بيتا قديم يسكن فيه ليس له نصيب من هذا البيت سوى غرفة ضيقة يضع فيها اغراضه
وينام بداخلها
تمنى كثيرا ان يكون له بيت مستقل يعيش فيه مع زوجته وابناءه .. اذا تزوج !
مايتحصل عليه من ممارسة عمله البسيط لا يكفي لتحقيق ما حلم به
جاءته الفرصة لكي يسافر . تردد كثير قبل ان يقرر الرحيل
ذكرياته في ذلك المنزل كأعمدته القديمة راسخة منذ زمان ولكن احلامه شاهقة كتلك الجدران
للابراج السكنية المحيطة بمنزله
مازال يفكر ولم يتخذ القرار بعد
يصنع لنفسه كوبا من الشاي ويتجه نحو شرفة غرفته
يضع كوب الشاي على حافة الشرفة وينظر في الشرفة المقابلة لشرفته
يرى فتاته التي احبها منذ سنين تجلس في غرفتها وراسها بين يديها .. وتبكي
يريد ان يلفت انتباهها بوجوده ... يأتي بهاتفه من على منضدة متهالكة في غرفته
يتجه مرة اخرى إلى الشرفة وهو يضع هاتفه على اذنه ويجري اتصالا بفتاته الباكية الحزينة لفراقه
كانت تضع هاتفها بجوارها .. تسمع دقات الهاتف فتمسك به فترى اسمه ..
تلتفت ناحية الشرفة لتجده ممسكا بهاتفه بيده يضعه على اذنه وفي انتظار سماع صوتها
وفي اليد الاخرى ممسكا بكوب الشاي .
تغلق الهاتف وتتجه مسرعة إلى الشرفة تغلقها بقوة
يسقط من يده كوب الشاي وتدمع عيناه .!
قبل ذلك تناقشا كثير في امر سفره .. كانت ترفض هذا الرحيل
كانت تريده دوما بجانبها يستظلان بسماء وطن واحد وتلامس اقدامهما ارضا واحدة
ذكرته برفضها قبول الزواج من ذاك الثري العربي
ورفضها الزواج من هذا التاجر المعروف
كل هذا من اجل ان تبقى بجانبه
وانها رفضت ان تحيا كأميرة بدونه
وفضلت ان تبقى خادمة له ان تزوجا وسكنا في غرفته البسيطة ..!
حينها كان يستمع اليها ولا يرد .. وعندما نطق قال
سوف افكر..
تذكر ذلك وهو يسير إلى داخل غرفته ويجلس على سريره والدموع في عينيه
ويحاول الاتصال مرة اخرى بفتاته .. فيأتيه الرد.. الهاتف الذي تطلبه مغلق .
يمر الليل عليه كالدهر
وفي الصباح قد جمع اغراضه للرحيل .. ارتدى ثيابه وهم بالخروج من باب الغرفة
وقبل خروجه نظر إلى شرفة حبيبته .. ومازالت مغلقة
يودع اهله وينطلق خارج البيت وقد انتظرته سيارة احد الاصدقاء لتوصله إلى المطار .
قبل ان يرتادها رفع نظره عاليا باتجاه شرفة فتاته لم يرى سوى خشب اصم..
ورحل ..
ونظرات فتاته تودعه بالدموع من خلف الشرفة !!
.
تمر الايام والشهور والسنوات في الغربة يعاني .. يتألم .. يقاسي .. يتحمل
يعود إلى ارض الوطن وقد جمع من المال مايؤهله لتحقيق حلمه وحلم حبيبته
يعانق الاهل فرحا واشتياقا .. يلقى اصدقائه ..بيته يعج بالزوار ..
يأتي الليل ويأوي الى غرفته .. يفتح شرفته وينظر إلى شرفة حبيبته
يجدها قد جلست على سريرها مرتدية ازهى الثياب .. تنظر اليه وتبتسم
يخرج هاتفه لكي يحدثها مازال الهاتف مغلق !
في غربته حاول كثيرا ان يحدثها هاتفيا .. وايضا الهاتف مغلق !
لا يهم مادام يراها الان بعينيه ، هكذا يحدث نفسه .
ولكنه اشتاق لسماع صوتها فينادي باسمها بصوتا مسموع .. تنظر اليه وتبتسم ولا ترد
يمضي الليل بأكمله ينظر اليها ويسعد بابتسامتها ويحتار لصمتها .!
يأتي الصباح ليجد يد والده على كتفه توقظه وقد نام جالسا على كرسي بجوار الشرفة .
..
بعدما تناول افطاره مع اهله .. حدث اباه وطلب منه ان يأتي معه اليوم لخطبة فتاته
ينظر اباه إلى الارض ويصمت برهة . قبل ان يقول ..!
البقاء لله
لقد توفيت الفتاة بعد رحيلك بعدة اشهر حزنا على فراقك .!!
يغشى عليه ..
وفي المساء يجلس بجوار شرفته في انتظار فتاته !