نعرف جيداً بأنه يحرم حلق اللحية ، أو إسبال الإزار ؛ بنص الأحاديث الواردة في ذلك ، ولكن سؤالي هو أنه في بلادنا يمنع إعفاء اللحية ورفع الإزار ، ويعتبر من يفعل ذلك مشبوها لدى الأجهزة الأمنية ويتعرض للسجن والتعذيب ، والتحقيقات وحجز جوازات السفر وغيرها من الفتن التي تتعرض لها أسرة الشخص المستقيم . في هذه الظروف الصعبة يعيش الشباب المستقيم والتواق للالتزام بالشرع الحنيف على منهج السلف الصالح أوقاتاً صعبة من تقصير اللحى وإسبال الإزار وغيرها من ترك السنن الثابتة والذي لا يتبع هذا الطريق يكون مقره السجون سؤالي هو : هل نتقي شرور وفتن السجون ومضايقات قوات الأمن بتقصير أو حلق اللحى وترك السنن عموماً أو نصبر على الأذى ؟
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان ، وأن يمكن لهم في الأرض ، ويُري أعداءهم منهم ما كانوا يحذرون .
لاشك أن صدع المؤمن بالحق ، وثباته على ذلك ، وصبره على ما يلقاه في سبيل الله هو الأفضل والأولى ، فمن رأى من نفسه الثبات والصبر ، فالأولى له أن يجاهر بالحق ، وليحتمل ما يصيبه بسبب ذلك ؛ قال تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/1-3 .
ومن خاف على نفسه الضرر ، وكان الضرر حقيقياً ، وليس مجرد وهمٍ أو جبن ، فأخذ برخصة الله ؛ دفعاً للضرر عن نفسه ، فلا حرج عليه .
فجمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا بالعزيمة ، وصبروا على ما أوذوا في سبيل الله ، ولم يعطوا الكفار ما يريدون منهم ، رغم ما كانوا يلاقون من أصناف التعذيب .
ومنهم – كعمار بن ياسر رضي الله عنهما – من أخذ برخصة الله ، وأعطى الكفار ما يريدونه من النيل من الإسلام ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع اطمئنان قبله بالإيمان ، وفيه نزل قوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
والسجن وما يكون فيه من التعذيب نوع من الإكراه المعتبر عند العلماء يبيح للمسلم ترك بعض الواجبات ، وفعل بعض المحرمات التي أكره عليها .
لكن الواجب أن تقدر الضرورة بقدرها ، فإن أمكن دفع الضرورة بتقصير اللحية لم يجز حلقها ، وإذا لم يمكن إلا بالحلق جاز له حلقها ، وليؤخر ذلك ما استطاع ، وهكذا يقال في تقصير الثياب ، وعدم إسبالها .
وينبغي أن يُذكِّر المؤمن نفسه دائماً ، بأن هذه الحال التي هو عليها حال ضرورة ، ويكون صادقاً مع نفسه ، فإذا ما اندفعت الضرورة عاد إلى ما أمره الله به ، وصدع بالحق .
وليجتهد المسلم فيما يقدر عليه ، وليبذل طاقته في ذلك ، ولا حرج عليه إن شاء الله ، فيما تركه خشية حصول الضرر ، ولا يجوز له ترك الواجبات التي لا يضطر إلى تركها .
قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة / 286 ، وقال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16.
ونسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين ، ويذل أعداء الدين .
والله أعلم .