أحوال الناس عند الموت وفي البرزخ
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق الإنسان من نطفة فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره فسبحانه ما أعزه وأقدره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله... أما بعد فاتقوا الله عباد الله وأصلحوا أعمالكم قبل فوات أعماركم فإن الدنيا وإن طالت بكم مدبر مقبلها ومائل معتدلها فهي إلى فناء صائرة وعن قريب زائلة أيها المؤمنون إن ربكم جلّ وعلا خلقكم للبقاء لا للفناء وإنما ينقلكم بعد خلقكم من دار إلى دار فأسكنكم سبحانه في هذه الدنيا ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾() ثم ينقلكم بعدها إلى دار البرزخ فتبقون فيها إلى يوم البعث والنشور كما قال تعإلى :﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾() وأنتم يا عباد الله في دار البرزخ بأعمالكم مدانون ومكافؤون فمكرمون بإحسانكم ومهانون بسيئاتكم فاتقوا الله عباد الله وافعلوا الخير لعلكم تفلحون فإن الإكرام والإهانة لأهل البرزخ تبدأ عند الاحتضار قبل خروج الروح قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ.وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ .وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُون .فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ .تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ . فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ .وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ .وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ .فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ .فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ . وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ .إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾() فكل واحد منكم أيها المؤمنون تتبين له حاله عند نزول الموت به واستمع بارك الله فيك إلى هذا الحديث العظيم ليتبين لك صدق ذلك فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وأخذ عوداً ينكت به الأرض فرفع رسول الله رأسه فقال :
(( استعيذوا من عذاب القبر. ثم قال :إن العبد إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة كأن وجوههم الشمس فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ،قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها،فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجد على وجه الأرض قال:فيصعدون بها فلا يمرون بها يعني على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله تعإلى فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له:ما دينك؟ فيقول :ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: ما علمك بهذا؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت.فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال :فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، قال :ويأتيه رجل حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له :من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح.فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.قال :وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب .قال: فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الريح الخبيث؟فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ ﴾() فيقول الله عز وجلّ :اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾() فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيقولان له : من ربك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري،فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب نتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول : أنا عملك الخبيث فيقول : رب لا تقم الساعة)) رواه أحمد وغيره بإسناد جيد.()
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله... أما بعد فاتقوا الله عباد الله واجتهدوا في الخيرات وسابقوا إلى الطاعات وتزودوا فإن خير الزاد التقوى أيها المؤمنون إن العبد إذا مات تبعه ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله فاتقوا الله عباد الله وتزودوا من الأعمال ما يؤنس وحشتكم وينزلكم منازل السعداء. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر.