الحلقة 25
(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
النصر)
د.
الربيعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد
لله وأصلي وأسلم على رسول الله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد،
حياكم الله في حلقة من حلقات برنامجكم المبارك "لنحيا بالقرآن" نسأل الله
عز وجل أن يحيي قلوبنا بكتابه. ما زلنا وإياكم مع سور كتاب الله عز وجل،
تلك السور التي نعيش فيها في ظلالها ونحيا مع آياتها متمثلين فيها المعاني
التي يمكن أن نطبقها في واقعنا. معنا اليوم سورة عظيمة سورة تأنس لها
القلوب المؤمنة وترجوها قلوب المؤمنين اليوم إنها سورة النصر. سورة هي آخر
سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كسورة وليست كآية. نزلت عليه أولاً
تبشره بأن هذا الدين الذين منحه الله تعالى إياه فسيمنحه الله تعالى معه
النصر والخير الكثير. وهي إشارة في نزولها إلى تمام هذا الدين في شرعه
والرسالة ولذلك هذه السورة كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنه وعمر رضي
الله تعالى عنه أنها في أَجَل النبي صلى الله عليه وسلم. لعلنا نتأمل من
خلال هذه السورة هذا المعنى العظيم ونأخذ منه مقصداً عظيماً وهو أن الله
تعالى يعدنا بأن هذا الدين موصول بالنصر وموصول بالفتح إلى يوم الدين
"وليبلغنّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار". ويبين الله تعالى أن هذا النصر
مربوط بأمر وشروط هي تسبيح الله عز وجل والتوبة إليه والرجوع إليه وصدق
الرجوع إليه كما سيأتي في بيان هذه السورة. لعلنا نأخذ بعض آيات هذه السورة
وقبل ذلك هل يمكن أن نأخذ فيها معنى بيان أَجَل النبي صلى الله وسلم؟
د.
الخضيري: لا شك أن هذه السورة لما نزلت علم منها
فقهاء الصحابة أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك لأنه إذا جاء نصر
الله وفتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فاستغفر يا محمد وسبح بحمد
ربك واستعفر إن الله تواب عليك. يفهم كل واحد من هذا المعنى من هذا السياق
أنه قد أديت الأمانة وأكملت الرسالة وبلّغت المهمة التي عليك فاستعد للقاء
الله بالتسبيح والاستغفار. هذا ما فهمه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وما
فهمه عمر وما فهمه ابن عباس ولذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أخذ بعض
الصحابة عليه أنه يُدخل ابن عباس مع كبار الصحابة أراد أن يبين لهم لماذا
يفعل ذلك، لمكانة ابن عباس وعلمه بالكتاب.
د.
الربيعة: وببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
له.
د.
الخضيري: نعم، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم عندما دعا له قال: اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل" فعُلِّم
التأويل. فابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يوماً ما دعاه عمر ليدخل مع كبار
الصحابة فلما اكتمل المجلس قال ما تقولون في قول الله عز وجل (إِذَا جَاء
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ
اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3))؟ فهم أجابوا بظاهر الآية وظاهر الآية وما
أجابوا صحيح وليس خطأ ولكن عمر كان يسأل عن المعنى الذي يحتاج إلى تأمل
وتدبر وإعمال فِكر فهذا هو الذي كان يبحث عنه عمر رضي الله عنه ويقيس به
فهم ابن عباس ومدى رسوخه في العلم. فقال ما تقولون فيها؟ قالوا أمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليه ونصره ودخل الناس في دين الله
أفواجاً أن يسبح بحمد ربه ويستغفره. قال ماذا تقول فيها يا ابن عباس؟ قال
هذه أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني أنها تبين أن محمداً قد حان
أجله لأنه لما قال إذا جاء نصر الله فسبح يا محمد واستغفر يعني إستعد
للموت. قال لا أعلم منها إلا ما تعلم فأذعن الصحابة وعلموا ابن عباس قد
أوتي علماً وهو شاب. ولذلك يقول ابن عباس في وصف نفسه وهو يتمدح في قول
الله عز وجل (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا
الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ
ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ
(7) آل عمران) يقول أنا من الراسخين في العلم.
د.
الربيعة: وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم له. نستفيد من هذا أنه إذا لمحنا من شاب فطنة وإقبالاً على العلم أننا
نجعل له من أمرنا اهتماماً ونجعله في مجالس الكبار حتى يتعلم منهم.
د.
الخضيري: بلى بل إننا يجب أن نكون لماحين في
التعرف على أبنائنا ومن حولنا فنسخر كل واحد فيما يصلح له. قال النبي صلى
الله عليه وسلم "إعملوا كلٌ ميسر لما خُلق له". فعندما أرى شاباً عنده ذكاء
وفطنة فاجعله مع من يوقظه وينبهه وعندما أجد شاباً جلداً على الزراعة
والحرث أعلمه ما ينتفع به، كما كان النبي يسخر الصحابة لما أسلم خالد بن
الوليد قال هذا سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين.
د.
الربيعة: هذه رسالة.
د.
الخضيري: ولما اسلم أبو هريرة وجاء ورأى عنده
حرصاً على أحاديث رسول الله دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في
الحفظ فصار أحفظ أصحاب رسول الله حتى حكى لهذه الأمة أكثر من خمسة آلآف
حديث وعنده خير كثير لم يدانه أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
د.
الربيعة: لعلنا نقف عند لفتة في دعاء النبي صلى
الله عليه وسلم لابن عباس بالعلم أنه ينبغي أن نُكثر من الدعاء لأبنائنا
بالعلم وبفهم القرآن العظيم فإنه إن علموا وفهموا كتاب الله فقد استقاموا.
لعلنا ندلف إلى السورة في قوله عز وجل (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ) إذا تأملت هذا الأسلوب العظيم (إذا جاء) أنه لم يأت بعد مع
أنه قد جاء. هنا قال الله تعالى (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)
والنبي صلى الله عليه وسلم قد نُصر وفُتح له فهذا يعطينا معنى عظيماً أن
هذا النصر لا يزال ولن يزال لهذه الأمة، هذا النصر وهذا الفتح. فهذا يعطينا
بشرى من الله للمؤمنين بان هذا الدين ودينكم منصور ما بقيت الدنيا فما
أعظم هذا المعنى في هذه السورة العظيمة.
د.
الخضيري: قول الله عز وجل (إِذَا جَاء نَصْرُ
اللَّهِ وَالْفَتْحُ) يجب أن نعلم أن هذا النصر الذي يؤتى من الله وأنه إذا
كان النصر الذي ستؤتاه الأمة من الله فيجب علينا أن نعتني بالله لأن النصر
من عنده. الناس يعتنون الآن الحكومات والدول سواء منها الإسلامية وغير
الإسلامية تعتني بالتسليح وتعتني باشياء كثيرة ترى أن النصر يتحقق بها
وتنسى الله. نحن لا نقول لهم اتركوا الإعداد، الإعداد مطلوب ولكن يجب أن
يكون هذا الإعداد وسيلة والحقيقة يجب أن نعلم أن النصر لا يكون إلا من الله
ولا ينحقق إلا بالله ولا يُسأله أحد إلا الله وعلينا أن نوفي الله حقه وأن
ننصر الله بتحكيم شرعه والقيام بأوامره واجتناب نواهيه. فإذا فعلنا ذلك
عملت هذه الوسائل وأدّت مفعولها وأثّرت في واقع الحياة وهذا شيء يجب علينا
أن ننتبه له، النصر من عند الله. ولعلنا نذكر شيئاً حدث للمسلمين في عهد
قريب مع إخواننا في غزة انتصروا مع أنهم كانوا مغلوبين وكانوا محاصرين
لأكثر من عام ونصف والعدو يحاصرهم من كل زاوية حتى منع عنهم الطعام والشراب
والدواء ثم قاتلهم قتالاً شديداً ودمّر البنى التحية لأرضهم ومع ذلك لم
يستطع أن يتقدم شبراً واحداً في أرض غزة لأنه خاف ولأنهم وجدوا أسوداً
نصروا الله سبحانه وتعالى فنصرهم فكانت هزيمة ساحقة لليهود وإسرائيل التي
تدّعي أنها إسرائيل وهي كاذبة في دعاوها، كانت هزيمة ساحقة. ونحن نعلم أن
إخواننا في غزة عندهم أخطاء ولم يكملوا كل شيء لكنهم صدقوا في نصرتهم لله
عز وجل وفي التجائهم إلى الله فأعطاهم الله النصر وإلا كانوا بين فكي
الكماشة يكاد عدوهم أن يستأصلهم. وقد قال من قال من علماء الحرب والعسكريين
أن اليهود سيمسحون غزة من الخارطة وسيفعلون بهم الأفاعيل وسيذهب كل من في
غزة من البشر، ماذا حدث؟ ثلاث وعشرون يوماً وإسرائيل تدك وتدك إخواننا في
غزة ويئست من ذلك ورجعت خاسئة خائبة بحمد الله سبحانه وتعالى.
د.
الربيعة: هنا وقفة أشرت إليه في قوله (نصر الله)
النصر ليس على كل حال أن يكون الإنسان يُفتح له في البلاد، النصر هو لثبات
على الدين والقوة والرسوخ كما مثلت في نصر إخواننا في غزة. لقد نُصروا وإن
لم يفتح لهم في بلادهم لكننا نسال الله أن يُتبع الله لهم هذا النصر فتحاً
فيمكنهم في الأرض وبإذن الله سيكون لهم ذلك إن ثبتوا على نصر الله ودينه.
في قوله (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)
هذا وعد من الله بأن هذا الدين سيدخله الناس.
د.
الخضيري: وهذا رآه الناس فيما قبل ورأينا شيئاً
منه
د.
الربيعة: ورآه النبي صلى الله عليه وسلم في عام
الفتح وفي عام الوفود.
د.
الخضيري: في عام الوفود بعد الفتح بعام جاءت وفود
من كل مكان فدخلت في دين الله أفواجاً. ونحن اليوم نرى شيئاً من ذلك، في
قارة أفريقيا يدخل الناس في دين الله أفواجاً والله ليسوا بالمئات ولا
بالآلآف بل بعشرات الآلآف قرى بأكملها عن بكرة أبيها تدخل في دين الله عز
وجل مذعنة طائعة.
د.
الربيعة: بل في الدول العظمى التي تواجه الإسلام
تجد من المسلمين كثير. لعلنا نختم السورة بختامها (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)
د.
الخضيري: ينبغي أن نقابل كل نعمة بأن نُكثر من
عبادة الله وذكره. وذكر الله هو أجلّ العبادات. فإذا فتح الله عز وجل علينا
وآتانا من فضله فعلينا أن نشطر نعمة الله سبحانه وتعالى وأن نسبح بحمد
الله وأن نستغفره. قد تقول لماذا الاستغفار وقد أنعم الله علينا؟ لماذا
الاستغفار وقد قمنا بنصر الله؟ فأقول لا يمكن للإنسان أن يقوم بعبادة الله
على وجه الكمال والتمام فلا بد أن نقصِّر نحن بشر لا بد أن نخطيء نحن بشر،
ولا بد أن يجري على أعمالنا شيء من الشوائب نحن بشر ولذلك نستغفر الله عز
وجل. أُنظر إلينا أول ما ننتهي من صلاتنا نستغفر الله لأنك في صلاتك قد
تخطيء، قد تسهو، قد تغفل، قد تقصر في الخشوع فإنك تستغفر الله لأنك ما عبدت
الله عز وجل حق عبادته.
د.
الربيعة: وهناك معنى آخر وهو أن الاستغفار يقطع
على الإنسان وساوس الشيطان بالبطر والإعجاب بهذا العمل بعد تمامه فإن هذا
من أعظم مداخل الشيطان يصطاد بها الإنسان يُظهر له العُجب وأنك فعلت وفعلت
فيُبطل أجره. فهذا الاستغفار يجعلك تستحضر قصورك وافتقارك وأن هذا العمل
ليس في حق الله لم يكن في حق الله في شيء فحق الله عظيم، هذا عمل يسير فيما
آتاك الله تعالى. ختام السورة عظيم فتسبيح لله عز وجل هو تمجيد يوم أن
مجّدك الله ومجّد دينك تمجّده وتسبحه. والحمد هو الوصف الكامل لله عز وجل
فتسبحه وتحمده (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) فهذا من الشكر
يوم أن كمّل الله تعالى لك الدين فاجعل هذا في الثناء على الله عز وجل ثم
بعد ذلك في الاستغفار فالجمع بينهما له مناسبة ظاهرة. ثم في ختام السورة
(إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) هذا المعنى يعطينا فسحة من ربنا والله تعالى يمد
يديه إلينا فيقول (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) إنه يدعونا أن نتوب وأن
نستغفر وأن نرجع إليه
د.
الخضيري: وهو توّاب كثير التوبة على عباده.
د.
الربيعة: ما أعظم هذا الختام! وما أعظم أن نكون من
أهله وأن نقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي كان يتأوّل هذه السورة
فكان يُكثر في آخر حياته من الاستغفار والتسبيح لله عز وجل كما قالت عائشة
رضي الله عنها
د.
الخضيري: كان يُكثر أن يقول في سجوده وفي ركوعه
سبحانك الله وبحمد اللهم اغفر لي.
د. الربيعة:
ختاماً هذه السورة العظيمة التي تعطينا معنى النصر والوعد من ربنا بالنصر
وتعطينا الوعد من ربنا بالفتح وتعطينا من ربنا لهذه الأمة أن هذه الأمة أمة
سيكثرها الله تعالى بالدخول في دين الله عز وجل فما علينا إلا أن نقوم بحق
هذا الدين بالنصر، حق هذا الدين أن نكون من أنصاره وأن ننصر الله عز وجل
بعبادته وطاعته والدفاع عن دينه والبذل في سبيله علنا أن نحوز وأن نكون من
أهل نصر الله عز وجل. فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحنا نصره المبين
وفتحه الكريم وأن يقر أعيننا بفتح ونصر للإسلام والمسلمين. بهذا نختم هذا
اللقاء ونسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.