تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
درج الناس على أن الصـــالحين والأوليـــاء وحدهم هم الذين يعظمــــــون الله تعــــــــــالى،أمـــا العصـــاة فهـــم المطرودون من رحمـــة الله، ولا شك أن المعصية شـــــؤم على صاحبها، بخـــــلاف الطــــاعة، أو كمــــا عبر عنه الإمــــام
الحبر ابن عباس _ رحمه الله _ حين قـــــــــال:
"إن للحسنة ضيــــــاءفي الوجه، ونــــــورا في القلب، وسعة في الرزق، وقـــــــــــــوة في البدن، ومحبــــــــة في قلوب الخلق،
وإن للسيئة ســــــوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنــــــــا في البدن، ونقصـــــــــا في الرزق،وبغضــــــــــة في قلوب الخلق. "
بــــــــــــــــــــــاب التعظيم مفتوح
غير أننا نر يد أن نشد على يد العصاة ألا يقنطوا من رحمة الله،
وأن المعصية لا تحول بين تعظيم الله تعإلى في قلوب عباده، فطبيعة النفس البشر ية أنهــــــــــــا مخطئة، وقد يكون هــــــــذا الخطأ متعلقا بأمور الحيــــــــــــــاة، أو متعلقا بمخالفة أمر الله رب العالمين،
والمطلوب من المخطئين أن يسعوا لتركها لله،
وأن يدركوا خطـــــــأها عند فعلها،
وأن يستحضروا مغفرة الله تعإلى وعفوه بعـــــــــــــــــــدها،
فإن هذا سبيل للخلاص منهــــــــــــــا، وتعظيم لله تعـــــــــــــإلى في قلوبهـــــــــم.
وإن المرء ر بمــــــــــــــا يسير في غير طر يق الله،ولكن قلبـــــــه معظم لله تعـــــــــــــالى، فيهبه الله تعـــــــــــإلى بصلاح داخله صلاح خــــــــــارجه،
ومثـــــــال هذا مايحكى عن بشر الحافي،
وهــــو من أعــلام الزهـــد والورع في الأمــــــة،فقد سُئل ما بـــــــال اسمك بين الناس كأنه اســـــــــــم نبي؟
قـــــال : هذا من فضل الله وما أقـــــــــول لكم،
كنت رجلا متشردا صـــــاحب "عصــــــابة" فمررت يومـــــــــا فــــــــــإذا أنــــــــــا بقرطــــاس في الطر يق فرفعتــــه فــــــــإذا فيه
"بسم الله الرحمن الرحيم"
فمسحته وجعلته في جيبي، وكـــــان عندي درهمـــان ما كنت أملك غيرهمــــــا،
فذهبت إلى العطــارين فــــــاشتريت بهما غـــــــالية (نوعـــــا من الطيب) ومسحته في القرطــــاس فنمت تـلك الليـــــلة،فرأيت في المنــــــــــام كـــــأن قــــــائلا يقــــــــول لي:
يــــــــــا بشر بن الحارث رفعت اسمنــــــــــا عن الطر يق، وطيبته لأطيبن اسمك في الــــــــــدنيا والآخرة، ثـــــم كان مــــــــا كان.
رواه أبو نعيم في الحلية.
إن وقـــــوع المعصية لا تحـــــول دون أن يـــــــــــأتي
الإنســـــان الصـــالحات.
وإن كــــــــــان الإنسان قد يعصي بجـــــــــــــارحته، فلا يجعل القلب هو الآخر يعصي،وقـــــــــــــد فرق العلمــــــــــــاء بين نوعـــــــــــــين من المعصيـــــــــة:
معـــــــــــاصي الجـــــــــــــــــوارح ،
ومعـــــــــــاصي القــــــــــــــلوب،
وإن كـــــــــــان هناك تــــــــــأثير فيمــــــــــا بينهمـــــــــــــا،
وأشــــــــــدها خطرا معصيــــــــــة القلب،
فــــــــــإذا عصى الإنســــــــــان ربه بجـــــــــــــارحته،
غلبـــــــــــة للنفس الأمارة بالسوء،
أو وسوسة من الشيطـــــــــــان،
فليسعى أن يُبقى قلبــــــــــــــه نـقيــــــــــــــا عن معـــــــــــــاصيه، فيصفيـــــــه من شوائب الشرك وتعظيم غير الله تعــــــــإلى في قلبه،
ومن عظَّم ربه في قلبـــــه أعــــــــــانه الله تعإلى على أن يعظمـــــــــــــه بجوارحــــــــه.
وســـــــــــائــل متعـــــــــــددة للتعظيـــــــــــــم
وتعظيم الله تعإلى للقلب لـــــــــــــــه وسائل متعددة لا يمكن حصرهـــــا،فقد يكون الإنســــــــان عاصيا،
غير أنه يستمع إلى آيـــــــــة من كتــــــــاب الله تعالى، فيقع في قلبـــــــه تعظيم كــــــــــلام الله، وهو جزء من تعظيـــــــــــــم الله.
ومثــــــــــــــال ذلك: هذا الـتحول الكبير في حيــــــــــاة قــاطع
الطر يق الفضيل بن عيـــــــــــاض، ليصبح إمــــــــــــــاما للحرمــــين الشر يفين،
وهو أحـــــــــــــد كبار علماءالأمة،
فمع كون الفضيل كــــــــــــــان قاطعا
للطر يق، مخيفـــــــــــا للناس،
يرهبـــــــون بطشه، قد ذهب ليسرق أحــــــــــــــد البيوت قبيل الفجر، وحين تسلق جــــــــــــــدار البيت، فــــــــــــــإذا به بشيخ كبير يقرأ القرآن،
وكـــــــــــان من الممكن أن يستمر في عمــــــــــلية السرقة، غـــــــــير أن السرقة،
وهي معصيـــــــــــــة الجارحة لم تغلب هـــــــــــــذه المرة قـلب الفضيل،
فلمـــــــــــــا سمع الرجــــــــــل يقرأ قولــــــــــه تعالى
" : أَلَمْ يـــــــــــــَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَـــــــــــــانَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَـــــــــــــدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" الحديد:16
فنظر الفضيل إلى السمـــــاء وقـــــــــال:
يــــــا رب، إني أتــــوب إليك من هــــــــــــــذه الليـــــــــــلة،
ثم نزل فـــــاغتسل ولبس ثيـابه وذهب إلى المســــــجد يبكي، فتاب الله عليــــــــــــه.
إننا كثيرا مـــــــــــــا ننفي الإيمـــــــــــــان عن العصاة،
مع أنه ليس منــــــــــا إلا وهو يعصي ربه،
غير أننـــــــــا نجعل المعصية في أنـــــــــــــواع معينة بعينـهــــــــــا، ونــقع نحن في معصية حـــــــــــــين الحـــــــــــديث عنهم بذمهـــــــــــــم،
فـــــــــــــــإذا ما أخطـــــــــــــأ الإنسان خطأ، أشعل النـــــــــــــاس ألسنتهم عنه، نـــــــــــــاسين أنهم يقعون في معصية الغيبـــــــــة والنميمـــــــــــة.
تعظيــــــــــم الله شر يـــــــــــــان الحيــــــــــــــاة
إن استشعـــارالعــــاصي أنــــــــه أخطـــــــأ في حق الله،
وأنـــــــــه مــــــــا استحل المعصيـــــــــــة،
وأيقن في داخلـــــــــــــه أنه في حاجــــــــــة إلى الله ليتـــــــــوب عليـــــــــه،
فعلـــــــــم أن لـــــــــــــه ربا يـــــــــــأخذ بــــــــــــــالذنب ويغفر الـــــذنب..
فهــــــــــذا من تعظيـــــــــــم العصـــــــــــاة لله،
إنهم لم يهيمـــــــــــــوا في الأرض يفسدون ويعبثـــــــــون ولا يبــــالون، وهذا هـــــــوخيط الإيمــــــــــان في حيـــــــــــاتهم.
والاستمرار على العـــــــــــودة إلى الله تعظيـــــــــــم لله تعالى، فإذا انـقطع ذلك الحـــــــــــبل، فقد فُقدالتعظيــــــــــم.
ومثل هــــــــــذا المعنى يلفت انــتبـــــاه كل من عصــــــــــاالله، ألا يفرِّط في تعظيــــــــــم الله، وأن يعض عليـــــــه بالنـــــــــــواجذ،
وأن يجـــــــــــــــاهد نفسه، ليرفعه الله تعـــــــــــــإلى من وضيعة الذنب إلى علو الطــــــــــــــاعة،
ومن ذل البعـــــــــــد، إلى عز القرب، متمثلا قولــــــــــــــه تعإلى : "وعجلت إليك رب لترضى".
فهل لا يزال تعظيم الله حصرا على أوليـــــــــــاء الله، أم أنـــــــــــه أيضا في حياة العصـــــــــاة، ليهتف في الناس جميعــــــــــــــا..
إنه شر يــــــــــــــان الحيــــــــــــــــــــاة.