يتصف المسلمون بانهم أهل لقاءات وألفة وتوادد بينهما فكبيرهم يعطف على صغيرهم، وصغيرهم يحترم كبيرهم وتتأكد روح الجماعة لدى المسلم.. وقد جعل الله لهم مكاناً يجتمعون فيه ومناسبات على مدى العام يحتفلون بها ويتذاكرون في هذا المكان... فكان مسجد الرسول صص أول مسجد بني في الإسلام في المدينة المنورة.. وانتشرت المساجد في كل اصقاع العالم أينما وجد المسلمون، وجد المسجد ليعلمهم في اللقاءات، التعبد والخضوع للخالق العظيم... فلم يكن المسجد وسيلة للعبادة فقط، فالمسلم المؤمن يستطيع أن يؤدي فرائض الصلاة في داره، إلا أن عظمة المسجد تتجلى في لم شمل المسلمين في أوقات الصلاة وفي المناسبات، وكذلك الاضرحة، ومراقد الأئمة والصالحين من آل البيت واولادهم ومن سار على منهجهم... لذا اعتبر المسجد وبحكم كونه رمزاً للعقيدة الإسلامية، ليس مكاناً لأداء الصلوات فحسب، فالمسجد هو مركز اجتماعي يجتمع فيه المسلمون، كما يمكن للمسجد أن يسهم في التخفيف عن المشاكل والآلام لدى الفرد ومعاناته، ولا تقل المراقد والاضرحة في تأثيراتها النفسية في تحقيق التوترات والمشكلات النفسية الناجمة عن الغربة أو الابتعاد عن الأهل أو التهجير أو التشريد بفعل الظلم الواقع على المسلمين في دولة المسلمين...
فالمسجد، والمرقد أو الضريح أو الحسينية تعتبر اليوم من اكثر المراكز الدينية تأثيراً على المسلم، وخاصة عندما يشعر بالاضطهاد وحالات الاغتراب التي يعاني منها الكثير من اخواننا في الإسلام لما مروا به من ظروف صعبة واضطهاد في حياتهم، فتلك الأمكنة باتت لدى معظمنا بيوت لراحة النفوس، وهي بنفس الوقت عوامل دعم للحالة المعنوية لكل مسلم. فزيارة مرقد لاحد الصالحين أو ضريح لاحد الائمة، أو اللقاء في المسجد في مناسبة أو اللقاء في الحسينية، يعتبر عامل تجديد في معنويات المسلم ليستمد منه العزم في الاستقامة والصبر، لا سيما أن شهر رمضان من اولى ما يتعلمه المسلم المؤمن الصبر والشعور بأخيه المسلم بما يلاقيه من جوع وعطش وخوف في الحياة.
إن الدين الإسلامي، حينما فرض شهر رمضان، تجلت فيه كل عظمة الكون، ففيه انزل القرآن، وفيه تعلم المسلم الصبر والتحمل، وفيه أن تشعر بآلام الغير مما يعانوه من مشاكل في الحياة، وخاصة الامتناع عن الأكل لساعات من اليوم. إضافة إلى تعليم النفس على قمع شهواتها وايقافها عن غيرها بالامتناع عن سلوك العدوان اللفظي تجاه الغير.. فالابتعاد عن الحديث والكلام عن الآخرين وذكرهم بما لا يليق.. هو سلوك يحتم الصبر والتحلي به.
إن شهر رمضان الكريم يعلم المسلم المؤمن بأن يوجه سلوكه نحو التقويم والتعديل فهو يمده بحرارة الإيمان المستمدة من روح الإسلام المتجددة عبر الأزمات. فيضفي عليه صحة العقل والنفس. ويدمجه مع المجتمع في ثلاثين ليلة فضيلة، وهي من جهة تعتبر عبادة وقراءة للقرآن ولقاءات مع الاحبة في الإيمان والدين، وفوق كل ذلك اعادة الثقة بالنفس المتعبة. والمنهكة بفعل الظروف الصعبة والايام الثقيلة.. فيطل شهر رمضان على النفوس المتعبة وكانه علاج رباني لكل تلك المتاعب والآلام.
إن الله سبحانه وتعإلى يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، فشهر رمضان بكل مدلولاته السماوية هو إصلاح للنفس البشرية، والتي بصلاحها يتحقق تهذيب السلوك الانساني، ففي هذا الشهر العظيم يكثر ذكر الله وهو ما يؤدي إلى أن تطمئن القلوب ((أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)).
ومن جهة أخرى هي دعوة لمحاسبة النفس، وعودتها إلى طريقها القويم إن ابتعدت... قال تعإلى ((فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا))(الزمر41).
وهكذا فإن لرمضان، الشهر الكريم معاني في اللقاء والتعبد والآلفة والتواصل والتوادد، وزيارة الأئمة والمراقد واعلاء شأن المسلمين بلقاءهم الجماعي في المسجد...
وهكذا يظل الشهر الكريم، يحمل بكل معانيه، عظمة الإسلام كدين ومنهج لكل البشرية وفي كل مكان وزمان.