وقفه مع حديث (إياكم والجلوس في الطرقات)
صيد الفوائد
: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم والجلوس في الطرقات ) فقالوا: يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال: ( فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ) قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال: ( غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ( أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المظالم ، باب أفنية الدور والجلوس فيها ، 5/112 برقم 2465 ، وفي كتاب الاستئذان 11/8 برقم (6229) ، وأخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب اللباس والزينة ، باب النهي عن الجلوس في الطرقات 3/1675 برقم(2121).
وقفه مع الراوي :هو أبو سعيد الخدري ، أسمه : سعد بن مالك بن سنان ، الخزرجي الأنصاري الخدري ، نسبة إلى خدرة ، حي من الأنصار ، استشهد أبوه يوم أحد ، وشهد أبو سعيد الخندق ، وبيعة الرضوان ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفاً ومائة وسبعين حديثاً ، وكان أحد الفقهاء المجتهدين ، مات ـ رضي الله عنه ـ سنة أربع وسبعين . (سير أعلام النبلاء 3/168 ، وتهذيب التهذيب 3/479).
من فوائد الحديث :
1ـ يهدف الإسلام إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي الأمور ، وسمو الأخلاق ، وعلو الآداب ، وينأى بأفراده عن كل خلق سيء أو عملٍ مشين ، ويريد أن يكون المجتمع مجتمع محبة وألفة ، تربط بين عناصره الأخوة والمودة ، ألا ترى إلى تلك المناقشة الهادفة بين قائد الأمة وأفرادها حول ظاهرة اجتماعية مهمة ، لو بقيت على وضعها لأفسدت المجتمع ، فدلهم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى الوضع السليم تجاهها.
2ـ تكامل الدين الإسلامي في تشريعه وأخلاقه وآدابه ، وفي رعاية حقوق الآخرين ، وفي كل شؤون الحياة ، تشريع لا يكاد يوجد في أي دين أو مذهب.
3ـ الأصل في الطريق والأفنية العامة أنها ليست للجلوس، لأنه يترتب على الجلوس فيها أضرار، منها:
أـ التعرص للفتنة. ب ـ إيذاء الآخرين بالسب والغمز واللمز.
ج ـ الاطلاع على الأحوال الخاصة للناس.
د ـ ضياع الأوقات بما لا فائدة منه.
4ـ عرض الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعض حقوق الطريق ، وهي:
أـ غض البصر وكفه عن النظر في المحرمات ، فالطريق معرض لمرور النساء اللاتي يقضين حوائجهن ، وغض البصر عن المحرمات من الواجبات التي يجب التقيد بها في كل الأحوال والظروف ، يقول تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون }. (الآية 30 من سورة النور)
ب ـ كف الأذى عن المارة بجميع أنواعه ، كبيراً أو صغيراً مثل الاعتداء بكلام السيء ، كالسباب والشتائم ، والغيبة ، والاستهزاء ، والسخرية ، وكذا الاعتداء بالنظر في بيوت الآخرين بدون إذنهم ، ويدخل في الإيذاء أيضاً لعب الكرة بالأفنية أمام البيوت ، فهي مصدر إيذاء لأهلها ، وغير ذلك.
ج ـ رد السلام ، وقد أجمع أهل العلم أن رد السلام واجب ، يقول تعالى{ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } (الآية 86 من سورة النساء ) ، ومن المعلوم أن الابتداء بالسلام سنة يؤجر فاعلها ، والسلام تحية المسلمين ، فهو دعاء بالسلامة والرحمة والبركة.
د ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هذا هو الحق الرابع المذكور في الحديث ، وخص بالذكر لأن الطريق ونحوه مظنة وجود المنكرات فيه.
وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على هذا المبدأ العظيم ، منها قوله تعالى:{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } (الآية 104 من سورة آل عمران) 5ـ وردت نصوص أخرى تذكر بعض حقوق الطريق ، ومنها : حسن الكلام ، وتشميت العاطس ، وإغاثة الملهوف ، وإعانة العاجز ، وهداية الحيران ، وإرشاد السبيل ، ورد ظلم الظالم ، جمعها الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ بقوله:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطر --- يق من قول خير الخلق إنساناً
أفش السلام ، وأحسن في الكلام وشمـ --- ـمت عاطساً ، وسلاماً رد إحسانا
في الحمل عاون ، ومظلوماً أعن وأغث --- لهفان ، أهد سبيلاً واخد حيراناً
بالعرف مر ، وأنه عن نكر ، وكف أذى --- وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا
(فتح الباري 11/11)