شرح حديث : ( ثلاثة
يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم )
السؤال
: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله :
«
ثلاثة يحبهم الله
ويضحك إليهم ويستبشر بهم الذي
إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل
، فإما أن يقتل وإما أن
ينصره الله ، ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي
هذا كيف صبر لي بنفسه ،
والذي له امرأة حسنة ، وفراش لين حسن فيقوم من
الليل ، فيقول : يذر
شهوته فيذكرني ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر ،
وكان معه ركب
فسهروا ثم هجعوا ، فقام من السحر في سراء وضراء»
[حسنه
الألباني في صحيح الترغيب والترهيب].
نتمنى شرح كل حال من أحوال هؤلاء الثلاثة
وتوضيحه وجزاكم
الله خير
الجواب:
الحمد
لله
هذا الحديث رواه الحاكم في
"المستدرك" (68) والبيهقي
في "الأسماء والصفات" (931) – وهذا لفظه - .
وقال
الهيثمي في
"المجمع" (2/525) : " رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله ثقات "
.
وقال
المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/245) : " رواه الطبراني
في الكبير
بإسناد حسن "
وحسنه الألباني في "الصحيحة" (3478) ، وفي
"صحيح
الترغيب والترهيب"
(629) .
فهؤلاء
الثلاثة أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يحبهم ،
أما الأول :
فرجل قاتل في سبيل الله ،
فإذا
انكشفت فئة من أصحابه أو جماعة وانهزمت ثبت هو وقاتل من ورائها
صابرا
محتسبا ، يحمي حوزة المسلمين ، فلم يفر ولم يجبن ولم يضعف ؛ لأنه
موقن بنصر
الله أو الموت في سبيله ، كما قال تعالى : ( قُلْ
هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ ) التوبة / 52 ، يعني
: إما النصر وإما الشهادة .
ولذلك قال في الحديث: ( فإما أن يقتل وأما أن ينصره
الله ويكفيه )
يعني
: يكفيه عدوه ، ويحفظه ويكلؤه ، قال
تعالى :
( أَلَيْسَ
اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) الزمر / 36
فيقول
الله عز وجل : ( انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه ؟
)
أي كيف حبسها
لله ، وهيأها
للقتل في سبيله .
أما الثاني : فرجل له زوجة حسنة
، وفراش ناعم
مريح ، فترك ذلك لله ، وقام للتهجد بالليل .
فيقول
الله تعالى : ( يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد )
يعني يدع شهوته
وحاجة نفسه إلى النوم أو إلى امرأته ، من أجل مناجاتي
وذكري ، ولو شاء نام
ولم يقم .
قال
الحافظ ابن رجب رحمه الله
:
" من
فضائل التهجد : أن الله تعالى يحب
أهله ، ويباهي بهم الملائكة ويستجيب
دعاءهم "
انتهى من "لطائف المعارف"
(ص 43)
وروى الإمام أحمد (6589)
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله
عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ
يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ
رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ
وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي
فِيهِ . وَيَقُولُ
الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ
فَشَفِّعْنِي فِيهِ .
قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ ) .
صححه
الألباني في "صحيح الجامع" (7329)
وقد
روى الإمام أحمد (3939)
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي
الله
عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
عَجِبَ
رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ : رَجُلٍ ثَارَ عَنْ
وِطَائِهِ
وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلَاتِهِ
فَيَقُولُ
رَبُّنَا : أَيَا مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ثَارَ
مِنْ
فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى
صَلَاتِهِ
رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي .
وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فَانْهَزَمُوا
فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِي
الرُّجُوعِ
فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي
وَشَفَقَةً
مِمَّا عِنْدِي . فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِمَلَائِكَتِهِ :
انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي
وَرَهْبَةً
مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ ) .
حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (630)
أما الثالث : فرجل سافر مع رفقة ، فسهروا بالليل
ونصبوا
– أي تعبوا - ثم هجعوا – أي ناموا ، ولا شيء هو أحب وأشهى للمسافر
من
النوم بعد التعب والسهر فقام هو من دونهم يصلي بالسحر ، وهو جوف الليل
الآخر
، وترك النوم لله تعالى ، وقام يناجيه بالسحر ويدعوه .
وروى الإمام أحمد (20833) عن
أبي ذَرٍّ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قال : ( ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ .. ) فذكر منهم : (
الرَّجُل
يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ
حَتَّى
يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ ، وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ
فَيَطُولُ
سُرَاهُمْ حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الْأَرْضَ
فَيَنْزِلُونَ
فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ
لِرَحِيلِهِمْ )
صححه الألباني في
"صحيح الجامع" (3074) .
وقوله
: ( في
سراء أو ضراء ) يعني أن ذلك حاله
مع ربه لا يختلف ، يذكر الله على
كل حال ، سواء كان في مسرة أو في
مضرة .
فهؤلاء الثلاثة يحبهم الله
تعالى ؛ لأن كلا منهم آثر أمر
الله على شهوته وحظ نفسه ، وأعظمهم درجة
الأول الذي قاتل بعد انهزام
أصحابه ؛ لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من
الحياة ، ويليه الثاني ؛
لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الزوجة ومن
النوم ، ثم الثالث الذي
آثر أمر الله على حظ واحد من حظوظ نفسه .
وينظر
جواب السؤال
رقم (139913).
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب