ذلك كان يأخذه الغربيون عن طريق العراق حيناً والشام حيناً لتستقر في الثغور التي احتلها الصليبيون في الشام ، ومنها تعبر البحر إلى أوروبا . كما استفادوا كذلك من بعض الثغور المصرية التي احتلوها كدمياط والإسكندرية .
ولا شك أن هذه الاستفادة التجارية لم تكن موضع رضا المخلصين ، بسبب أنها تجارة بين صاحب الأرض والمحتل الغاصب ، كما أن استمرار الجهاد ضد المحتلين لم يعط الفرص الكافية لاستقرار التجارة .
- الجانب السلبي : الخسائر في الأرواح والممتلكات والأموال :
وربما أدت الحروب الصليبية إلى دمار كامل لبعض المدن والثغور ، وهذا يحدث كساداً تجارياً وخللاً اقتصادياً .
وصاحب الحروب تعطيل لكثير من الصناعـات ، وتضييع لكثير من الحاصلات الزراعية ، واختلال الأمن ، وإشاعة للسلب والنهب ، أدى ولا شك إلى ارتفاع الأسعار لدرجة أعجزت الناس عن الحصول على ضرورياتهم .