د. الربيعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. نجدد معكم اللقاء في تمام حديثنا في هذا البرنامج المبارك لنحيا بالقرآن ومع تمام سورة تحدثنا عنها في المجلس الماضي هي سورة الفلق. ولعلنا نجدد الحديث عن مقصدها ونتابع آياتها. هذه السورة سورة الفلق ومعها الناس المعوذتين سبب نزولهما هو التعوذ بالله من الشرور الظاهرة والباطنة ومعنى آخر هذه السورة هي للتحصن والوقاية من الشرور كلها ظاهرها وباطنها، سورة الفلق ظاهر في كونها ي الشرور الظاهرة وسورة الناس في كونها من التحصن والتعوذ بالله تعالى من الشرور الباطنة. وقفنا في هذه السورة مع قوله عز وجل (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) فهل لك أن تعطينا لمحة ووقفة.
د. الخضيري: هذه السورة تعوذت من الشرور كلها (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴿١﴾مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴿٢﴾) كما بينا في الحلقة الماضية واليوم نذكر الشرور المفصلة التي ذكرت في هذه السورة. وهذه الشرور المفصلة جاءت ثلاثة الأول الليل (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) والثاني السحر (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) والثالث الحسد (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
د. الربيعة: قد يسأل سائل ما سر تخصيص هذه الأمور الثلاثة؟
د. الخضيري: الله أعلم ليس عندي تحقيق من هذا لكن لشدة الشرور الواقعة من خلال هذه الأشياء الثلاثة وخفائها وكثرتها وأيضاً مهما اتخذ الإنسان من احتياطات لوقاية نفسه منها فإنه لا يستطيع ولذلك لا بد له من أن يستعيذ بالله عز وجل ويعتصم بجنابه من الوقوع في شيء من شرّها. نبدأ بالاستعاذة من الليل ومن المناسب اننا نسجل هذه الحلقة في الليل ونقول يستعاذ بالله من شر هذا الغاسق الليل الذي تشاهدونه، هذا الليل إذا وقب هو الذي يستعاذ منه، لماذا الليل؟ لأنه تختبئ في ظلمته شرور كثيرة فالمفسدون في الأرض يختبئون في ظلمة الليل ويخططون في ظلمة الليل ويحبكون المؤامرات في ظلمة الليل، الذين ينشرون الفساد لا يقومون بذلك إلا في ظلمة الليل، الذي يريدون أن يسرقوا أموال الناس ويقطعوا طريقهم لا يعملون إلا في الليل، الهوام والدواب لا تسري بين الناس وتؤذيهم فتلسعهم وتلدغهم إلا في الليل. وشياطين الجن تتحرك في بداية الليل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كفّوا صبيانكم" يعني عند غروب الشمس فإن للشياطين انتشاراً. أيضاً السباع من الذئاب والثعالب والأسود والفهود والنمور وغيرها إنما تذهب للبحث عن صيودها في الليل وتؤذي الناس في الليل. البث الفضائي والبث الإذاعي بالأغاني والمجون يكون في الليل، الرقص يكون في الليالي الحمراء والبارات والخمّارات لا يكون إلا في الليل.
د. الربيعة: إذن الإنسان وهو يتعوذ بالله من شر الليل يستحضر هذه المعاني ومنها اصحاب الشر الذين يظهرون في الليل ومنها كما ذكرتم أصحاب القنوات وأصحاب الفساد وغيرهم
د. الخضيري: نعم يستحضر هذا كله ويتعوذ بالله من هذا الليل إذا دخل لكثرة ما يكون فيه من الشر, العباد ينقسمون في الليل إنقساماً ظاهراً فمن الناس من اتخذ الليل مطية للعبادة ومناجاة الله والخلوة بالله سبحانه وتعالى ينقطع عن الدنيا وما فيها وشاغلها وهؤلاء هم خيار أهل الأرض وهكذا كان الأنبياء والصالحون من عباد الله إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن الناس من يتخذ هذا الليل وسكونه وهدأته في نشر الفساد وترويجه ويتدثر هذا الليل من أجل أن يفسد في الأرض نسال الله العافية والسلامة، أولئك شرار الخلق. الليل شيء واحد ومع هذا يستعمل في الحق وفيما يتقرب به إلى الله وفي الوقت ذاته يستعمل في شر شيء يكسبه الإنسان. ومعنى الغاسق هو الليل، وورد في الحديث (وهذه نبينها للناس حتى لا تُشكل عليهم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وهو يشير إلى القمر إستعيذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب. فقد يقول قائل النبي صلى الله عليه وسلم اشار إلى القمر فهل هذا يتعارض مع صدّرتم به الآية أنه الليل؟ نقول لا تعارض
د. الربيعة: هو هنا تعوذ فأنت تتعوذ بالله من شر هذ الليل ثم المعنى الآخر القمر أنه هو موضع الإضاءة وموضع النور والضياء والكشف فلعلك تستعيذ برب هذا القمر الذي يضيء أن يكشف لك هذه الظلمة وما فيها من الشرور ويزيلها عنك. هذا معنى لعله ظاهر في هذا.
د. الخضيري: أنا لا أعرف هذا المعنى ولعله إن شاء الله يكون مقبولاً أو شيئاً مما يتسع له صدر المفسِّر. لكن ذكر العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى القمر وأراد به أنه آية الليل لأن القمر يظهر في الليل، فالآية اشرات إلى الليل والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر علامة الليل وهو ظهور القمر والله أعلم..
د. الربيعة: بعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
د. الخضيري: قبل ذلك بقي أمر مهم نحن دائماً نحاول أن نربط الآيات بالواقع فنقول هذا الليل يمكن أن يستعمل بالخير ويمكن أن يستعمل في الشر فهو آية من ىيات الله وعلينا أن نستعمله في الخير وأن لا نتخذه مطيّة إلى الأعمال السيئة، هذا أولاً. ثانياً أن نتقي الشر والأشرار في هذا الليل فنكفّ أبناءنا ونمنعهم من السهر ونحرص على أن نجتمع بهم في أول الليل ثم نطمئن أنهم أخلدوا للراحة والنوم ولا نسمح لهم بالخروج إلا في حدود الحاجة والضرورة ولا نتيح لأبنائنا أن يعبثوا بالأمن ويذهبوا للأسواق ويسيئوا بالأمن ونحن في فروشنا فيؤذوا عباد الله ونكون قد تحملنا وزرهم.
د. الربيعة: في الحقيقة في الليل يجتمع شياطين الإنس والجن فيكون سبباً في الفساد المركّب. بعد ذلك يقول عز وجل في الشر الذي يستعيذ الإنسان منه (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
د. الخضيري: المقصود بها السحر بغض النظر هل النفاثات هم السواحر أو الأنفس السواحر، المقصود بأن السحر شرّه عظيم وخطره بالغ ولأنه شيء غير مشاهد ولا يمكن أن يحترز منه فجعله الله مما يستعاذ منه في هذه السورة.
د. الربيعة: وهذا أمر ظاهر في الناس بسبب ما يكون بينهم من الشحناء والبغضاء وما يوغره الشيطان في صدورهم من العداوة فهذا السحر من أسباب إظهار الشر بينهم وهو واضح ظاهر في وقتنا الحاضر نسأل الله العافية. كم نسمع من السواحر والسحرات الذين انتشر شرهم فيستعيذ الإنسان بالله من شر هذا السحر وأهله. والتعبير بالنفّاثات هل هو دلالة على الساحرات أو الأرواح والأنفس السواحر؟ أقول تعبيره بالنفث للإستعاذة من شر هذا الساحر في وقت سحره ونفثه وهو اجتماع الأرواح الشريرة وقت فعل هذا الساحر لهذا السحر فينبغي للإنسان أن يستحضر هذا المعنى وأقول أن من أعظم ما يدفع شر الساحر والسحرة عنه أن يمتثل أمر الله عز وجل ويستعيذ بالله عز وجل من شرهم فيقرأ هذه السورة. هذه السورة من أعظم العلاج لدفع هذا السحر وهذا الشر العظيم.
د. الخضيري: ونقول ايضاً أنه متى علمت أخي المشاهد بساحر أو ساحرة يمارس هذا السحر فعليك أن تقوم بواجبك بإبلاغ السلطات والجهات المعنية عن هؤلاء لأنهم مفسدون في الأرض. وليسوا مفسدين فقط بل كفار والعياذ بالله لأن الساحر لا يتمكن من السحر حتى يخضع للجن ويعبدهم من دون الله، بل إننا وجدناهم ورأيناهم بالصور وهم والعياذ بالله يطأون على المصاحف ويبولون عليها ويتغوطون والعياذ بالله عليها ويضعونها في دورات المياه إرضاء لجنّهم وشياطينهم حتى يسخروا لهم ما يريدون أن يفعلوه بالناس. فالسحر بوابة الكفر لا يمكن للإنسان أن يكون ساحراً حتى يكفر بالله عز وجل. إذن نحن نقول متى علمتم بساحر أو علمتم بساحرة فاجتهدوا أن تكافحوهم وأن تقلعوا هذا الشر والفساد من أرض الله. وحدّ الساحر كما ورد في الحديث ضربة بالسيف فيجب أن يُستأصل هؤلاء الأشرار من الأرض.
د. الربيعة: ما أرحم الله تعالى بنا عندما أمرنا بالتعوذ من هذا الشر العظيم. الشر الذي أمرنا الله بالإستعاذة منه هو الحسد والعين (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)
د. الخضيري: والحسد شيء خفيّ ولا يكاد يخلو جسد من حسد ولكن المؤمن يدفعه ويرضى بقضاء الله وقدره ويطمئن لأمر الله. عندما تعلم أن أخاك أصابه مال كثير قد يقع في قلبك خواطر هذا الحسد لكنك لما تتذكر أن هذا فضل الله وأن الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء وأن الله كما أعطى الآن فهو سيعطي بعد آن وأن نعم الله ليست مقصورة. ذكِّر نفسك بأشياء كثيرة هذا يدفع عن بإذن الله عز وجل الحسد فيذهب عنك ولا تلام على ما وقع في قلبك لكن المنافق والفاسق والذي لا يرضى بقضاء الله ولا يطمئن لوعود الله ماذا يفعل؟ إنه يطمئن للحسد ويبدأ هذا الحسد يفعل فعله في نفسه فما يزال يحسد أخاه حتى يكيد له وحتى يصيبه بعينه ويؤثر عليه ويؤذيه أذى بالغاً وهو شر عظيم ومن آثاره العين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العين "لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"
د. الربيعة: نلحظ في هذا الزمن كثرة هذا الشر وهذا الشر يظهر أنه يقترن كثيراً مع النعمة فإذا كثرت النعمة عند الناس حسد بعضهم بعضاً عليها وهذا عجيب والواجب عكس ذلك أن تكون هذه النعمة سبباً في فضل الناس بعضهم على بعض. وأشير في مناسبة هذا أننا ينبغي أن نتقي هذا الحسد وهذه العين بأسباب كثيرة منها التعوذ بالله والتحصن وخاصة أن نحصن أبناءنا فإن كثيراً من الناس يتساهلون وخاصة من النساء، فمنهن هداهن الله من تزيّن أبناءها بل قد تزيّن نفسها ثم تخرج إلى تلك الأفراح والمناسبات وتتعرض لأسباب الحسد والعين بذلك. أقول ينبغي علينا أن نتقي ذلك خاصة وأنه قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر أمته يموتون من العين. فمن أسباب ذلك الوقاية بالتعوذ ومن أسباب ذلك البعد عن أسبابه ومسبباته. إذن هذه السورة العظيمة سورة الفلق سورة هي توجيه ووصية من الله عز وجل لنا أن نتقي الشرور بالتعوذ والإعتصام والإلتجاء إليه سبحانه وتعالى والتوحيد الخالص له سبحانه وتعالى وأن نتقي هذه الشرور بالبعد عنها أولاً ونحذر أن نكون من أهلها بالسحر والحسد والليل وغيرها. ينبغي أن نكون من أضدادها الصالحين الذي يحبون الخير للناس، الذين يدفعون الشر عن الناس، الذين ينشرون الخير بين الناسز هذه السورة العظيمة من الله عز وجل لنا أن نستعيذ بالله سبحانه وتعالى من الشرور التي كم نتعرض لها في أزماننا وحياتنا. بهذا نختم حديثنا عن هذه السورة ولنا معكم بإذن الله تعالى لقاء في مجلس آخر نسأل الله أن يقينا وإياكم وذرياتنا وأزواجنا الشرور كلها ظاهرها وباطنها وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عدل سابقا من قبل صقر في 06.05.10 15:08 عدل 3 مرات
كاتب الموضوع
رسالة
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:02
الحلقة 22
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه هذا هو المجلس الحادي والعشرون من مجالس برنامجكم "لنحيا بالقرآن". هذا المجلس مخصص لسورة الماعون، هذه السورة التي تتكون من آيات معدودة يقول الله تعالى فيها (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴿١﴾ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴿٢﴾ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿٣﴾ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿٤﴾ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴿٥﴾ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴿٦﴾ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿٧﴾) هذه السورة هي سورة تتحدث عن المكذبين بيوم الدين وعن أخلاقهم السيئة تنفر من تلك الأخلاق وتبين أثر التكذيب بالدين على أخلاق الإنسان. إن الإنسان إذا كذب بالدين ظهر أثر ذلك على حياته فتجده لا يبالي بحقوق الخلق لا يبالي بالضعفاء ولا يرحم المساكين ولا يقوم بالواجبات ولا يقري الضيف ولا يكرم الجار ولا يحسن إلى الناس ولا يحترم الأنظمة لأنه لا يؤمن باليوم الآخر ويظن أن الحياة هي هذه الحياة وكفى ولذلك هذه السورة جاءت لتبين لنا كيف أن التكذيب بالدين يؤثر بالإنسان وعلى طريقة تعامله مع الحياة والأحياء وطريقة تعامله مع أوامر الله عز وجل ونواهيه فهي تطغى عليه تهيمن عليه وعلى تصرفاته. هذا ملاحظ جداً وسيبين الدكتور محمد كيف هذا الأثر يظهر على الإنسان عندما مكذباً بيوم الدين.
د. الربيعة: هذه السورة تتحدث عن المكذبين بالدين وصفاتهم وبيان أثر هذا التكذيب في سوء الأخلاق وسوء التعامل وانعدام نفع الناس أن يكون الإنسان المكذب همه نفسه مصلحته لأنه لا يؤمن بالجزاء ولا يؤمن بالآخرة. فما الذي يدعوه إلى الإحسان وما الذي يدعوه إلى البذل والعطاء إلا رياء وسمعة أو مصلحة شخصية فإذا انعدم الإيمان باليوم الآخر انعدم نفع الإنسان للناس وبذله وعطاؤه. وتأمل كيف سميت هذه السورة بسورة الماعون. هناك علاقة بين هذا الإسم فإن هذا الماعون إناء الطعام يشير إلى أن المكذبين بالدين يبخلون بالنفع والعطاء حتى بالماعون لأن العرب من عادتهم في قلة آنيتهم وقلة ما عندهم كان يستعير بعضهم من بعض فإشارة إلى أنهم يمنعون الماعون فضلاً عن أنهم يعطون الطعام بالماعون ويمنحونه.
د. الخضيري: قد نجد أناساً ينضبطون بالأخلاق وينفعون الناس وهم لا يؤمنون باليوم الآخر ولكن كل ذلك لمصالح حاضرة وعاجلة. مثل الآن ما نراه من الغربيين تجدهم منضبطين في حياتهم منضبطين بالأنظمة واللوائح والقواني التي تسنها الدول ما الذي يحدوهم إلى ذلك؟ الخوف من الجزاء والعقوبة الدنيوية وليس العقوبة الأخروية ولذلك إذا أمنوا هذه العقوبة نجدهم أول من يلقي بهذه القوانين والأنظمة عرض الحائط ولا يبالي بها. ولذلك تجد في بلادهم أحياماً كتب تصدر تقول لك كيف تستطيع الوصول إلى الشياء الفلانية من دون أن يكون هناك مدخل عليك من جهة الأنظمة، ليس هناك خوف من الآخرة، ليس هناك خوف من الجزاء والحساب. أبيّن هذا في مشهد يتكرر كثيراً، تجد مثلاً هؤلاء أمناء عندما تتعامل معهم معاملة مالية تجد أن هناك قدر واضح من الأمانة قد لا تجد عند بعض المسلمين للأسف الذين هم مسلمون بالإسم ولكنهم لا يمتثلون إسلامهم على الحقيقة. هذه الأمانة هل هي صادرة من الإيمان باليوم الآخر؟ لا وكلا، هي من رجائه لأن تتم المعاملة بينك وبينه حتى يضمنك كزبون لمصلحة يريد تحقيقها. الدليل على ذلك أُنظر إليه في تعامله مع والديه عندما يبلغ الثامنة عشرة يغادر بيت والديه ويذهب يضرب في الحياة، لا يكاد يعرف والديه إلا في السنة مرة في عيد الميلاد أو رأس السنة يرسل بطاقة أو رسالة قصيرة أو يتصل بالهاتف ويسلم على والده ووالدته. عندما نذكر قيمة الوفاء هم أوفياء لكن ليس لأجل الآخرة وإنما لمصالح دنيوية آنية متى علموا أنها لا تفيدهم ضربوا بها عرض الحائط. ولذلك من أحق الناس بالوفاء؟ أليس والديك؟ اللذان قاما عليك وأديا حقوقك وأطعماك واجتهدا في تربيتك ثم بعدما بدأ نفعك ذهبت وتركتهما وتبخل عليهما بنصف دولار ترسله إليهم
د. الربيعة: أذكر مثالاً على هذا في أخلاق الكافرين فيما بينهم مما يدل على جفاف نبع الخير في نفوسهم والعطاء والنفع والسبب في ذلك هو عدم الإيمان باليوم الآخر. أرأيتهم كيف تعاملهم فيما بينهم إذا ذهب بعضهم مع بعض للمطاعم تجد كل واحد يشتري لنفسه كما يقال للأسف الشديد من بعض الشباب الذي يريد أن يقلدهم "على الطريقة الأميركية". أذكر مرة من المرات كنت مع أحد الشباب ذاهب من القضيم إلى الرياض وفي الرياض وقفنا عند مطعم وقال نحن على الطريقة الأميركية فقلته له ما هي الطريقة الأميركية؟ قال تشتري لتفسك واشتري لنفسي، قلت أنا أعتذر عن هذا فأعطيت صاحب المطعم النقود فجاء ليحاسب فعاتبني فقلت هذا ليس على منهجنا وعادتنا للأسف الشديد شبابنا يظنون أن هذه الطريقة طريقة حضارية وهي الحقيقة دليل على عدم الرحمة فيما بينهم والتعاون فيما بينهم وبذا العطاء والنفع فيما بينهم.
د. الخضيري: وعدم رجاء الآخرة. النبي صلى الله عليه وسلم أول ما دخل المدينة ما هي الكلمات التي أعلنها كدستور وميثاق للمسلمين وهو راكب على ناقته القصواء؟ لم يحط رحاله في مدينته، كان يقول أربع كلمات، كان يقول: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" أربعة أشياء ثلاثة منها في نفع الناس هذا موعود عليه وعد أن تدخلوا الجنة بسلام فإذا أردت أن تدخل الجنة بسلام أفشي السلام وأطعم الطعام وصِل الأرحام وصلي بالليل والناس نيام، أسأل الله أن يجعلني وإياكم كذلك.
د. الربيعة: لو أخذنا صفات الكافرين من خلال السورة يقول الله عز وجل (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) لاحظ هذا الاستفهام، اشاهدت هذا المكذب كيف أخلاقه؟ لتعلم أن تكذيبه بالدين يدل على أنه إنسان غير سوي بأخلاقه وتعامله إذن نستطيع أن نحكم على الإنسان في خلقه وتعامله مع الناس في مدى صدقه وفي مدى حسن تعامله ووفائه، في مدى بذله وعطائه وهذا يجعلنا نقول أننا نحن المسلمون ينبغي أن يكون بيننا من التعاون والتراحم والتعاطف والعطاء والبذل مما يظهر في صفاتنا مقارنة بغيرنا
د. الخضيري: ولذلك أقول عوداً على بدء متى تأخر الإيمان بالدين عنا أو غاب عن قلوبنا وعن حياتنا فإن ذلك سوف يظهر في أخلاقنا وأفعالنا وتصرفاتنا. تلاحظ الآن في حياة المسلمين ما الذي يجعلهم يكذبون ويغشون ويفعلون أفعالاً نكراء لا يبالون بحقوق الناس، يظلمون الخلق، يعتدون على أموالهم ويعتدون على أعراضهم، ما هو السبب في ذلك؟ السبب ليس أنهم لا يؤمنون بالدين ولكنهم لأن الإيمان بالدين قد غاب عن أذهانهم، لا يشاهد الجنة ولا يشاهد النار كأنه يراها رأي العين، فهو يعيش في دنياه ولذلك عنده استعداد أن يظلم ويسرق ويأكل مال الناس ويرتشي، يفعل المنكرات والمحرمات مع أنه مقتنع بأنها محرمات ومع أنه مقتنع بأنه سوف يجازى ويحاسب عليها يوم القيامة ولكن هناك غيبة وهناك غفلة وهناك تغطية على القلب حول هذه الأشياء التي تسير الإنسان وتغير مسارات
د. الربيعة: إذن نستطيع أن نقول أن من علامات صدق الإيمان نفع الناس وخاصة الضعفاء كما قال الله عز وجل في سورة البلد (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿١١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿١٢﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿١٣﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿١٤﴾ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿١٥﴾ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴿١٦﴾) العطاء للمساكين دليل على أنه عندك إيمان لأن هؤلاء ليس بينك وبينهم مصلحة، لا ترجو منهم شيئاً هؤلاء ضعفاء مجردون من كل ما يمكن أن يمنحونك من مصالح فكلما كنت قريباً من المساكين كلما كنت أدل على صدق إيمانك وقوة دينك.
د. الخضيري: ننتقل إلى الموطن الآخر الذي نحاول من خلاله أن نركز انتباه المشاهدين على ما في هذه السورة من نواحي عملية. قال الله عز وجل مبيناً صفات هؤلاء الكافرين (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)) يدع اليتيم يعني يدفعه عن حقه وهو لا يريد أن يعطيه شيئاً لا من حقه ولا من حق الله الذي أوجبه له. الله عز وجل أوجب لليتيم الاحترام والعطف والرحمة واللين والحلم ولذلك قال (فذلك) وأشار إليه إشارة إلى البعيد لأنه قد أبعد عن رحمة الله وأبعد عن معية الله سبحانه وتعالى.
د. الربيعة: وتأمل كلمة (يدُعّ) كلمة فيها قوة ليست فقط يمنع بل يمنع ويدفع بإهانة وازدراء واحتقار. إن هذا لدليل على جفاف وقسوة القلوب تماماً.
د. الخضيري: ولذلك كان المشركون الذي بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لا يرحمون الميت، أول ما يموت الميت يأتي الكبير من روثته كأخيه مثلاً أو ابنه الأكبر فيستولي على ماله ويبقى هؤلاء الضعفاء من الأيتام لا مال لهم يتكففون الناس وياتي الرجل ايضاً ويستولي على مال أخيه أو ابنه ويدع زوجته وأولاده بلا مال فجاءت آيات القرآن منكرة هذا الوضع البشع، هذا الوضع الشنيع الفظيع الذي لا يليق بالإنسانية ولا يليق بأهل الإيمان (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) يدفعه عن حقه ولا يحترمه ويمنعه عن حقه ثم يقول (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) يعني أنه أيضاً لا يرحم المساكين، إذا لم يطعمهم لا يحض على إطعامهم.
د. الربيعة: لا يحض على إطعامهم. تصور إنسان يأتيك فلا تطعمه فيذهب لآخر فلا تحضه على ذلك وربما تمنعه، إن هذا لجفاف، إن هذا انعدام الرحمة في القلب.
د. الخضيري: دعنا ننتقل إلى بعض المواطن العملية في السورة التي نريد أن نلفت أنظار المشاهدين إليها وهي قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5))
د. الربيعة: هذه الآية عندما تقرأها تستوقفك، تأمل كيف افتتحها الله عز وجل بالويل (فَوَيْلٌ) وهو واد في جهنم، توعدٌ بجنهم للمصلين، كيف ذلك؟! فيقف القارئ متدبراً كيف يتوعد الله المصلين؟ ثم تأتي الآية الآخرى مجيبة على هذا التساؤل في ذهن الإنسان المتدبر (الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) هم قد يصلون في الظاهر كحال المنافقين بكن بلا إيمان، بلا روح، بلا استحضار لهذه الصلاة، فلا آثر لها في قلوبهم ولا في نفوسهم ولا في أعمالهم، أفعال مجردة ومجرد عادات. (الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) تأمل وتدبر قوله تعالى (عن صلاتهم) فهم أولاً عن الصلاة غافلون وفيها أيضاً غافلون أو ساهون. فالصلاة إذا لم يكن فيها روح وإذا لم يكن فيها حضور قلب فلا أثر لها، لن يكون لها اثر. ولهذا نقول إذا أردت أيها الأخ المسلم أن يكون لصلاتك أثر وتجد فيها الطمأنينة والراحة وتكون ظاهرة على مالك فلتكن في خشوع وحضور قلب.
د. الخضيري: أيضاً لعلنا نستكمل المشهد في هذه السورة بذكر خصلتين مهمتين جداً وكل واحد منا لا بد أن يتوقف عندهما ويتأكد من عدم إتصافه بهما. الأولى (الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)) الرياء إحذروا منه وهو أن تتعبد في ظاهر الأمر لله وفي باطن الأمر من أجل أن يقال فلان مصلي، فلان صائم، فلان متصدق، فلان قد أحسن، الرياء هو الشرك الخفي ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف علينا من الرياء ويحذرنا منه ويقول "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر يقوم الرجل فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل" نسأل الله العافية والسلامة. ينبغي إذا قرأنا هذه هذه الآية نحذر من الرياء والأخيرة من الخصال في هذه السورة العظيمة التي اشتملت على خصال كثيرة نحتاج أن نقف مع أنفسنا من خلال السورة منع الماعون والمقصود بمنع الماعون الأشياء التي تملكها وتستطيع أن تمنحها لغيرك من إخوانك الذين يمكن أن ينتفعوا بها ويستفيدوا منها ثم يردوها إليك وهي "العاريّة" عند أهل العلم. فكل ما يُعار، قلم، محبرة، ورقة، كتاب، قدر، كأس إناء، إبريق، أثاث، كرسي، أيّاً كان طلبه أخوك المسلم ولست في حاجته فينبغي لك أن تعطيه إياه ليتم جو راحة وتعاطف وتعاون بين المسلمين وإياك أن تكون فردياً تعيش لنفسك ولا ترى أن لأحد عليك حقاً فإنك إن لم تحتج إلى الناس الآن فستحتاج إليهم فيما بعد فأحسِن حتى يُحسن إليك وأدِّ حقوقهم حتى تؤدى حقوقك.
د. الربيعة: حينما تتأمل هذه السورة تلحظ أنها ركزت على صفة الكافرين وصفة المنافقين فاحذر أيها المسلم أن تتصف بصفات هذين الفريقين الكفار والمنافقون.
د. الخضيري: لعلنا بهذا إن شاء الله نأتي على ختام مشاهد من هذه السورة العملية ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذي هم أهل الله وخاصته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:02
الحلقة 22
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فهذا هو المجلس الرابع عشر من برنامج أضواء المقاطع نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بكتابه وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. مقطعنا من الجزء الرابع عشر ومن سورة النحل تحديداً من الآية 112، قال الله عز وجل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (115)) في هذه الآيات يبين الله سبحانه وتعالى جزاء من يكفرون بنعمة الله وهذه السورة سورة النحل يسميها كثير من السلف سورة النعم لأنها ذكرت نعم الله النعم التي أنعم بها على الإنسان وقال الله عز وجل فيها (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا (18)) أي إن نعم الله عليكم كثيرة لو اجتمع الناس على عدها لم يستطيعوا إحصاءها. وقد ذكرت هذه النعم إجمالاً وتفصيلاً تأصيلاً وتفريعاً وهنا قال في ختام السورة (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) هذا يقال إنه مثل لأهل مكة ضربه الله لهم بأمة سبقت وأمة بادت حلّت بها عقوبة الله جل وعلا وقال بعضهم بل المقصود بهم أهل مكة فالذين قالوا إن المقصود بهم أهل مكة قالوا إنهم بالفعل كانوا أهل قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فبعث الله لهم محمداً صلى الله عليه وسلم فكفروا بأنعم الله وكذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحدوا هذا الخير العظيم من الله بأن عبدوا مع الله غيره، الله يرزقهم وهم يعبدون سواه ويشركون معه أحداً غيره، فماذا فعل الله بهم؟ أذاقهم الله لباس الجوع والخوف. جعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليهم سنيناً كسني يوسف عليه السلام فسلطت عليهم سبع سنين رأوا فيها شدة حتى إنهم في أحد هذه السنين ذهب لهم كل شيء حتى أكلوا الجلود وأكلوا الذي لا يؤكل في العادة من شدة الجوع الذي حلّ بهم. وكذلك سلط الله عليهم الخوف وذلك عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم حصل لهم خوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت سراياه تصل إلى نواحي مكة وكان يخافون من أن يتغلب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينزل بهم بأسه عليه الصلاة والسلام. وقال بعضهم بل هذا ضرب مثل لأمة حصل لها هذا الأمر فخوف أهل مكة بهم يعني إحذروا يا أهل مكة إن كفرتم وتماديتم فيما أنتم فيه فإن الله قادر على أن يعيد لكم هذا الأمر الذي فعله بمن قبلكم. وهذا يبين لنا أن التاريخ كما يقال يعيد نفسه وأن هذه السنن تتكرر وتأتي مرة بعد أخرى. قال الله عز وجل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً) آمنة لا تخاف أحداً كما قال الله عز وجل عن أهل مكة (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا (57) القصص) فالله عز وجل يمتن عليهم بـن من كان حولهم من قبائل العرب كانت تغزوهم القبائل الأقوى منهم وكانوا يتعرضون للسلب والنهب والقتل وكانوا يخافون على أنفسهم وأهليهم وذراريهم وأموالهم وأما أهل مكة فكانوا في أمن مطبق ولم يكن بمكة حصون ولم يكن بها شيء يقيها من الأعداء لِما أمنها الله سبحانه وتعالى به. قال (كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ) وهذا ما قلناه عن مكة لأن الله استجاب فيها دعاء إبراهيم (وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) إبراهيم) أهل مكة كانت تأتيهم الثمار والزروع والفواكه من كل مكان وكانت لهم رحلتان رحلة الشتاء إلى أرض اليمن ورحلة الصيف إلى أرض الشام وكانوا يجلبون من هاتين المنطقتين خيرات كثيرة غير ما يجلبه العرب لهم من الأرزاق والسمن والذبائح والخيرات التي لم تكن لغيرهم من أهل الأرض. قال الله عز وجل (يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا) أي واسعاً كثيراً شاملاً لكل أنواع الطيبات (مِّن كُلِّ مَكَانٍ) وليس من مكان معين كما يحصل في كثير من البلاد، دخلنا بلاداً لا يعرفون بعض أنواع الفواكه أو لا يعرفون بعض أنواع الخضار أو لا يعرفون بعض أنواع الأقوات ولم يروها وذلك لأن الرزق الذي يأتيهم إما من بلادهم أو من مناطق معينة أما مكة وكذلك ما جاور مكة فإن الرزق يأتيهم رغداً من كل مكان تأتيهم الفواكه من التشيلي ومن اسبانيا ومن الصين ومن روسيا ومن اليابان ومن اندونيسيا ومن كل مكان. قال الله عز وجل (فَكَفَرَتْ) يعني قابلت هذه النعم بالكفران والجحود، جحود هذه النعمة أول ما تكون بأن تنسب إلى غير الله وأن يُعبد غير الله سبحانه وتعالى وهو الذي أنعم وتفضل وجحود هذه النعمة أن تصرف في غير طاعة الله فيستعمل مثلاً التمر للخمر ويستعمل الرز ليقدم لمن يعصون الله سبحانه وتعالى ويستعان بع على النوم عن صلاة الفجر. (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ) ماذا فعل الله عز وجل بها عندما كفرت؟ (فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) تأملوا كيف جاء بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب كأن عقوبة الكفر كفر أنعم الله تكون عاجلة وسريعة وغير مؤجلة لمن كفر بنعم الله. وهذا الكفر ليس المقصود به الكفر العملي وإنما الكفر التام المطبق وقد يُلحق الله عز وجل بعض الكافرين كفراً عملياً بهذا النوع من أنواع العقوبة. ثم قال (لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) يعني كأنهم ألبسهم هذا الجوع وألبسهم هذا الخوف، كيف ذلك؟ يلبسهم يعني كأنما يحيط بهم من كل جانب فالجوع يأتي إليهم بسبب قلة المطر وبسبب انقطاع الطريق وبسبب غلاء الأسعار وبأسباب كثيرة وكذلك الخوف ياتيهم بسبب تسلط أعدائهم عليهم وبسبب كثرة السُراق وقطاع الطرق وبستت عدم تأمن الطرق واشياء كثيرة من هذا القبيل. فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يبدل أمننا خوفاً وشبعنا جوعاً وذلك بيده وحده فلا نأمن عقوبة الله وإيانا وإيانا أن نأمن مكر الله عز وجل بنا إن نحن كفرنا نعم الله!. ما هو المقابل لذلك؟ إن المقابل لذلك هو أن نشكر نعم الله سبحانه وتعالى فإن شكرنا فإن الله لم يعدنا بأن تبقى هذه النعم بل وعدنا وعداً قاطعاً أن يزدنا كما قال في سورة إبراهيم (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). قال الله عز وجل (فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) أي بسبب ما كانوا يصنعون، ليس تقديراً من الله سبحانه وتعالى دون أن يكون السبب منكم فالسبب منكم والفضل منه وحده فهو الذي أنعم وهو الذي تفضل فلما تسببتم بقطع هذه النعمة وقطع هذا الفضل جزاكم بذلك الجزاء وقطع عنكم هذا الخير. قال الله عز وجل (وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) انظروا ما هو السبب؟ جاءهم رسول منهم يعرفون صدقه ويعرفون أمانته ويعرفون نسبه ويعرفون حاله فكذبوه قابلوا دعوته بالتكذيب فأخذهم العذاب ولاحظوا تأتي كل هذه الجمل معطوفة بالفاء الدالة على التعقيب يعني أن العقوبة تأتي عاجلة لهؤلاء المكذبون. وهم ظالمون لم يظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم نسأل الله العافية والسلامة. ثم يوصينا الله عز وجل ويامرنا بأن نأكل من رزقه وأن نأكل من الطيبات وأن نستمتع بها لكن بشرط أن نشكر نعمة الله فيقول (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً) أي دون ما سواه (طَيِّبًا) عليكم بالطيب دون ما عداه (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) اشكروا هذه النعمة. لما كانت هذه لسورة سورة النعم جيء بكلمة (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ) علماً بأن هذه الاية موجود لها نظير في سورة البقرة قال (وَاشْكُرُواْ لِلّهِ (172)) لكن هذه السورة سورة النعم قال (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّه) والشكر يكون بالاعتراف بالقلب وإيمانه الصادق الجازم أنه ما من نعمة إلا من الله والشكر يكون باللسان أن يذكر الإنسان نعمة الله على لسانه ويحمد الله عليها والشكر يكون أيضاً بالجوارح كما قال الله عن آل داوود (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ). قال (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) دل بذلك على أن الشكر لا يكون إلا بعبادته وهنا يتبين لنا أننا إذا أردنا أن ننجو من عذاب الله العام أو الخاص فإنه يلزمنا للنجاة من عذاب الله أن نبتعد عن مساخط الله وأن نقابل نعم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى بالشكر مقابلها بأن لا نكفر. كم من بيننا من ينعم الله تعالى عليه بالليل والنهار ويغدق عليه الرزق ويعطيه ثم يعطيه ثم يعطيه لكنه مع ذلك غافل عن الله. لو أحسن إليه رجل من عباد الله بأن أعطاه مبلغاً يسيراً أو كفاه مؤونة شيء أو قام معه في أمر تفريج كربة فإنه يجد في قلبه محبة لهذا الرجل ويتمنى أن يرد إليه الإحسان والله سبحانه وتعالى ينعم علينا في الليل والنهار، في الصغر والكبر في أنفسنا وفي أهلينا وفي ديارنا وأوطاننا وفي كل حال من أحوالنا ومع ذلك ننسى الله وننسى نعمته علينا. اسأل الله أن يعينني وإياكم جميعاً على أن نقوم بشكر نعمته علينا. اللهم اجعلنا من الشاكرين واجعلنا من الذاكرين واجعلنا من الصابرين واجعلنا من القائمين بطاعتك على كل حال يا رب العالمين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:03
د. الربيعة: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حياكم الله في برنامجكم القرآني "لنحيا بالقرآن" نسأل الله أن يحيي قلبونا بالقرآن. معنا اليوم سورة عظيمة من سور كتاب الله عز وجل هي سورة قريش وفي الحلقة 20 من هذا البرنامج. وسورة قريش هي سورة متممة لسورة الفيل ولعلنا نقف مع مقصدها وما يبرز فيها ثم ندلف إلى آياتها. هذه السورة هي امتنان من الله عز وجل على قريش الذين قد جعل الله لهم شأناً في بيته، فكانت لهم عظمة ببركة البيت وببركة هذا البيت حماهم الله عز وجل من أصحاب الفيل.
د. الخضيري: قال (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا (57) القصص)
د. الربيعة: ولهذا سميت قريش، هذا الشرف الذي نالوه ومنّ الله عليهم بولاية هذا البيت نعمة عظيمة، هل شكروها؟ وهل عبدوا الله عز وجل رب هذا البيت أم لا؟ فهذه السورة هي في امتنان الله عز زجل على قريش بأن جعلهم أصحاب شأن نبسبهم وبخدمتهم وولايتهم لهذا البيت. ونأخذ منها معنى عظيماً هو أن من أتاه الله شرفاً ومن أتاه الله مكانة ومن أتاه الله منزلة ينبغي ان يعرف هذه المنزلة وهذا القدر وفي معرفة حق الله عز وجل عليه الذي جعله في هذه المكانة.
د. الخضيري: يعني عندما ينعم الله عليك بنعمة فإن أول ما ينبغي أن تبادر إليه هو أن تشكر الله عز وجل على هذه النعمة فتسخِّرها في طاعة الله. هؤلاء القرشيون أنعم الله عليهم بأن حماهم من الفيل ومن أصحاب الفيل الذين كادوا أن يدمروهم وأن يستأصلوهم ولم يكن عندهم قدرة ولا طاقة على ردعهم وهذا سر مجاورة سورة الفيل لسورة قريش. والثاني أن الله سخر لهم رحلتيم للتجارة وهاتان الرحلتان كانتا سببين عظيمين من أسباب رفاهية أهل مكة فكانت لهم رحلة في الصيف إلى بلاد الشام ورحلة في الشتاء إلى بلاد اليمن يأخذون من هاتين الدارين ما لذ وطاب من أنواع الثمار من الزبيب والدقيق والثياب والملابس والمراكب وغيرها. ويسعون في الأرض لا يتعرض لهم أحد لأنهم أهل الحرم وأهل البيت فلا يتعرض لهم صعاليك العرب ولا يقطعون عليهم الطريق، هذه نعمة. ماذا يقابل هذه النعمة؟ قال الله عز وجل (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ). من أنعم الله عليه بنعمة فعليه أن يبادر بشكرها فإنه إن شكر زاده.
د. الربيعة: يعرف قدرها أولاً
د. الخضيري: يعرف قدرها ويشكر الله عز وجل عليها فإنه إن شكرها قرّت وإن كفرها فرّت، الفرق بينهما نقطة (قرّت - فرّت) إذا اعترفت فعبدت وسخرتها في طاعة الله فإنه قرّت بل ستزيد (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (7) إبراهيم) وإن تركت فرّت.
د. الربيعة: وهذا الأمر مما يغفل عنه كثير من الناس بعض الناس يؤتيه الله تعالى منزله، يوتيه نسباً شريفاً، يؤتيه الله تعالى جمالاً وبهاء هذا ليس حسابه مثل حساب فقير أو ضعيف في نسبه أو في ماله أو غير ذلك، لا شك أن كلاً سيحاسب على ما آتاه الله فليحسب لذلك الأمر حساباً. لندلف إلى السورة في آياتها نتفيؤ فيها المعاني التي يمكن أن نأخذها في حياتنا. (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) الله جعل لقريش أُلفة ائتلفوا فيما بينهم والعرب كانت قريش عندهم ألفة ومكانة وحفظ لكونهم أهل الحرم. وذكر بعض المفسرين في قوله (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) معاني لعلك تشير إليها لها اثر في دلالة الاية، (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) هل اللام متعلقة بما قبلها بسورة الفيل أو بما بعدها؟
د. الخضيري: بعض العلماء يقول إنها متعلقة بالسورة التي قبلها وهي قوله (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴿١﴾ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴿٢﴾ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴿٣﴾ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ﴿٤﴾ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴿٥﴾ الفيل) يعني إنما جعل الله ذلك لكم لإيلاف قريش فهي كأنها لام للتعليل بالنسبة لما قبلها. لكن الطبري رحمه الله قال لا، قال لما فُصلت السورتان عُرف أن هذه السورة مستقلة بمعناها.
د. الربيعة: لعل في تمام السورة سؤال في قوله عز وجل (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) ماذا نلمس من هذه الآية في مناسبتها لما قبلها؟
د. الخضيري: لما ذكر الله عز وجل النعم التي أنعم بها عليهم وأعطاهم إياها جعل مقابل ذلك أن يتقدموا بشكر هذه النعمة فيعبدوا رب هذا البيت. هم أُكرموا لأجل هذا البيت وهذا البيت له رب وهذا الرب يجب أن يُفرد بالعبادة. الذي سخر لهم هذه النعم هو الله والذي يجب أن يُفرد بالعبادة هو الله سبحانه وتعالى ولذلك قال (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ). مررت بقصة عجيبة يقولون إن رجلاً كان يتمسح بالكعبة وكأنه يستجديها ويسألها وكان يستنصر ويستجير بالكعبة يا كعبة الله، ويدعو الكعبة ويناديها ويجعل لها من العظمة والحرمة مثل ما لله سبحانه وتعالى فسمع به رجل من العلماء ولم يكن يعرف هذا الشيخ الذي يتحدث فالعالِم جاء إليه وقال يا أيها الشيخ أريد أن أقرأ عليك شيئاً من القرآن فقرأ عليه سورة قريش فقال إقرأ فقال العالِم سورة قريش فقال (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا هذا البيت) فقال الشيخ لا، (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) قال العالِم ليست الاية هكذا با فليعبدوا هذا البيت، ألست تقول يا كعبة الله وتستغيث بها؟ فتفطّن هذا الشيخ فلما جاء في مجلسه القادم قال للناس إني كنت اقول يا كعبة الله وأناديها وأستغيث بها ولكن الحق يقال أن هذا خطأ والمفروض أن أنادي الله سبحانه وتعالى وقد أنقذني الله بهذا الرجل.
د. الربيعة: لعل هذه القصة تجرنا وإن كان الحديث في غير سياق السورة إلى أولئك الذين يدعون غير الله ويتوسلون بأصحاب القبور، ألا يدعون ربهم عز وجل؟ ألا يتوجهون إلى الله مباشرة؟!. والله إن هذا لهو الحق. ختم الله تعالى هذه السورة بقوله (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
د. الخضيري: يعني مقابل هذا الإطعام وهذا الأمن يجب أن تكون هناك عبادة وهذا يدلنا على عِظم هاتين النعمتين أن يبيت الإنسان وقد أمِن وامتلأ بطنه. هناك أمنان أمن داخلي فيه ما يقيه من شر الجوع وأمن ظاهري وهو أشد وأعظم وهو أن يكون آمنا من السُرّاق ومن الضربات وهجمات الأعداء فيجب الإنسان أن يستحضر الإنسان هاتين النعمتين نعمة الطعام ونعمة الأمن فهما من أجلّ نعم الله تعالى على الإنسان. وهذا ما تحقق لأهل مكة فإنهم كانوا آمنين فلا يخافون أن أحداً من العرب يهجم عليهم لأنهم في حرم الله وكان الرزق يأتيهم من كل مكان عندهم رحلة في الشتاء ورحلة في الصيف وكما قال الله تعالى في سورة النحل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112))
د. الربيعة: مثال ليُعرف فعلاً قدر نعمة الله بإطعام الإنسان وبكفايته وأن حق ذلك العبادة. تصور لو أن إنساناً يعمل عاملاً وجاء إلى سيده فأعطاه راتبه أو أطعمه وأسقاه ثم ذهب يعمل عند غيره!
د. الخضيري: لا شك أن هذا الرجل سيحنث عليه حنثاً شديداً، أنا الذي أُطعمك وأنا الذي أسقيك وأنا الذي أغنيتك وأنا الذي أصرف لك راتباً وفي النهاية تجعل خدمتك وطاعتك وعبوديتك لغيري؟! لا شك أنه سيكون ظالماً وسيكون مستحقاً للعقوبة الشديدة الرادعة له ولأمثاله.
د. الربيعة: ختام الآية في قوله (وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
د. الخضيري: هذه فيها تقرير نعمة الأمن والله إنها من أعظم من الأمن ولا يعرف ذلك إلا من جرّبها. لا زلت أذكر أني لم أستشعر نعمة الأمن في لحظة من حياتي مثلما استشعرتها في الليالي التي كانت تُضرب فيها مدينة الرياض التي كنت أسكنها أيام حرب الخليج. فكنا غذا أردنا أن ننام أصبنا الخوف لأنه ستُرسل صواريخ وأن هذه الصواريخ قد تقع على بيتك أو على بيت مجاور فتهز بيتك وتؤذيك وتقلقك، فكان الناس يبيتون في خوف عظيم وخصوصاً إذا سمعنا صفارة الإنذار، والله إن هذا يذكّرنا بعظيم نعمة الأمن في بلادنا وهذه النعمة علينا أن نتذكرها وأن نحمد الله عليها ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أصول النعم "من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا" إذا وجد لك الأمن والصحة والقوت الذي تقي نفسه به من الجوع فكأنك ملكت الدنيا يعني أن ما وراء ذلك من الدنيا هو فضل وزيادة ولا يضرك ما فاتك. فعلينا أن نحترم هذه النعم وأن نقدّرها وأن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها ونسعى في حفظها. وهنا يأتي السؤال: كيف نسعى في حفظ هذه النعم التي أنعم الله تعالى بها علينا؟
د. الربيعة: لعل هذا جوابه صريحاً في هذه السورة العظيمة (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) أن نحقق لله حقه وهو العبادة، أن نشكره (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا (13) سبأ) فما آتاك الله من نعمة استخدمها في طاعة الله، آتاك الله عز وجل بيتاً استخدمه في طاعة الله ولا تضع فيه ما لا يرضي الله، آتاك الله سيارة لا تصرفها في طريق لا يرضي الله ولا تضع فيها ما يُغضب الله، آتاك الله زوجة وأولاداً فينبغي أن تجعلهم حماة لهذا الدين وأن تعلمهم وأن ترشدهم وتدلهم على الخير ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإذا آتاك الله رغداً في العيش ورزقاً وافراً فينبغي أن يكون ذلك دافعاً لك في أن يزيد عملك الصالح ولا تبطر هذه النعمة فتجعل هذه النعمة سبباً في كبرياء وبطر على عباد الله كما قال الله عز وجل (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) العلق) هذه من أعظم الآفات في الإنسان أنه إذا اغتنى، أغناه الله بطر. هذه الصفة نجدها كثيراً في أولئك الناس الذين يمكّن الله عز وجل لهم في المال فيصرفونه في الحرام والصد على سبيل الله وفي البطر والكبرياء. أقول هذا السؤال العظيم حقاً يجب أن نقف معه وقفات لكي نستشعر ما آتانا الله عز وجل من الخير والنعمة.
د. الخضيري: كثير من الناس الآن لما أفاء الله عليهم بالنعم مع كل أسف وأكثر الله لهم من الخيرات صاروا يبذرون وصاروا يسرفون وترى الآن في الأفراح والأعراس ماذا يحصل بالنعم؟ توضع في القمامات في وقت هناك من المسلمين من هو محتاج ومن يمر به اليوم واليومين والثلاثة ولا يجد قوته وآخرون يأكلون الطعام وهم يأنفون منه ثم إذا انتهوا منه رموه في أي مكان، فوالله هذا لا يليق بنا نحن معاشر المسلمين. علينا أن نشكر الله وعلينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى.
د. الربيعة: هذه السورة العظيمة سورة قريش تعطينا معنى هو أننا نقدّر ما آتانا الله من النِعم نعمة الحسب والنسب ونعمة المال ونعمة الصحة والأمن والطعام والشراب ليكون ذلك دافعاً لنا لعبادة الله حق عبادته وشكر الله حق شكره. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن أدّى نعمة الله عز وجل وشكره حق شكره، لنا معكم بإذن الله لقاء آخر، نستودعكم الله وإلى اللقاء وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:04
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذا هو المجلس التاسع عشر من مجالسنا المباركة في هذا البرنامج "لنحيا بالقرآن". كما وعدناكم وكما عاهدناكم سنقف مع كل سورة من سور قصار المفصل لنأخذ وقفة أو وقفتين أو حسب ما يقتضيه المقام ونتحدث عن معنى الآية وكيف نحوّلها إلى برنامج عملي في حياتنا. هذا ما نقصده لنجعله منهجاً من مناهج التدبر التي طالبنا ربنا سبحانه وتعالى أن نُعامل بها كلامه ونقوم بها تجاه آيات الكتاب العزيز. معنا اليوم سورة الفيل، هذه السورة التي جعلها الله سبحانه وتعالى سلوةً للضعفاء، الضعفاء الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا، يسلّيهم الله عز وجل بهذه السورة ويقول لهم إنه سينصر أولئك الضعفاء وإن لم يكن بأيديهم ما ينتصرون به فالله قادر على كل شيء وبيده الأمر كله وله القوة كلها سبحانه وتعالى. وتعرفون -ولا يخفى على شريف علمكم- قصة الفيل عندما جاء أبرهة بجنود كثيرة ومعه أفيالٌ لا عهد للعرب بها قد قدِم بها من أرض الحبشة فجاء ليهدم بها الكعبة وليُذِلّ بها خُدّام الكعبة وليريهم أنه أعلى منهم شأناً. فماذا حصل؟ لما وقف على أبواب الحرم أرسل الله عز وجل عليه الطير الأبابيل إلى نهاية وحصلت القصة المعروفة فقتل من كان معه وقتل أبرهة ذاته فجعل الله عز وجل ذلك آية ونصراً عظيماً ودافع الله عز وجل عن حرماته وعن هذه المقدسات الشريفة وانتصر للضعفاء. في هذه السورة سنجعل المعلم الأول هو معلم الانتصار للضعفاء وأن الله هو القادر على شيء
د. الربيعة: هذه السورة تعطي المؤمنين سلوى بتعظيم قوة الله وأن قوة أهل الأرض مهما بلغت فليست عند الله وقوته شيئاً. انظر كيف غمز الله عز وجل إلى قوة الكافرين بالفيل الذي هو في جيش أبرهة علامة على أنه أقوى سلاح عندهم. فهذا الفيل الذي سُميت به السورة للدلالة على عظمته وأنه اتُخذ ليكون هيبة لقريش لجسده وعظمته وأن يروه بهذه المهابة فإنما اتخذ ليكون قوة عظمى. هذه القوة ماذا جعلها الله عز وجل؟ أولاً سخرها الله عز وجل بعدم تحقيق مرادهم فجثى الفيل ورجع إذا وُجِّه للكعبة توقف وإذا وُجّه للحبشة رجع. إذن نستطيع أن نأخذ من هذا أننا نحن المسلمون يجب أن لا نهاب ونخشى ونخاف قوة أعداء الله مهما بلغت ويجب ان نعظِّم قوة الله فقوة الله أعظم من كل قوة. إذا كان هذا حقاً يقيناً في قلوبنا فإننا بإذن الله عز وجل سيقوينا الله عز وجل وسيسخر لنا قوة أهل الأرض.
د. الخضيري: إذن نحن علينا أن نتفقد أنفسنا في معاملتنا مع الله ولنعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا تفقدنا هذه الأنفس فإن الله سينصرنا (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) ولذلك قال الله عز وجل (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165) آل عمران) فنحن نقول القوة من عند الله والنصر من عند الله وهذه القوة التي بايدي الكافرين لا يمكن أن تعمل عملها أو تؤثر أثرها إلا إذا أذن الله لها بذلك. ولعل من الشواهد على ذلك ما مضى في سائر الأيام فيما مضى من هذه الأيام السابقة لنا عندما جاء اليهود بقدهم وقديدهم ومعهم السلاح الفتاك ومعهم قوة أميركا والدول الأوروبية لا ليغزوا دولة وإنما ليغزوا قرية إسمها غزّة وأحاطوا بها وجمعوا لها الجنود والعتاد والقوة ومعهم كل شيء وحاصروا إخواننا عاماً كاملاً منعوا عنهم الغذاء والمعدات وكل شيء ثم أرادوا أن يستأصلونهم وبقوا ثلاثاً وعشرين يوماً وهم يدكّونهم ليل نهار ويدمرون البيوت والبنى التحتية، ماذا حصل؟ رجعوا ولله الحمد خائبين خاسرين وكانت دليلاً على أن النصر بيد الله وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يدير هذه الأمور ويدبر ما يشاء ويفعل ما يريد.
د. الربيعة: مع أنهم استخدموا أسلحة لم يستخدموها من قبل. فهذا دليلنا في السورة تعطينا هذه السورة قدرة الله وعظمته سبحانه وتعالى وتعطينا ضعف أهل الأرض مهما بلغوا ومهما بلغت قوتهم ومهما آتاهم الله من قوة فهذه القوة من الذي سخرها لهم؟ إنه الله. الآية الأولى يقول الله عز وجل فيها (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ابتداء وهي خطاب للأمة كلها ألم تروا كيف فعل الله بأصحاب الفيل؟
د. الخضيري: هم لم يروا بالفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم وُلِد عام الفيل فالمقصود بـ (ألم تر) يعني ألم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل.
د. الربيعة: رمز لهم بأصحاب الفيل، أصحاب تلك القوة. ثم قال (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)
د. الخضيري: ألم يجعل كيدهم، تخطيطهم، تدبيرهم، كونهم يبثون الرعب بين العرب بهذه الآلة التي لا علم للعرب بها جهل الله كيدهم في تضليل يعني جعل تدبيرهم تدميراً عليهم، هم كادوا كيداً (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) إبراهيم) لكن الله سبحانه وتعالى مكره أعظم، يمكرون ويمكر الله، يكيدون والله سبحانه وتعالى يكيد من ورائهم ولا يشعرون. وهذا ما نراه بأنفسنا عندما كادنا أعداؤنا سواء في غزة أو في العراق أو في مواقع أخرى من بلاد المسلمين، أرادوا شيئاً وخططوا له ودبروا له وكادوا المسلمين لكن الله سبحانه وتعالى أبطل كيدهم وردّه في نحورهم.
د. الربيعة: وتأمل قول الله عز وجل (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) أضلهم هم كانوا على تخطيط ثم أضلّهم الله عن هذا التخطيط الذي كانوا عليه.
د. الخضيري: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ) يمكن أن نستبط منها استنباطاً جميلاً وهي أن قوة الله سبحانه وتعالى كانت في هذه الطائرات الحيّة التي جاءت على هؤلاء المشركين من فوقهم وهذا يجعلنا نقول لأنفسنا وللمسلمين أنه يجب على المسلمين في هذا الزمان أن يمتلكوا هذه القوة وهي قوة الطيران ويستقلوا بها حتى يستطيعوا أن يهيمنوا بها على أرض المعركة.
د. الربيعة: يعني نستطيع أن نقول أن من أعظم القوى قوة الطيران. ولعل هذا يشهد له قوله تعالى (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى (17) الأنفال) هذه الطائرات ليست إلا بالرمي.
د. الخضيري: وهذه الطيور التي جاءت كانت تحمل معها حجارة فوقفت فوق هذا الجيش وبدأت ترميهم بحجارة حتى أبادتهم وأهلكتهم عن آخرهم فلم ينجو منهم ديّار.
د. الربيعة: وهنا ملحظ، انظر كيف أن الله عز وجل عامل هؤلاء أصحاب هؤلاء القوة أرسل عليهم من أضعف جنده، طيور صغيرة ماذا تُغني؟، أرسل عليهم طيوراً ليعلموا أن هذه الطيور مرسلة بقوة الله لم يرسل عليهم جبالاً ولم يرسل عليهم قوة عظيمة وإنما أرسل عليهم جنداً ضعيفاً هذا وهو ضعيف فكيف لو كانت القوة العظمى من الله عز وجل؟! فالله تعالى بقدرته وقوته يستطيع أن يُبطل أعظم قوة في الأرض بأضعف جند.
د. الخضيري: نعم وانظر إلى الريح، هذا الهواء اللطيف يسلطه الله سبحانه وتعالى علة من يشاء فيدمر ويذهب ويزيل ويقتلع الأشجار والأحجار والرجال العتاة الغلاظ حتى يجعلهم الله تعالى كأنهم أعجاز نخل خاوية، وهي ريح، هواء لطيف يسخره الله فيكون رحمة ويسلّطه فيكون عذاباً شديداً. ولذلك نحن نقول ينبغي علينا أن نكون مع الله وأن لا نخاف من أحد إلا من الله سبحانه وتعالى وأن تكون ثقتنا بالله وبما عند الله سبحانه وتعالى عظيمة جداً.
د. الربيعة: ما معنى أبابيل؟
د. الخضيري: طيراً أبابيل يعني جماعات غثر جماعات فكانت هذه الطيور تأتي من جهة البحر كما يقول بعض المفسرين تأتي جماعات إثر جماعات ومعها هذه الحجارة التي هي من سجيل أي من طين قد طُبخ وقد تصلّب.
د. الربيعة: قال بعض المفسرين أنها من حجارة النار.
د. الخضيري: من حجارة النار. فالمهم تأتي هذه الطير وترمي بالحجارة على هؤلاء الكفار وتقاتل عن بيت الله سبحانه وتعالى وهذا يدلنا على أن بيت الله محمي وأن شرع الله عز وجل لا يمكن لأحد أن يستأصله من الأرض كما قال الله جل وعلا (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ (97) المائدة) فهذه الكعبة باقية إلى أن ياذن الله عز وجل بزوالها فإذا زالت زال العالم وزالت الأرض وما عليها واذن الله بقيام الساعة.
د. الربيعة: لعلنا نتدبر ختام السورة (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)
د. الخضيري: مثل الهشيم اليابس الذي قد أكلت الدواب شيئاً منه وداست شيئاً منه فصاروا في وضع يرثى له من شدة ما أصابهم من البلاء وما نزل بهم من العذاب نسأل الله العافية والسلامة. جاؤوا متكبرين وجاؤوا وهم ممتلئون حماسة وحيوية وإذا بالنتيجة تنتهي عند هذا الحدّ نسأل الله العافية والسلامة.
د. الربيعة: الحقيقة أن هذه السورة العظيمة سورة الفيل فيها تسلية للمؤمنين وبيان بأن الله عز وجل هو قوتهم العظمى حينما يتسلحون بالإيمان به والتوكل عليه والاعتماد عليه عز وجل أولاً وآخراً ثم الاستعانة بالأسباب التي يسخرها الله عز وجل بقوة كما قال الله عز وجل (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ (60) الأنفال) فالله تعالى أمرنا بفعل الأسباب لكن قبل ذلك أعظم سبب إيماننا ويقيننا بالله عز وجل. هذه السورة العظيمة نحن بحاجة إليها في هذا القوت الذي طغت فيه أمم الكفر وتجبرت وأذلّت المسلمين وسامتهم سوء العذاب في بقاع من الأرض. نحن بحاجة إلى أن نعتصم بقوة الله ونرجع إليها ونعلم أن هؤلاء حينما يصدون عن سبيل الله عز وجل فإن الله سيقهرهم ولكن يأمرنا الله عز وجل بأن ننصر دينه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد) نصر الله يأتي.
د. الخضيري: لعلنا قبل نختم لقاءنا حول هذه السورة العظيمة أذكر لطيفة جميلة وهي قوله (بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) فهم صاروا أصحاباً للفيل ولم يكن الفيل صاحباً لهم، لماذا؟ لأن الفيل جاء لمهم وهو قائم بأمر الله عز وجل يؤدي مهمته في نقل الناس وفي خدمتهم، لكن لما كانت مقاصدهم سيئة ومقصده ليس سيئاً لما جاءت النهاية التي هم أرادوها أن يستعملوا الفيل في تدمير عباد الله هذا الفيل أبى، فصاروا هم أصحاباً للفيل وكان الفيل سيداً. انظر إلى الكلب في سورة الكهف نُسِب إلى الفتية (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (22)) الكلب نُسب إليهم لأنه تابع للمؤمنين، وهنا هم أصبحوا تابعين أصحاب الفيل، لم يُذكروا ولم يبيّن حقيقتهم وإنما عُرّفوا أنهم أصحاب الفيل فكأن الفيل خير منهم ونحن نقول لكل مؤمن ولكل مؤمنة، هذا الحيوان قد يكون خيراً منك لأنه عرف حقيقة ما خُلِق له ولم تعرف أنت حقيقة ما خُلِقت له. لعلنا نختم بهذا المعنى. نسأل الله تعالى أن ينفعنا بكتابه وكلامه. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وإلى لقاء قادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:05
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذا هو المجلس الثامن عشر من مجالسنا في حلقات برنامجكم "لنحيا بالقرآن". هذه الحلقات المباركة التي نتدارس فيها آيات قصار المفصّل ونحاول أن نطبق هذه الآيات في حياتنا أو نأخذ من هذه الآيات ما نعمل به في حياتنا ونعطيكم بذلك النموذج العملي كيف نجعل من هذه الايات آيات تعيش في واقعنا وتحيا معنا ونهتدي بهديها ونقبس من نورها ولا يكن مجرد طلب الثواب أو البحث عن الأجر بكثرة قراءة الحروف هو المقصود الأعظم لنا، نعم الإنسان يؤجر بقراءة هذه الحروف ويثاب على ذلك ولله الحمد والمنّة ولكن أعظم من ذلك أن يهتدي الإنسان بالقرآن (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء). اليوم معنا سورة عظيمة قال فيها الإمام الشافعي رحمه الله "لوما أنزل الله حجة على خلقه إلا هي لكفتهم"، إنها سورة العصر هذه السورة التي قلّت آياتها وقصرت كلماتها لكن عظمت معانيها وجلّت واتسعت حتى شملت الدين كله. أقسم الله سبحانه وتعالى في أولها (وَالْعَصْرِ) ثم بيّن المُقسَم عليه (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ثم استثنى من هؤلاء الخاسرين وهم كل الناس (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). هذه السورة على قلة ألفاظها إلا أنها كبيرة المعاني والله لو حققناها في حياتنا لعلمنا أننا قد عملنا بالدين كله وكانت سبباً في نجاتنا وسبباً في صلاح جميع أحوالنا.
د. الربيعة: لعلي قبل هذا أشير إلى المعنى في مقصد السورة وفي موضوعها. السورة تلحظ منها تعظيم هذا الزمن الذي يعيشه الإنسان. جاء التعظيم من القَسم الذي افتتح الله تعالى به السورة ولذلك سميت السورة بالعصر لعظمة هذا الزمن الذي هو موضع العمل، العمل الصالح والعمل الفاسد، فيقسم الله تعالى بهذا الزمن الذي جعله الله وقتاً للعمل حُقّ له أن يُقسم به وإنه عظيم.
د. الخضيري: يعني النجاة الخسران والفلاح والفوز والبطر كله في هذا الزمان؟ في هذا الزمن فلتعتني أخي المسلم بهذا الزمن لكي تنجو.
د. الربيعة: فيه نجاتك، فيه خسارتك وفيه فوزك.
د. الخضيري: قال النبي صلى الله عليه وسلم مصداقاً لهذا الملام "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة الصحة والفراغ" يعني أن كثيراً من الناس عنده هاتان النعمتين ولا يحسن الإستفادة منهما ولا يستطيع أن يسخرهما لكي يكونا سبباً لنجاته وسبباً لتحصيل الخير له في الدنيا وفي الآخرة.
د. الربيعة: لعلنا نقف مع بداية السورة في قول الله عز وجل (والعصر) فتقف هنا تتأمل هذا العصر هذا الوقت الطويل، هذا العمر الذي تعيشه أنت أيها الإنسان وهذه الحياة التي سخرها الله عز وجل. تأمل هذه الوقفة في هذه الآية لها دلالة في تأملك وتدبرك لتعرف حقيقة هذا الوقت والإنسان لا يمكن أن يستفيد من الشيء إلا إذا عرف قيمته وقدره (ولو عظّموه في النفوس لعُظِّم) كيف تستفيد من وقتك؟ أن تتأمل فيه، لماذا خُلقت فيه؟ لماذا سخره الله لك وهيأه الله لك؟ إنه لأجل أن تعمل فيه بما يرضي الله عز وجل ويكون فيه نجاتك. (والعصر) ولفظ العصر هنا فيه فخامة وفيه عظمة فالتأمل في هذا العصر وهذه الحياة وهذا الزمن يجعلك تدرك حقيقة الزمن. إذا عرفت أنك اليوم شاباً ومتعك الله ستكون يوماً من الأيام كبيراً، أين زمن الشباب؟ ولّى وذهب. إذا كنت كبيراً فإن زمنك قد قرُب على الزوال فاغتنم ذلك
د. الخضيري: وكما ورد في الحديث "خذ من صحتك لمرضك ومن شبابك لهرمك"
د. الربيعة: ينبغي أن نتأمل في هذا الوقت، كثير من الناس تضيع عليه أوقاته وأيامه لأنه لا يدرك أهمية هذا الزمن وقيمته في الحياة ولو أدرك ذلك حقيقة لاغتنمه اغتناماً صحيحاً ثم يقول الله عز وجل بعد ذلك (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
د. الربيعة: الإنسان بكونه إنساناً لكن حينما يتصف بصفات الدين فيكون مسلماً أو مؤمناً أو محسناً فإنه سينقلب من الخسران إلى الفلاح فالإنسان في أصله خسران إلا بما يملأ به هذا الزمان وهذا العصر بما يجعله رابحاً
د. الخضري: مما يؤكد كلامك من أن الإنسان خاسر قول الله عز وجل (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) في الأصل أن الإنسان مركب فيه الظلم والجهل فإذا استجاب لهما ولبّى داعيهما في نفسه ولم يترفع ويزكي نفسه بالأخلاق الطيبة والعلم النافع والعمل الصالح فإنه لا محالة خاسر. ولذلك لكا يقول الله عز وجل لآدم يوم القيامة يا آدم أخرِج بعث النار فيُخرج بعث النار، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، والناجي من بني آدم واحد من ألف، هذا هو الناجي. هل أنت هذا الواحد؟ تأكد فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الذي ينجو من بني آدم واحد من ألف، فهل عملت حتى تكون هذا الواحد؟
د. الربيعة: عمر رضي الله عنه كان يقول: لو قيل يوم القيامة كل الناس ناجون إلا رجل لظننت أني أنا هذا الرجل، من خوفه وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه!. في هذا السياق لو تأملنا واقع الناس اليوم في حياتهم لوجدنا أن كثيراً من الناس مغبون ومحروم من وقته وخسران، كم تضيع علينا الأوقات؟! تجد الإنسان يسمر مع زملائه ساعات ولا يبالي مع الأسف ولا يظن أنه خاسر
د. الخضيري: وعندما تقول هه في المقابل يا فلان هناك محاضرة، هناك درس، هناك جلسة قرآن، يقول لك والله أنا مشغول، عندي ارتباط، تأتي المشاغل وتأتي الهموم وتأتي الارتباطات عندما تكون هناك جلسة حقيقية تعيد الإنسان إلى صوابه وتعود بوصلة الإنسان للإتجاه الصحيح. أما عندما يكون هناك سمر وسهر ولعب ولهو فإن الإنسان يعطي الأوقات بلا حساب
د. الربيعة: أضرب مثالاً في وقت الصلاة تجد الناس إذا أتوا للصلاة وتأخر الإمام دقائق معدودة فإذا هم ينظر الواحد منهم إلى الآخر ثم إذا سلّم الإمام وخرج ربما يقف هو وصاحبه ساعة كاملة يتحدثون عند الباب في أمور الدنيا
د. الخضيري: أو ذهب إلى بيته وبقي أمام التلفاز يشاهد البرامج والله لا تعود عليه بشيء من النفع.
د. الربيعة: لماذا؟ أن مقياسه للحياة مقياس عكسي لو كان يعرف حقيقة هذا الزمن والوقت وأنك بطاعة الله ومكوثك في المسجد الذي تستغفر لك به الملائكة والله لازدت بذلك طمأنينة ومكوثاً. ثم الواقع الذي نعيشه تجد بعض الشباب يسمر مع أصحابه في استراحة أو على البحر أو في نزهة طيلة الليل ومن جلوسهم إلى انتهائهم لا يذكرون الله.
د. الخضيري: وهذه مصيبة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلّوا على النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار". دعنا ننتقل إلى شروط النجاة والخسران، ذكر الله أربعة شروط يعني من حققها نجا ومن أخل بواحد منها فله نصيب من الخسران، قد يكون الخسران كاملاً وقد يكون ناقصاً قال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
د. الربيعة: لعلنا نشير إشارات.
د. الخضيري: أولها الإيمان. أنا أريد أن أسأل نفسي وأسأل المشاهدين هل نحن مؤمنون حقاً؟ المؤمن حقاً هو الذي يرى ما وراء الغيب كأنه بين عينيه. أنت مؤمن بالجنة؟ تقول نعم أنا مؤمن بالجنة، لو كنت مؤمناً بها حقاً لعملت لها. أنت مؤمن بالنار؟ لو كنت مؤمناً بها حقاً لخفت منها ولحذرت منها. مثل أن تقول لإنسان أنت تحب الغنى؟ يقول نعم أنا أحب الغنى ولذلك أخرج إلى العمل من الصباح إلى الليل. هل تخاف من الفقر؟ نعم أنا أخاف من الفقر بدليل أني ما أترك فرصة يبدو لي فيها ربح أو مكسب إلا بادرت إليها. غذن أنت بالفعل تحب الغنى وتخشى الفقر. إذا لماذا لا تعامل الجنة والنار بمثل ذلك؟ لأن الإيمان ضعيف، باهت، قد ذبُل في نفسك. إذن ينبغي أن أراجع إيماني، إيماني بالله، إيماني برسله، إسماني بملائكته، إيماني باليوم الآخر، إيماني بالقدر، إيماني بالكتب، إيماني بكل ما أوجب الله عز وجل.
د. الربيعة: يعني من أعظم مقاييس الربح وموازينه الإيمان.
د. الخضيري: سأسمعك قصة ولا تخفى على مثلك. رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى خيبر فدعاه النبي إلى الإسلام فأسلم ولما أسلم دخل الإيمان في قلبه فقال له بعض الصحابة إذهب إلى صاحبك فقال بل أذهب فأرد إليه الغنم وأعود لأقاتل مع رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه كأنه لم يستعجل عليه فقاللا، ألم أبايعك على أني إن قاتلت معك فقتلت دخلت الجنة؟ قال نعم، فذهب وردّ الغنم إلى صاحبها ثم جاء فقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشار في كلامه مع رسول الله قال أريد يا رسول الله أن يأتيني سهم طائش فيضربني هاهنا فأموت فأدخل الجنة، فوجدوه وقد ضربه سهم في المكان الذي اشار إليه ولم يسجد لله سجدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لم يسجد لله سجدة ومع ذلك دخل الجنة. انظر إلى مستوى الإيمان عندما ارتفع عند هذا الرجل تحقق له النجاة به بإذن الله.
د. الربيعة: أعظم موازين الربح الإيمان ولذلك يقول عمر رضي الله عنه "لو وُزِن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر" لعظم إيمانه. الميزان الثاني من موازين الربح والخسارة هو العمل الصالح ربحاً والعمل السيء خسارة. فالعمل الصالح هو جميع أمور الطاعات بعد الإيمان من الصلاة والذكر وبر الوالدين وصلة الرحم والنفقة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن الخُلُق
د. الخضيري: والقيام بهذه الوظائف الموكولة إلينا وأدائها على الوجه الصحيح هذه من العمل الصالح. والثالث التواصي بالحق أن أوصيك بالحق وتوصيني، أن أكون مرآة لك وأن تكون مرآة لي، اصدق معك وتصدق معي، أنصحك وتنصحني
د. الربيعة: والله هذه التي نحن بحاجة إليها.
د. الخضيري: والآن نلاحظ أن مجتمعاتنا صارت تسقط إذا رأينا واحداً من إخواننا قد نقصت دنياه جميعاً ننكب وننصحه عندما نراه قصّر في دنياه. مثلاً الأب لما يرى ابنه قد تخلف عن وظيفة أوعن المدرسة ينصحه ويشفق عليه ويعظه وقد يزجره ولا يهنأ له نوم ويخاف عليه أن يخسر في الدنيا، لكن عندما ينام عن الصلاة، عندما يترك الصوم، عندما لا يبادر إلى الحج، عندما لا يطيع الله عز وجل يقول لكم دينكم ولي ديني والهادي هو الله. لماذا لا يكون الهادي هو الله في أمور الدنيا؟
د. الربيعة: إذن يجب علينا أن نتواصى بالحق
د. الخضيري: وأن يكون كل واحد منا مرآة لأخيه. ويختم بالتواصي بالصبر.
د. الربيعة: التواصي بالصبر ختم الله بها هذه الصفات لأنها جامعة لهذه الأمور، نحن بحاجة إلى الصبر في الإيمان والعمل الصالح والتواصي. والتواصي بالصبر يعني في واقع حياتنا أن نصبر على طاعة الله ونصبر عن معصية الله ونصبر على أقدار الله المؤلمة، هذا هو كمال الصبر. ونحن في هذه الحياة كم تأتينا من الأمور التي ربما يواجهها الإنسان وقد لا يصبر. يحتاج لأن يوثق نفسه بالصبر. فأنت أيها المؤمن حينما تتصف بهذه الصفات الأربعة الإيمان والعمل الصالح ثم تنشر هذا الإيمان والعمل الصالح بالدعوة والتواصي بينك وبين إخوانك ثم تصبر وتثبت إن هذا هو الدين الحق وأن هذا هو الربح والفوز. د. الخضيري: ومما يؤكد كلامك بأن الصبر ليس صبراً على أقدار الله فقط وإنما أيضاً على طاعة الله قول الله عز وجل (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه) لما استعمل الصبر في أمر الأهل بالصلاة قال واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى. هذه الأمور الأربعة إذا التزمنا بها وقمنا بها وتعاهدنا عليها ووصى بعضنا بعضاً بها فإننا والله مفلحون ناجحون مدركون لخيري الدنيا والآخرة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينني وغياكم على ذلك وإلى لقاء قادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:06
د. الربيعة: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نسأل الله عز وجل أن يحيي قلوبنا بالقرآن. نحن مع مجالس هذا البرنامج المبارك مع المجلس السابع عشر مع سورة التكاثر. لعلنا نقف وقفة مقدة مع هذه السورة ثم ندلف إلى ما فيها من درر وآيات بينات. بالتأمل في هذه السورة والتدبر فيها نجد أن هذه السورة تتوجه أول من تتوجه إليه إلى أولئك الذين شغلتهم دنياهم عن آخرتهم، إلى أولئك الذين همهم في هذه الحياة الدنيا الجمع والتكاثر متناسين ذلك اليوم الذي سيلقونه وتلك النار العظيمة التي سيصلاها العصاة والكافرين. ولذلك القارئ خينما يقرأ هذه الآية ينبغي أن يلحظ هذا المعنى وهو أن هذه السورة هي موعظة له حينما كان منشغلاً بأمر دنياه عن آخرته، بتكاثره، بماله، بأصوله، بأولاده، التكارث هنا يعم كل شيء. كما قال الضحّاك قال هذه سورة التُجّار، كيف هي سورة التُجّار؟ إنها موعظة للتجار. وأذكر أحد الإخوة ذكر لي قال جاءني رجل أعمال يقول أنا مع ما آاتني الله من مال فأنا أعيش في ضيق وأجد ضغطاً نفسياً فما الحل وما العلاج؟ قال لن أعطيك علاجاً صعباً وإنما سأعطيك علاجاً يسيراً بإذن الله،
د. الخضيري: ما هو هذا العلاج؟
د. الربيعة: قال أريدك أن تقرأ سورة التكاثر عشرين مرة، قال سورة التكاثر؟ سورة نحفظها جميعاً قال تقرأها وتسمعها لكنك لم تفهمها كما ينبغي.
د. الخضيري: ولم تتعظ بها كما ينبغي أن يتعظ بها.
د. الربيعة: لو قرأتها كما أراد الله منك في قراءتها والله لوعظتك وجدت قيمة الحياة وعرفت قيمة المال الذي عندك. قال فذهب فأكثر من قراءتها يقول فلقيته بعد مدة قال والله إني وجدت لها أثراً وطعماً في نفسي وفي حياتي، قال كيف؟ قال وعرفت قيمة الحياة حقاً وقيمة المال الذي أنا فيه فإن همّي الذي انغمس في هذا المال وهذا التكاثر وهذا الجمع هو في الحقيقة الذي أقلقني وهو الذي ملأ قلبي غفلة عن الآخرة ولم أجد للصلاة طعماً ولم أجد لذكر الله أثراً فعرفت أنني في طريق الخطأ.
د. الخضيري: ولذلك جاء التعبير في السورة بـ (ألهاكم) يعني كلما يشغل الإنسان عن ربه سبحانه وتعالى بما هو صورته قد تكون حسنة لكنه يريد أن يكاثر زميله وصديقه وأخاه وأباه وجماعته واقاربه ومن حوله أن يقول لهم أنا أكثركم مالاً، أنا أكثركم دمراً، أنا أكثركم بساتين، أنا أكثركم سيارات، أنا أكثركم شهادات. هنا عندما يكون قصد الإنسان هو التكاثر يكون ما هو فيه له، حتى أذكر شيئاً في غاية الغرابة وهو لو أن إنساناً أراد أن يجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن يقول لزملائه وأقرانه أنا أحفظ أكثر منكم بل أريد أن أذكر ما هو أغرب من ذلك وهو أن الإنسان قد يحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظها عبادة ومع ذلك لا يكون قصده إلا ليكاثر بها أصحابه وزملاءه واقرانه ومشايخه يقول أنا أحفظ منكم، أنا أكثر جمعاً للأحاديث منكم، فيكون بذلك مع أنه في ظاهره في أمر الدين إلا أن الذي حمله على ذلك المفاخرة، لم يحفظها ليعمل بها، لم يحفظها من أجل أن يبلّغها وأن يقوم بحقها وإنما من أجل أن يقول أنا أكثر منكم. فما دام هذا فإن الذي يفعله يعتبر لهواً. ولاحظ أنه عبّر باللهو لأن اللهو مشغلة للقلب، بمعنى أن قلبه قد انشغل. لأن العادة في القرآن إذا عبّر باللهو فمعنى ذلك أنه للقلب وإذا عبّر باللعب فمعنى ذلك أنه للبدن. (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ (64) العنكبوت) اللعب للبدن واللهو للقلوب. نحن نقول هذه موعظة لنا جميعاً أنه أي شيء ننافس فيه ونحرص عليه إن كان مرادنا به وجه الله وزيادة العمل فهذا ليس لهواً وإن كان مرادنا أن ننافس به الأصدقاء والأصحاب ونلفت به أنظار الناس ونوجه به قلوبهم إلينا فهذا لهو ولا ينفعنا عند الله.
د. الربيعة: إذن المناط هو النية
د. الخضيري: نعم المناط هو النية. هذا فيما هو من عمل الآخرة أما فيما هو من أعمال الدنيا فهذا ينبغي أن يكون الإنسان حذراً فيه، أحياماً الإناسن يجمع الدنيا ثم يجمع ثم يجمع تقول له لماذا؟ ما الذي يحملك على أن تجمع هذه الدنيا ولو كانت من حِلّ وتترك الواجبات من صلة الرحم وبر الوالدين والصلاة مع الجماعة والقيام بحقوق الله والقيام حقوق الزوجة والولد وغير ذلك؟ فيقول حتى تكون أموالي كثيرة، حتى أصل إلى الأرقام التي وصل إليها فلان وفلان، وحتى أستطيع أن أكون أكبر وأكثر وأقدر وأغنى (يريد أفعل التفضيل أيّاً كان، على حساب ماذا؟)
د. الربيعة: لو أن الإنسان اعتنى بجمع المال وأحسن الني وجاهد نفسه أن لا تشغله عن طاعة الله واجتهد في إخراج ما ييسر الله ويعينه الله عليه في أمور الخير هل يلام في هذا؟ تكاثر في المال لكن ليس قصده أن يباهي ويفاخر إنما قصده أن يكون عنده مال يغنيه عن الناس ويكون قصده بإذن الله نفع هذه الأمة بإنفاق المال، هل يُلام في هذا؟ أو هل يعد من أهل هذه الآية أم لا؟
د. الخضيري: إذا قصد بماله أن يجمعه لينفقه في سبيل الله فإني أرجو أن لا يكون داخلاً في هذه الآية. لكن هل تتوقع أن أحداً من الناس يجتهد في الدنيا فلا يُضر إجتهاده في الدنيا بآخرته؟! هما ضرّتان ولذلك ينبغي على الإنسان أولاً إذا فتح الله عليه شيئاً من الدنيا أن يكون متيقظاً لحظّ الآخرة، لحق الله عز وجل في الواجب الذي أوجبه الله عليه ثم ما بقي من الوقت أو زاد إذا صرفه في أمور الدنيا فإنه لا ملامة عليه بإذن الله إذا نوى في ذلك النية الطيبة وصدق في عمله.
د. الربيعة: ما الذي يجعله يذكره بأن لا تكون نيته التكاثر؟ لأنه قد يغفل
د. الخضيري: قد يكون والله أعلم من أهم الأسباب التي تقيه من ذلك أن يستكثر من مجالسة الصالحين فإن هؤلاء يردونه كلما شعر بأنه قد انغمس في الحياة ردّوه كما قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف) هذا أمر. والثاني قراءة القرآن بتدبر فإنه إذا قرأ القرآن كلما قرأ من ورده شيئاً رجع إلى الحقيقة وفكر لماذا خُلِق؟ وعاد إلى الله سبحانه وتعالى وسخر هذه الدنيا التي أوتيها في طاعة الله جل وعلا ولم تصرفه عن أداء الحقوق والقيام بالواجبات.
د. الربيعة: ولذلك قال الله عز وجل بعدها (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) مما يجعلك تتذكر وتعرف حقيقة هذا المال ونهاية هذا التكاثر أنك ستتركه وتزور المقابر.
د. الخضيري: ما المقصود بتزور المقابر؟
د. الربيعة: إما أن يكون المقصود بها أجلُك ستزورها يوماً من الأيام بعد موتك وتكون من أهلها.
د. الخضيري: يقولون قد سُميت زيارة لأنها قصيرة هي برزخ ثم بعدها يُبعث الإنسان ويعيش الحياة الحقيقية إما في نعيم دائم أو في عذاب مقيم والعياذ بالله.
د. الربيعة: أيضاً نلمس من هذا أن زيارة المقابر وزيارة القبور مما تذكّر بالآخرة وتُبعد عن التكاثر في الدنيا وغيرها.
د. الخضيري: ولذلك قال النبي صلى اله عليه وسلم "أكثروا من ذكر هادم اللذات" و"وزوروا المقابر فإنها تذكركم الآخرة" فنقول داوي قلبك يا مسلم كلما شعرت أنك انغمست في هذه الحياة وكاثرت الناس وبدأت تنشغل بها عما خُلٌِت له داوي قلبك بأن تجعل لنفسك زيارة بين أسبوع وآخر بين شهر وآخر، تذهب فتزور المقابر تنظر إليها وتعتبر وتتفكر، زيارة المقابر ليس المقصود بها أن نستشفع بالموتى أو نسألهم أو نستعين بهم فهم بحاجة إلى دعائنا وصلواتنا وسلامنا عليهم أن نسلم عليهم وندعو لهم بالرحمة والمغفرة ونتذكر الآخرة.
د. الربيعة: معنى ذلك أن من أعظم ما يجعل الإنسان في هذه الدنيا مّتزناً هو أن يتذكر الآخرة. ثم انظر ماذا قال الله بعد ذلك، ليس فقط تذكرك لهذه المقابر قال (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣﴾ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٤﴾ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴿٥﴾ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿٦﴾) وهذه هي والله الطامة الكبرى. هذه التي تجعل الناس حقاً يتذكر هذه التي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم "ذكر النار يجثو لها الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون"
د. الخضيري: في ذلك اليوم تجثو كل أمة من شدة ما ترى من الهول. وأنا أقول والله أعلم إنما ذُكرت النار لما قال الله عز وجل (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) ذُكرت النار لأن ذكرها هو الذي يؤثر في قلب الإنسان فيوقفه عند حده ويجعله يتذكر أنا عندما اقف بين يدي الله وأقوم وهذه النار جيء بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمان سبعون ألف ملك يجرّونها، ماذا ينفعني؟! هل سينفعني هذه الصور التي جمعتها؟ هؤلاء الأصدقاء الذين تكاثرت بهم؟ هذه النوادي التي سجّلت بها؟ هذه الشهادات التي حصّلتها؟ هذه الأموال التي جمعتها من حلال أو من حرام إذا كان الإنسان كاثر بها عما أوجب الله عز وجل عليه؟ عند ذلك سيندم على كل ما تشاغل به عن ذكر النار والاستعداد لها.
د. الربيعة: انظر إلى ختام السورة وما مناسبته للسورة؟ ما هو ختام السورة؟
د. الربيعة: هذا تذكير آخر مما يجعل الإنسان يوقفه عن هذا اللهو والتكاثر بالمال في هذه الدنيا والإنشغال به عن طاعة الله أنه يعلم أنه مسؤول عنه.
د. الخضيري: هذه الآية تذكرني بقصة وقعت مع النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة أبو بكر وعمر وكلٌ منهما قد وضع على بطنه حجراً من شدة الجوع وجلسا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخرجكما؟ قالا والله يا رسول الله ما أخرجنا إلا الجوع وأرياه الحجر الذي على بطونهم فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطنه وإذا عليه حجران يعني هو أشد جوعاً منهم فعند ذلك رقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحالهما وأراد أن يزور رجلاً من الأنصار كان الله عز وجل قد أفاء عليه وهو أبو الهيثم اين تيّه فذهب إليه في بستان قريب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء إليه في بستانه سلّم فردّت امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين ابو الهيثم؟ قالت إنه ذهب يستعذب لنا الماء فأمرتهم بالدخول فدخلوا في البستان فجاء أبو الهيثم وقال من أكرم مني أضيافاً اليوم؟ فذهب وجذ لهم عرقاً من النخل ووضعه بين ايديهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلاّ اجتليت لنا أي انتخبت لنا شيئاً من التمر أو من الرطب فقال أبو الهيثم يا رسول الله إني أردت أن تأكلوا من بُسره ورُطبه وتمره. ثم أخذ المدية يعني السكين يريد أن يذبح فقال النبي صلى الله عليه وسلك إياك والحلوب يعني لا تضر بنفسك وتذبح شاة من غنمك يكون فيها حليب فيه نفع لك ولأولادك، يعني إذبح جدياً فذبح لهم وشوى لهم ثم قرب لهم الطعام فأكلوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما قُرِّب لهم الماء قال لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، ولما قُرب لهم التمر قال لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ولما قُرب لهم اللحم قال لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة.
د. الربيعة: وهم إنما أكلوا من جوع
د. الخضيري: من جوع وفي حال بئيس وشدة وقد يأكلون اليوم ويبقون بعده يومين لا يأكلون شيئاً. فقال عمر يا رسول الله أونُسأل عن هذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عمر ألم تسمع ربك يقول (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)؟ إذا كان رسول الله يقول لصاحبيه وهما أجلّ الناس وأعظم الناس وأعبد الناس يقول لهم ستسألون عن هذا النعيم، فما بالنا بي وبك؟ فما بالنا بأنفسنا؟ ماذا نقول وهذه النعم من حولنا قد طغت علينا أو كثرت علينا ومع ذلك نتباطئ بشكر الله، نسهر عن صلاة الفجر، ونتثاقل عندما نجر أنفسنا لنذهب إلى المسجد لنقيم صلاة مما أمر الله سبحانه وتعالى أن نؤديه. والله لنُأالنّ عن هذا النعيم، عن الأنوار والمكيفات والشوارع والسيارات والمياه وكل شيء مما حولنا فلنتق الله عز وجل ولنعدّ لهذا السؤال جواباً. وأحب أن أذكّركم بقول النبي صلى الله عليه وسلم إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة أن يُقال له ألم نصلح لك جسمك ونرويك من الماء البارد؟ وكثير منا ولله الحمد قد أصح الله لهم أجسامهم واعطاه من الماء البارد فهذه نعم وسنسأل عنها يوم القيامة وسؤال الله عز وجل لنا عن هذه النعم يعني هل أدينا شكرها وهل قمنا بالواجب في مقابل ذلك؟ إسأل نفسك أخي وإسألي نفسك أختي الكريمة هل أديت ذلك وحمدت الله على النعمة؟.
د. الربيعة: إذن هذه السورة ما أعظمها أنها تعطينا موعظة وتذكّر بأمر هذه الدنيا وحقيقتها وما ينبغي أن نتمثله فيها أن نتذكر الآخرة وأننا مسؤولون عن هذا النعيم. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين. ولنا بإذن الله عز وجل لقاء مع سورة أخرى وصلى الله علي نبيينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:08
د. الربيعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد. معكم في حلقة من حلقات برنامجنا المبارك "لنحيا بالقرآن" والذي نتفيؤ فيه ظل آيات الله عز وجل نقف معها وقفات تدبرية نعني بالجوانب العملية والتطبيقية في حياتنا اليومية. في هذه الحلقة نعرض لسورة من قصار سور المفصل وهي سورة الهمزة. هذه السورة العظيمة يرمز لنا إسمها وافتتاحيتها بالحديث عن أولئك الذي قد سخّروا ألسنتهم للصدّ عن سبيل الله والسخرية بعباد الله وأذيّة المؤمنين بالهمز واللمز وكيف أثرهم على المؤمنين ثم يبين الله في ختام السورة عاقبتهم (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ). إذن هذه السورة العظيمة سورة تتحدث عن أولئك الذي سخّروا ألسنتهم للسخرية بالمؤمنين وأذيتهم بالقول لمزاً وهمزاً وسخرية واستصغاراً ويبين الله عز وجل سبب ذلك فيهم ثم يبين عاقبتهم فلعلنا نتدبر هذه السورة نأخذ منها جوانب عملية من خلال هذا المعنى لنحذر من أن نتصف بهذه الأوصاف أو نكون من أهلها.
د. الخضيري: من أول الأوصاف التي تواجهنا وتبدو لنا ظاهرة من السورة بل من اسمها قوله (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) هذا العيّاب اللعان الشتام الطعّان الذي يؤذي الناس بلسانه فلسانه مثل الثعبان لا يكاد يمر بشيء إلا لدغه، هذا الإنسان ويلٌ له، ولا يجوز لأحد أن يجعل من صفته وسمته أن يكون همازاً لمازاً "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء" وهذه قضية يستهين بها مع كل أسف كثير من الناس حتى من المسلمين فتجده إذا أوتي لساناً وأوتي كلاماً صار يتكلم يقول كلمة فيؤذي هذا ويقول كلمة فيؤذي هذا ويقول كلمة فيلعن ذاك ويقول كلمة فيغتاب ذاك، ويقول كلمة فينمّ بين هذا وهذا ويقول كلمة فيسخر بها من هذا أو ذاك. والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من عاقبة اللسان لما قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" ليس أمامك إلا خيارين إما أن تقول الخير أو تسكت عما سواه، لأنك إذا تكلمت فيما سواه فأنت بين سوأتني السوءة الأولى أن تقول شراً فتهلك والسوءة الثانية أن تقول شيئاً مباحاً فتندم، لأنك إذا جئت يوم القيامة هذا اللسان الذي يمكن أن تحصّل فيه الحسنات والخيرات وإذا بك حصّلت به التفاهات فيكون ندامة وحسة لك يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما قال له إملك عليك لسانك وأخذ بلسانه، فقال معاذ أونؤاخذ يا رسول الله على ما نتكلم به؟ قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" تصوروا ماذا يحصل للناس يوم القيامة إن كثيراً من جرائمهم وكثيراً من سيئاتهم وكثيراً مما يكبهم في النار هو ما يتفوهون به بألسنتهم ولذلك ورد في الحديث "إن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً" ويتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يبلغ بها من رضوان الله مبلغاً عظيماً.
د. الربيعة: ولعل أعظم ما يتكلم به الإنسان إثماً وجرماً وظلماً هو أن يكون هذا الكلام في الصدّ عن سبيل الله والسخرية بالمؤمنين.
د. الخضيري: هذا في القمة وقد يُخرِج الإنسان من دينه.
د. الربيعة: أرأيت الذي يلمزون المطوعين من المؤمنين ويلمزون أهل الحسبة من المؤمنين ويلمزون أهل الخير والاستقامة من المؤمنين، كيف وزرهم وإثمهم؟
د. الخضيري: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان في غزوة تبوك رجالٌ سولت لهم أنفسهم وتكلموا بكلمات ما ظنوا أنها تبلغ ما بلغت، قالوا ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء (وهم خيار الصحابة) أرغب بطوناً ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فسمعهم أحد الصحابة فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قالوا فأنزل الله عز وجل قوله (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (66) التوبة) فالقضية خطيرة.
د. الربيعة: إذن الويل كل الويل لمن جعل همه ووظيفته في الحياة أن يسخر بالمؤمنين في الصحف أو في مواقع أو في وسائل الإعلام أو في أي مجال
د. الخضيري: حتى في المجالس العادية، أحياناً يتندّر الإنسان يريد أن يضحك الناس فيستهزئ بعبد من عباد الله، إمام مسجد أو مفتي أو عالِم أو حتى مؤمن عادي، كل ذلك من موارد الهلاك، إتقِ الله، النبي صلى الله عليه وسلم نهى المؤمن أن يسخر من أخيه المؤمن و قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) الحجرات)
د. الربيعة: ما الفرق بين اللمز والهمز؟
د. الخضيري: هذه قضية اختلف فيها المفسرون فبعضهم يقول الهمز يكون بالعين واللمز يكون باللسان ويستدلون على ذلك بقول الله عز وجل (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) التوبة)
د. الربيعة: لمزوهم بألسنتهم
د. الخضيري: إذن الهمز يكون بالعين أو بأداة أخرى. وعلى كل أنا أرى أن هذا من الأمثلة الواضحة للخلاف الذي يقع بين اللغويين أو يقع بين السلف الصالح في تفسير الآية لكنهم جميعاً يحومون حول معنى واحد سواء قلت الهمز هذا أو اللمز هذا أو العكس فالجميع مذموم.
د. الربيعة: ولهذا أذكر معنى جميلاً لأحد المفسرين يقول الغرض في الجمع بينهما ليشمل كل حال من أحوال السخرية والهمز واللمز والعيب ظاهراً أو باطناً، خفياً أو علناً، باللسان أو بالإشارة أو غير ذلك. إذن كل من اتخذ المؤمنين وسيلة لعيبهم بأي مجال من مجالات أو من الوسائل فهو داخل في هذه الآية.
د. الخضيري: ولذلك نقول في هذه المناسبة هناك شيء قد لا يفظن له بعض الناس والآية تصرّح بأنه داخل في هذه الأمور التي ذكرناها. هؤلاء رسامي الكاريكاتور قد يرسم كاريكاتوراً يسخر به من جماعة أو من أهل الحسبة أو من بعض طلاب العلم أو من بعض النافعين من العباد فنقول له إحذر أن تكون من الداخلين في هذا الوعيد (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) طعّان عيّاب همّاز سخّار بالناس فنحن نحذر هؤلاء ونقول إتقوا الله في أنفسكم وفي دينكم لئى يصابوا باللاء ولئلا يستجرهم ذلك إلى عقوبة الله عز وجل.
د. الربيعة: وأعظم ما يدخل في هذا أولئك أعداء الله الذين سخروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فرسموا فيه تلك الرسومات والتصاوير المهينة، إن أولئك من أعظم من يدخل في هذه الآية ومن أعظم ما يستحق له الويل وأسأل الله ما يذيقهم ما فيه وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ مهانة وذلة.
د. الخضيري: هناك ملحظ نريد أن نصوره للمشاهدين. نحن نلاحظ أن عندنا أزمة حقيقية في ألفاظنا يجب علينا أن نسعى جميعاً لتداركها، الألفاظ التي نتفوه بها ونتكلم بها في كثير من علاقاتنا ألفاظ جافة ليس فيها دفء وليس فيها رحمة ولا لين ولا مودة ولا رحمة وإنما تجد السب والشتم والكلمات الجارحة. عندما يحدثك معك لا يناديك إلا بأقبح أسمائك واقبح ألقابك وهذا لا يليق بنا نحن نحن المؤمنين. يجب علينا أن نكون مجتمع حضاري في علاقاتنا مع بعضنا ألفاظاً جافة والسب والشتم والألفاظ الجارحة لا يناديك لا يناديك إلا بأقبح اسمائك وأقبح ألقابك وأقبح ما تُكنى به وهذا لا يليق بنا نحن المؤمنين، يجب أن نكون مجتمعاً رفيعاً حضارياً مجتمع راقي "رحماء بينهم" عندما تنادي صاحبك وتقول له يا أخي، يا حبيبي، تقول لوالدتك أو تقول لوالدك أو ولدك يا قرة عيني كم تشيع بيننا المحبة عندما نستعمل هذه الأساليب؟
د. الربيعة: إنما تصدر من القلوب التي تشعّ بالإيمان فالإيمان يبعث على هذه الكلمات الطيبة. نحن ما زلنا في الاية الأولى.
د. الخضيري: نقف قليلاً عند (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ) هذا الذي جعله يكون همازاً لمازاً أنه اعتدّ بماله، جمع المال وأخذ يعده ويقول عندي رصيد، عندي سيارات، عندي خدم، عندي حشم فيسب هذا ويتكبر على هذا وليس عنده مانع أن يفعل ذلك ويظن أن المال سيخلده. سيأتي يوم تكون فيه تراباً وهذا المال الذي جمعته واعتتدت به سيذهب كما ذهبت أنت.
د. الربيعة: ولكن انظر كيف عاقبته، هذا الذي تجبر واعتلا بكبريائه وغطرسته وقوله السيء ما عاقبته عند الله؟
د. الخضري: (كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) ليطرحنّ طرحاً في الحطمة.
د. الربيعة: معنى عظيم. موقف فيه إهانة وفيه إذلال وفيه طرح بلا أي قيمة.
د. الخضيري: وأيضاً يقول الحطمة يعني كما حطّم الناس بلسانه وقوله وعابهم وكسر خواطرهم سيحطم هو في نار جهنم. ما قال كلا لينبذن في النار، لا، في الحطمة، والتحطيم يدل على التكسير والإهانة والإذلال وهذا معنى مناسب لذلك الشخص الذي كان يسخر ويعيب ويطعن في أعراض الناس.
د. الربيعة: ولهذا قال تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ) ليستحضر الإنسان هذه الاية.
د. الربيعة: تلك الأفئدة التي امتلأت بالكبر والشر والأذى الذي ينفذ به اللسان.
د. الخضيري: هذه النار ستدخل في أجوافهم وتطلع على أفئدتهم. لما كان مصدر الهمز واللمز شيء من القلب من احتقار الناس وازدرائهم جعل الله عز وجل العذاب يصل إلى المكان مصدر ذلك الاحتقار والازدراء، تطلع على الأفئدة وتعرف ما فيها وتذيب ما فيها من الكبر. ولذلك أقول نقِّ قلبك من الكبر، نقِّ قلبك من الضغينة، إحرص على أن تكون صادقاً مع نفسك وتظهر قلبك من كل شر وبلاء ودخن.
د. الربيعة: يختم الله هذه السورة بقوله (إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)) مغلقة مؤصدة وهم أيضاً في عمد ممددة مقيدون مسلسلون بتلك العُمد يعذبون بها في نار جهنم والعياذ بالله. هذه السورة تعطينا عظم تولي كِبر الصدّ عن سبيل الله بالأذى باللسان بالاستهزاء بالمؤمنين ويا ويل لمن اتخذ هذا وظيفة له في هيه الحياة! في أي مجال من مجالات الحياة، في الصحف، في القنوات، في مواقع الانترنت، يا ويله! ونعوذ بالله أن نكون من أهل هذا الوصف. فعلينا إخوة الإسلام أن نحذر من هذه الأوصاف ونسال الله عز وجل أن يحفظنا وإياكم وأن يجعلنا ممن ينصر هذا الدين بقوله ولسانه ولنا لقاء بإذن الله تعالى في جلسة أخرى وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:09
لحلقة 16
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذا هو المجلس الخامس عشر من مجالس برنامجنا الذي نسأل الله عز وجل أن يبارك فيه لنا ولكم "لنحيا بالقرآن" هذه المجالس جعلناها على مائدة هذا الكتاب العزيز نستخرج من قصار المفصل آية أو آيتين من سورة من سوره ثم نحاول أن نجعل منها برنامجاً عملياً كيف نحيا بها ونجعلها مؤثرة على حياتنا وسلوكنا وكيف نجعلها مهيمنة على جميع أعمالنا وتصرفاتنا. اليوم جلستنا مع سورة القارعة. لن نتوقف كثيراً عند كل كلمة من كلمات هذه السورة العظيمة ولو أتحنا لأنفسنا وأردنا أن نسترسل مع معانيها وما فيها لطال بنا المقام ولكننا نركز على بعض المعاني البارزة حتى نُشعر أنفسنا أننا يمكن أن نتأمل كتاب الله عز وجل ونستخرج منه الهدايات والعبر والعظات والأعمال ونجعل من ذلك سلوكاً نعيش به في حياتنا. هذه السورة يقول الله عز وجل فيها (الْقَارِعَةُ ﴿١﴾ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٢﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٣﴾ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴿٤﴾ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴿٥﴾ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴿٦﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴿٨﴾ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴿٩﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴿١٠﴾ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴿١١﴾) هذه السورة افتتحت بذكر وصف من أوصاف يوم القيامة، إنه وصف القارعة يعني أن هذه القيامة لشدة هولها تقرع القلوب وترجف بالأفئدة فتخاف وتوجل ويصبها الاضطراب وتتزلزل كما ذكرنا في سورة الزلزلة.
د. الربيعة: لعل لفظ القارعة وتسمية السورة بالقارعة يدل دلالة واضحة على أن الغرض والله أعلم منها قرع القلوب الغافلة عن طاعة الله وقرع قلوب المشركين وقرع قلوب المعرضين بالأهوال التي تزلزلهم وتبين لهم الحق. ولذلك تأمل كيف وصف الله عز وجل أوصاف الناس فيها.
د. الخضيري: قال (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)
د. الربيعة: تطايرهم، والجبال ليس الإنسان فقط، تلك الجبال الراسية العظيمة تكون كالعهن المنفوش
د. الخضيري: مثل القطن المنفوش
د. الربيعة: بعد هذا القرع وهذا الهول فما ميزان الإنسان؟
د. الخضيري: هنا يأتي البيان حال الناس في ذلك اليوم بحسب ما عندهم من الأعمال. هي تقرع وتقلقل وتزلزل لكن المؤمن بما آتاه الله عز وجل من الأعمال الصالحة يكون ثقيلاً فإذا اهتز الناس لا يهتز وإذا تشتتوا وزلزلوا واضطربوا وإذا به ساكن (وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) النمل) (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) وهذا اليوم يجب أن نعمل له. لكن هنا ملاحظة: من قرعت القيامة قلبه في الدنيا اطمأن يوم القيامة فلا يجمع الله على عبد زلزلتين ولا خوفين ولا أمنين من أمن في الدنيا خاف يوم القيامة ومن خاف في الدنيا أمِن يوم القيامة ومن قرعت القيامة قلبه في الدنيا في يوم القيامة يكون مطمئناً.
د. الربيعة: ولهذا سبحان الله إنظر إلى السر في تكرار لفظ القارعة، ثلاث مرات تكررت والسورة إنما هي قصيرة (الْقَارِعَةُ ﴿١﴾ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٢﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴿٣﴾) كلها لتقرع القلب مرة بعد مرة بعد مرة، القلب الغافل الذي قد تراكمت عليه الذنوب وتراكمت عليه الشبهات وتراكمت عليه المعاصي وأنواع الشرك يحتاج إلى قرع شديد حتى ينفكّ والله تعالى أعلم أن هذا من أسرار تكرار لفظ القارعة في الآية ولهذا المسلم ينبغي إذا قرأ ينبغي أن يتذكر هذا المعنى ليقرع بها قلبه الغافل وكلنا ذلك الرجل نحتاج إلى ما يقرع قلوبنا فيصححها ويفتح مغاليقها إلى ذكر الله عز وجل. يقول الله عز وجل في وصف عظيم لهذه القارعة وهو (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) والله إنه لمشهد عظيم، هؤلاء الناس الذين يعيشون على هذه الأرض ويمشون عليها في لحظة يكونوا متطايرين في الهواء كالفراش المبثوث من خفّتهم بسبب الهول التي أصاب تلك الأرض كما ذكرنا في سورة الزلزلة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)) إذا كانت الأرض ستخرج ما فيها فكيف حال الإنسان؟ لا قيمة له!
د. الخضيري: ولذلك لما ذكر حال الناس عندما تأتي هذه القارعة وهي أنهم ينتشرون كالفراش قال بعدها (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7))
د. الربيعة: بماذا تثقل الموازين؟
د. الخضيري: هذا هو السؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا ولذلك أقول هذه النقطة بعد هذه المقدمة في ذكر القارعة هي التي يجب أن يلتفت لها نظر المؤمن. إسأل نفسك، هل عملت على أن تثقّل موازينك؟ إن هذا السؤال يجب أن يلاحقك في يومك وليلك بل في كل ساعة من ساعات يومك وهي كيف أثقّل موازيني؟ إن ساحات العمل كبيرة وإن العمل متاح وتثقيله لا يلزم منه أن الإنسان يكون عنده مال ولا يلزم الإنسان أن يكون عنده زوجة ولا يلزم أن يكون الإنسان عنده ولد ولا سيارة ولا بيت، يمكن أن يقوم بأعمال صالحة كثيرة جداً، ذكر الله، تلاوة القرآن، الصلاة، الصوم، نصيحة الخلق، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، أعمال كثيرة.
د. الربيعة: وقبل ذلك وبعده التوحيد الذي يثقل الميزان حقيقة.
د. الخضيري: نعم وتعرف حديث البطاقة، الرجل الذي جاء يوم القيامة وله سيئات كالجبال من كثرتها حتى إذا ظنّ أنه هالك قال له الله تعالى إنك لا تُظلم، فيؤتى له ببطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله، فيقول ما تغني هذه البطاقة عند هذه السجلات؟! فتوضع السجلات على كفة ولا إله إلا الله على كفة فتطيش بهن لا إله إلا الله، يعني تثقّل الميزان. لا إله إلا الله قيلت بصدق وحق وتوحيد بإيمان وإخلاص ويقين فنفعت وليس أن يقولها الإنسان بلسانه وهو لا يفهم من معناها شيئاً أو يقولها ويُشرك مع الله سواه.
د. الربيعة: وأيضاً من أعظم ما يثقّل الميزان مما ورد في الحديث الصحيح "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". حينما تسبح الله وأنت تحمده لا شك أن هذا عظيم.حُقّ لهذا المعنى العظيم أن يُثقّل الميزان. وحينما تصف الله بالعظمة لا شك أن هذا معنى عظيماً يثقل الله به الميزان. ليس فقط أن تقول باللسان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، بل ينبغي أن تستحضر معنى سبحان الله وبحمده. سبحان الله وبحمده يعني تنزّه الله تنزيهاً كاملاً مصاحباً لحمده وهو وصفه بالكمال.
د. الخضيري: هذا هو الوصف التام، التنزيه مع الثناء ووصف الكمال لله سبحانه وتعالى. عندي قصة في مسالة ثقيل الموازين علها تنفع، كانت هناك فتاة تحب السعي في كفالة الأيتام من فقراء الملسمين في أنحاء العالم الإسلامي عبر إحدى الجمعيات الخيرية الموجودة في بلاد المسلمين فكانت تأخذ هذه الكفالات وتعرضها على زميلاتها وصديقاتها وتأخذ مبلغ الكفالة وترسله إلى المؤسسة لتقوم بكفالة يتيم من أيتام المسلمين. هذه الفتاة ذات يوم رأت في منامها أنها في عرصات القيامة وأنها في هول شديد وأنها عارية ليس عليها شيء وأنها قد وضعت على الميزان، جيء بها إلى ميزان حقيقي ووضعت عليه فوجدت أن الميزان لم يتحرك إلا شيئاً قليلاً فعلمت وايقنت بالهلاك قالت فخفت خوفاً شديداً ثم قالت ما شعرت إلا وعدد من الأطفال ياتون إلى الميزان ويتعلقون بي فرأيت المؤشر قد ارتفع فوصل إلى النهاية ففرحت ثم قمت فعلمت أن الذين أمسكوا بهذا الميزان وثقلوه هم هؤلاء الأيتام. وهذا يدلنا غلى أن كفالة الأيتام ورعايتهم من أجل الأعمال وأعظمها.
د. الربيعة: بل يدلنا على أن الإنسان ينظر ما هو أرجى عمل يرجوه عند الله يثقل به الميزان.
د. الخضيري: وهناك مسألة أخرى وهي مهمة جداً وينبغي أن ننبه عليها ونعظ أنفسنا بها فنحن أحوج بأن نعظ أنفسنا وهي أن يكون لك أخي المسلم خبيئة تثقل بها ميزانك لا يطلع عليها أحد لا والد ولا زوجة ولا ولد، صدقة خفية، عمل سري تعمله كل يوم لا تذكره لأي إنسان، تصدق مع الله فيه ويكون ذلك العمل على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه القضية ينبغي لنا أن نحرص عليها وأكثر من الخبيئات فليكن لك في الصلاة خبيئة وليكن لك في قرآءة القرآن خبيئة وليكن لك في الذكر خبيئة وليكن لك في كفالة الأيتام خبيئة وليكن لك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خبيئة وليكن لك في صلة الرحم خبيئة وهكذا حتى إذا جئت يوم القيامة ووردت على الله عز وجل ماذا وجدت؟ نجد أعمالاً كثير كلها تثقل ميزانك. وبهذه المناسبة أحب أن تذكر المشاهدين من هو المفلِس؟
د. الربيعة: من إذا ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلي عليه.
د. الخضيري: هذا البخيل والمفلِس من يأتي يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولكنه يأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فنقول إنتبهوا يا إخواني وغياكم أن تكونوا من هؤلاء المفلسين تعملون أعمالاً تثقل موازينكم ولكنكم تفسدونها بظلم العباد وأخذ أموالهم وأكل حقوقهم والنيل من أعراضهم فهذا والله لا يليق بكم.
د. الربيعة: في تمام الآية يقول الله عز وجل (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) هذا الذي ثقلت موازينه سيكون عند الله عز وجل في ذلك اليوم الذي فيه القارعة وفيه الهول وفيه تطاير الناس في عيشة راضية (وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) هو في ذلك اليوم في الفزع آمن وهو عند الله بعد ذلك في جزائه في عيشة راضية. تأمل قوله عز وجل (فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) هو سيعيش عند الله عيشة راضية يعني سيرضى. متى يرضى الإنسان في العيشة؟ إذا كان عنده رغد العيش تماماً فستكون أيها المؤمن بأعمالك الصالحة في عيشة راضية وكلما كنت أعظم أعمالاً بإخلاص وصدق فأنت أعظم عيشة وأعظم رضى بإذن الله. لعلك تقف وقفة سريعة مع ختام هذه السورة قال الله عز وجل (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9))
د. الخضيري: من خفت موازينه أي لم يجد في ميزانه ما يثقل به ذلك الميزان، ليس عنده أعمال صالحة لا صلاة ولا صوم ولا بر والدين ولا صلة رحم فهو يعيش لنفسه، يعيش ولا يرى في هذه الدنيا إلا ذاته ولهذا خف ميزانه يوم القيامة، فهذا أمه هاوية يعني أمه النار، النار ستكون أمه تضمه ضماً شديداً وتحتويه وتؤويه إليها لأنه لا يليق به لما جفّ من الأعمال الصالحة لا يليق به إلا أن يكون حطباً لنار جهنم.
د. الربيعة: ولذلك قال بعدها (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)) إنه والله وعظ عظيم للمؤمن إذا قرأ هذه السورة. هذه السورة نحتاج والله أن نعظ بها قلوبنا ونحن ينبغي أن نقرأ هذه السورة كثيراً عندما تقسو قلوبنا ونشعر بغفلة وما يران على قلوبنا من غفلة يجب أن نقرأ هذه السورة التي تفتح لذكر لله عز وجل ولطاعته وينبغي أن نتذكر دائماً أنه لن يثقل ميزاننا عند الله إلا بأعمالنا ولن نعيش عيشة راضية إلا باعمالنا الصالحة بعد رحمة الله عز وجل. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتعظين بكتابه ولنا بإذن الله معكم لقاء آخر ونستودعكم الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:10
الحلقة 15
د. الربيعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. ما زلنا وإياكم في عرض الحلقات المباركة مع برنامج نريد أن نعيش وإياكم فيه مع القرآن "لنحيا بالقرآن" وفي هذه الحلقة نعيش جميعاً وإياكم فيها بإذن الله مع سورة كريمة من سور القرآن من قصار المفصل وهي سورة العاديات. (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ﴿١﴾ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ﴿٢﴾ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ﴿٣﴾ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ﴿٤﴾ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ﴿٥﴾ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴿٦﴾ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴿٧﴾ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴿٨﴾ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴿٩﴾ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴿١٠﴾ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴿١١﴾) لعلنا نقف منها أولاً وقفة متدبرة نستخرج منها أبرز ما فيها والمقصد الذي ربما أن يكون تجمعه. حينما نتأمل إمسها العاديات ونتأمل افتتاح الله عز وجل بالقسم بالعاديات بصفاتها الخمس ثم جواب القسم في بيان حال الإنسان إذا تجرد عن حقيقته حقيقة الدين نعلم أن هذه السورة تبين لنا حقيقة الإنسان وهدفه في الحياة. ما هو هدفه في الحياة؟ ما هو الأمر الذي يكون عليه الذي خلقه الله من أجله؟ وما هو الأمر الذي يكون عليه إذا تجرد عن دين الله عز وجل؟. تأمل كيف افتتح الله سبحانه وتعالى هذه السورة بالقسم بالعاديات. والعاديات على القولين أنها الخيل أو الجِمال، لكن الأصح أنها الخيل وهي الأكثر عند المفسرين. وهي ليست كل خيل وإنما هي الخيل التي تعدو في الجهاد في سبيل الله عز وجل، أي الخيل التي تحمل غايتها أو حقيقة هدفها في الحياة، ما هو أعظم غاية لهذه الخيل؟ هو الجهاد (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) من الخيل من أعظم أغراضها أهدافها أن تكون مركوباً للجهاد في سبيل الله. لعلنا نتأمل أوصاف هذه الخيل والصفات الخمس وماذا تعني؟ أولاً (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) ما معنى العاديات ضبحاً؟
د. الخضيري: العاديات من العدو وهي السرعة والضبح صوت أنفاس الخيل عند الجري
د. الربيعة: لعلنا نلمس من هذا المعنى وهو انطلاقها بقوة إلى هدفها وهذا يجعلنا نأخذ معنى يحققه الإنسان في هدفه في الحياة وهو العبودية أن ينطلق إلى هدفه بقوة ويكون انطلاقه صادقاً، انطلاقاً صادقاً وانطلاقاً قوياً.
د. الخضيري: بمعنى أنه لا يكون ممن يجر رجله في أهداف الحياة جراً بل يكون مقبلاً عليها. ولذلك ذكر الله عز وجل حال المؤمنين بأنهم إذا أتوا إلى عمل الآخرة يسعون لها سعياً قال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (9) الجمعة) ليس اسعوا يعني اركضوا وإنم أقبلوا، (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا (19) الإسراء) وسابقوا وسارعوا وفي المقابل ذكر المنافقين (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى (142) النساء) يجر الواحد منهم رجليه جراً إلى الصلاة.
د. الربيعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ (38) التوبة) هذا في حال المنافقين. إذن هذه الصفة تعطينا وصفاً ينبغي أن نتحلى به نحن عباد الله وهو السعي والمسابقة إلى عبادة الله عز وجل إذا كانت هذه الخيل قد انتصرت فنحن أولى بها. ثم يقول الله تعالى بعد ذلك (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) ما المعنى الذي نفهمه من هذه الآية؟
د. الخضيري: الإيراء هو ما يحصل من ضرب حوافر الخيل للصخر والحصى فينقدح مثل النار ولذلك قال (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) إذا ضربت حوافرها بالصخر خرج من الصخر أو من حوافرها مثل الشرر بسبب ضربها أو عدوها على تلك الحصى.
د. الربيعة: لعلنا إذا كان هذا المعنى نلمس فيه معنى ظاهرة في قوة هذا الخيل، إذا كانت هذه الخيل تضرب بالأرض ضرباً حتى تقدح الحجارة بالنار
د. الخضيري: الآية الأولى أخذنا منها الانطلاق والسرعة
د. الربيعة: والثانية القوة. كيف يكون المسلم قوياً؟
د. الخضيري: يكون قوياً إذا أعدّ نفسه إعداداً جيداً وحرص على تقوية نفسه نفسياً وإيمانياً وجسمياً أيضاً ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف" ويوسف عليه الصلاة والسلام قال في وصف نفسه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) يوسف) عنده القوة على حفظ الشيء والقوة على إدارته والإحاطة به وحسن ترتيبه والقيام به.
د. الربيعة: إذن هي القوة في كل مجالات الحياة حتى القوة في جسمه لأنه إذا قوي في جسمه
د. الخضيري: قوي على طاعة الله عز وجل ولذلك وصف طالوت قال (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ (247) البقرة)
د. الربيعة: الوصف الثالث (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) حينما تتأمل في هذه الجملة تلحط معنى عظيماً وهي أن هذه الخيل وهي تسير إلى الجهاد تبادر العدو صباحاً أي أنها تبدأ عملها في الصباح الباكر
د. الخضيري: وقد بورك لهذه الأمر في بكورها
د. الربيعة: نلمس من هذا معنى عظيماً وهو أننا نحن المسلمين يجب أن نبادر وما هو أول عمل يعمله الإنسان في يومه؟
د. الخضيري: لا شك أن أول ما يفتتح به المسلم يومه به هو الصلاة وذكر الله عز وجل لذلك المسلم ينادى للفجر فيقوم ويجيب النداء إن كان رجلاً ذهب إلى المسجد وإن كانت امرأة صلّت في بيتها فيفتتح يومه بذكر الله وبالصلاة وإذا افتتح المسلم ذلك اليوم بهذين الأمرين فلا شك أن هذا اليوم يوم مبارك ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "من صلّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يُمسي" في حفظ الله ورعايته والله سبحانه وتعالى سيطالب من يسيء إليه ويلاحقه ويتابعه حتى يأخذه بالجريرة.
د. الربيعة: إذن نأخذ من هذا الوصف وصف المبادرة، المسلم مبادر دائماً في المقدمة ولذلك السبق إلى الصف الأول كم جاء فيه من الأحاديث والسبق إلى الأعمال الصالحة والسبق إلى كل عمل يرضي الله عز وجل
د. الخضيري: ولذلك في مرة من المرات جاء نفر من الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثياب رديئة جداً فقام أحد الصحابة فبادر فذهب وجاء بصُرة من الدراهم تكاد يده تعجز عن حملها فوضعها بين يدي رسول الله فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنه مذهبة ثم تقاطر الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" يعني ذاك الأول له أجر من جاء بعده ممن عمل مثل عمله.
د. الربيعة: يعني إذا كنت أيها المسلم أول عامل في عمل وتبعك الناس فلك أجرك وأجرهم. الوصف الرابع (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا) ما معنى هذا الوصف؟
د. الخضيري: إذا عدت الخيل وأورت يعني قدحت النار في عدوها صار للغبار ثوران أثرن به نقعاً أي غباراً أثارت الغبار في ساحة المعركة
د. الربيعة: لعل هذا يعطينا معنى في هذه الخيل للمسلم في حياته وهو أن يكون له غبار وأثر وصولة وجولة في المجتمع ويكون هنا في دعوة إلى الله وهنا في نفع المساكين وهنا في مجالات متعددة في الخير، له أثره في المجتمع وله وجوده.
د. الخضيري: يعني ليس صالحاً في نفسه بل صالح مصلح ولما وصف الني صلى الله عليه وسلم الطائفة المنصورة قال "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" لما سُئل عنهم قال الذي يصلحون إذا فسد الناس أو يصلحون من أفسد الناس.
د. الربيعة: لعل له معنى آخر وهو أن هذه الخيل تصول على العدو فأنت أيها المسلم يجب أن يكون لك صولة على عدوك، كيف ذلك؟.
د. الخضيري: عندما يخطط المسلم لأعماله بشكل جيد ولا تكون أعماله ردود فعل لما يعمله الكفار بل يخطط من أجل أن ينتقص من هؤلاء الكفار ومن أجل أن يزيد في بلاد الإسلام ودولة الإسلام فلا شك أن ذلك هو الذي يؤذي الكفار قد يعمل أعمالاً لكن في نهاية المطاف لا يكون لها ثمرة ولكن على الإنسان أن يعمل أعمالاً مفيدة ويسعى لها سعياً شديداً.
د. الربيعة: الوصف الأخير لهذه الخيل (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) يعني كانت في وسط العدو وهذا معنى نأخذ منه والله أعلم أنك أنت أيها المسلم يجب أن تكون دائماً في وسط الناس، في موقع القيادة في موضع التأثير وفي موضع القدوة فما أحرانا أن نتصف بصفات هذه الخيل. لكن لعلنا نعقّب على الجزء الثاني من هذه السورة.
د. الخضيري: في هذه الأوصاف المستنبطة مما أقسم الله عز وجل به هو من التدبر العميق الذي قد لا يستطيعه كل واحد ولكن نبين أن كل ىية تحتها من الأعمال ما هو جدير بالانتباه وجدير بالتوقف، هذا نموذج ما ذكره الدكتور في هذه المقدمة هو نموذج، أما النموذج الآخر وهو الواضح البيّن الذي يستطيعه كل واحد منا انظروا قد أقسم الله تعالى بهذه الأقسام الخمسة (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أي من طبع الإنسان أنه جحود لنعم الله، ينعم الله عليه فيجحد نعم الله عليه ولا يشكرها ولا يؤديها دائماً يتذمر من قضاء الله وقدره دائماً يتشكى، دائماً ينسى النعم التي أنعمها الله عليه، إذا أصابته يوماً ضراء نسي ألف يوم من السرّاء جحد نعمة الله عز وجل ونسي فضل الله عز وجل وهذا ما لا ينبغي أن يكون المسلم عليه بل من العجائب التي ذكرها بعض أهل العلم قالوا إن الخيل يكرمها صاحبها فإذا جاء يوم الشدة ويوم الجهاد أقدمت ودخلت في ساحة المعركة تريد أن تنتصر لصاحبها أما الإنسان فإنه بعكس ذلك يكرمه ربه سبحانه وتعالى ويعطيه وإذا أراد منه أن يطيعه ويسجد له تلكأ وتأخر فلا يكون الخيل أفقه منك ولا يكون أحسن حالاً منك بل عليك أن تكون نبيهاً شريفاً ذا مروءة وذا نظر صائب فتشكر نعمة الله عز وجل دائماً وأبداً وتذكر أن نعم الله عليك كثيرة.
د. الربيعة: وقفة عند كلمة (كنود) كلمة رجعت إلى أقوال المفرسين فيها فوجدت فيها معاني متعددة جحود وكفور وغير ذلك من المعاني وفكأن هذه الكلمة تجمع مساوئ الإنسان قد تكون بضد تلك الحسنات الخمس كأن كنود تجمع الصفات السيئة للإنسان الذي لم يتصف بهذا الدين الذي يشرفه الله تعالى به
د. الخضيري: لاحظ قول الله عز وجل (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أريد أن أبين أمرين الأمر الأول قوله (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر) الخير هنا بمعنى المال وهذا المعنى معروف في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) خيراً أي مالاً والمقصود مالاً كثيراً، (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد) أي يعظم هذا المال وهذا نلاحظه من أنفسنا وممن حولنا فكل الناس متفقون على محبة المال وما يسلم من محبة المال إلا من امتلأ قلبه بحب الله عز وجل فالمال يعتبر عنده وسيلة. هذه الآية تدلنا على أن الإنسان يحب المال حباً شديداً وهي جاءت لتحذرنا من هذه الخصلة، إياك أيها المسلم أن تحب المال حباً شديداً فتنسى حق الله فيه وأن لا تعبد الله سبحانه وتعالى به وأن تعبد هذا المال وتنسى أن تجعله مطية لرضوان الله جل وعلا. ولذلك ذكر الله في سورة الفجر من صفات المشركين قال جل وعلا (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)) حباً شديداً حتى إنه يدعوكم إلى أن تظلموا اليتيم وتأخذوا حقه وتتركوا حق المسكين فلا تتصدقون عليه وتتركوا حق الوالد والوالدة والإبن والزوجة والفقير والمسكين وأن تبذل الأموال فيما يصلح أحوال الناس فلننتبه لذلك
د. الربيعة: ولهذا يحذرنا الله تعالى ما الذي يجعلنا نقف مع هذا الموقف موقفاً صحيحاً؟ قوله تعالى (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) يعني ألا يعلم الإنسان أنه ذاهب إلى القبر ثم إذا بُعثر وهو في البعث فإذا تذكر الإنسان مصيره إلى قبره وموته لا يمكن أن يتعلق بهذا المال تعلقاً ينسيه آخرته. ويختم الله تعالى بقوله (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) ما معنى هذه الآية؟
د. الخضيري: يعني هذا الذي يقع في صدرك من نيات ومن أعمال قلبية سيحصّل ويُكشف ومنه تعلّقه بالدنيا وحبه للمال حباً شديداً يطغي الإنسان وينسيه ذكر الله سبحانه وتعالى
د. الربيعة: ويختم الله عز وجل بما يقرر للإنسان حقيقة أمره فيقول (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) حقاً إن الإنسان إذا قرأ هذه السورة وعى حقيقته إذا قرأ هذه السورة وعى هدفه في الحياة وما ينبغي أن يكون عليه وما هي الصفات التي يحذرها وما هو واعظ الله الذي يعظه ويوقفه من التمادي مع هذه الدنيا بلا حدود وهي واعظ الموت، واعظ علم الله، واعظ خبر الله عز وجل فهو خبير دقيق بالأمور. وأنت تعلم معنى خبير أنها دقيق العلم فما أحرانا أن نتدبر هذه السورة وأن نمتثلها على واقع ما ذكرناه وما يمكن أن يفتح الله تعالى به علينا من معاني ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتدبرين لكتابه العاملين ولنا لقاء معكم بإذن الله تعالى في جلسة أخرى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:11
الحلقة 15
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فهذا هو المجلس الثالث عشر من مجالس هذا البرنامج المبارك أضواء المقاطع نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما فيه من العلم والهدى والإيمان. في هذا المجلس نأخذ مقطعاً من الجزء الثالث عشر من سورة إبراهيم من الآية 35، قال الله عز وجل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (38) الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)) إلى آخر الآيات التي ذكرها الله عز وجل من قصة إبراهيم ودعواته في سورة إبراهيم. في هذه الايات يذكر الله سبحانه وتعالى قصة إبراهيم ليحتج بها على المشركين. المشركون الذين اشركوا في البلد الحراك ليقول لهم إن أباكم إبراهيم جاء بالتوحيد وبالحنيفية وبنبذ الأصنام ودعا الله سبحانه وتعالى أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام فكيف خالفتم طريقته وسلكتم غير مسلكه وجئتم بهذا الشرك العظيم الذي غيرتم به ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ولذلك قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً. والذي يظهر والله أعلم أن هذا الدعاء كان بعد أن بنى إبراهيم البيت وبعد أن كبر إسماعيل عليه الصلاة والسلام بخلاف الدعاء الذي كان في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)) ولذلك نكّر (بلداً) في سورة البقرة وعرّفها في هذه السورة لأن هذا البلد صار موجوداً ولذلك قال (رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا) فدعا الله سبحانه وتعالى أن يجعله آمناً ما يقصده جبار بسوء إلا قصمه الله. ولذلك أبرهة لما قدم إلى البيت يريد أن يفسده وأن يهدمه قصمه الله سبحانه وتعالى وأرسل عليه الطير الأبابيل فجعله الله عز وجل آمناً وأمر بأن يأمن وأن يؤمّن (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (97) آل عمران) لذلك لا ينفر فيه الصيد ولا يصطاد لأنه إذا دخل الصيد فيه دخل في هذا الحكم وهو أن يكون آمناً. (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع قربه من ربه وكونه إمام الحنفاء واب الأنبياء إلا أنه لا يدع الدعاء. بل إني لا أعلم في القرآن نبياً ذكرت أدعيته كما ذكرت عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويكاد ذلك يكون مضطرداً في سائر المواطن التي ذكر فيها إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما من موطن إلا وتجد له فيه دعاء أودعاءين أو عدداً من الدعوات. وهنا قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إجعله آمناً ليقرّ من فيه وليكون الأمن سبباً لأن يعبدوك ويوحّدوك ولا يشركوا معك أحداً سواك. ولذلك قال بعدها (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) وهذا يدعونا لأن نتذكر أن من أعظم أسباب وقوع الخوف وأعظم اسباب حصول المكروه في الأمن هو أن لا يعبد الناس ربهم سبحانه وتعالى وألا يفردوه بالعبادة وهذا ما حصل للمسلمين في هذه العصور الأخيرة لما اختل أمر الشرك فيهم بمعنى أنه دخل عليهم الشرك واختل أمر التوحيد دخل عليهم الخوف ولن يعود إليهم الأمن حتى يعيدوا هذا التوحيد ويكونوا على الجادة التي كان عليها إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليها سائر الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم. وهذا أمر في غاية الدقة والخطورة كما قال الله عز وجل (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) الأنعام) بظلم أي بشِرك، فمتى أخللنا بالتوحيد جاءنا الخوف ومتى حققنا التوحيد جاءنا الأمن بإذن الله عز وجل. الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة. ثم قال إبراهيم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) ماذا نستفيد من هذا؟ نستفيد أن إبراهيم على جلالة قدره وعلو منزلته وقربه من ربه سبحانه وتعالى يخاف على نفسه من عبادة الأصنام فيقول (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) وهل المراد ببنيه جميع ذريته أو المراد من بنيه الذين من صُلبه؟ الذي يظهر أن المراد هنا هم من كان من صلبه فقد وقاهم الله سبحانه وتعالى أن يعبدوا الأصنام بل كان الذين من صلبه أنبياء أخيار من خيرة عباد الله وهم إسماعيل وإسحق. قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ) أي هذه الأصنام أضلت كثيراً من الناس واليوم هذه الأصنام لا تزال تضل كثيراً من الناس وما يزال كثير من الناس يخضع لها ففي الهند وحدها يعبد من الآلهة ملايين كل ما يُخاف وكل ما يُرجى وكل ما يُحب وكل ما يُطمع يُعبد حتى فرج المرأة وذكر الرجل يُعبد من دون الله عز وجل وهكذا في سائر أمم الأرض إلا من وقاهم الله وجنبهم عبادة الأصنام فإنهم قد ضلوا بعبادة هذه الأصنام. قال (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي من عصاني فأشرك وعبد الأصنام فإنك غفور رحيم وليس في هذا بيان لطلب إبراهيم بأن يشفع لهم ولكن بيان لتمام مشيئة الله وأنه يتصرف في عباده كيف يشاء. قال الله عز وجل (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) يقول لربه سبحانه وتعالى مناجياً ومخاطباً وداعياً إني أسكنت من ذريتي أي من أولادي لأنه لم يذكر كل ذريته وإنما أسكن هاجر التي أهدتها له سارة وولدها إسماعيل قال (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) يعني الوادي الذي فيه البيت الحرام وادي مكة. (عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) هذا البيت الذي جعله الله سبحانه وتعالى محرّماً فلا يحل فيه الصيد ولا القتل ولا القتال هذا البيت المعظم المشرّف. قال (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ) أي جعله الله محرّماً من أجل أن يقيموا فيه الصلاة أي من أجل أن يكون محلاً للعبادة. ولما كانت العبادة شيئاً كثيراً ذكر الله عز وجل أعلاها وأجلّها وهي إقامة الصلاة فقال (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) انظروا كيف جاء الدعاء قال (أفئدة من الناس) ولم يقل أفئدة الناس لأنه لو قال أفئدة الناس لغالبنا على البيت كما قال ابن عباس فرس والروم وجميع أمم الأرض ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال أفئدة من الناس وهي افئدة المؤمنين فهؤلاء تهوي قلوبهم وتأوي وتشتاق أشد الشوق لبيت الله الحرام وهذا شيء شاهدناه ورأيناه في عباد الله، رأينا كيف أن المسلم منذ أن يفتح عينيه على الدنيا وهو يشتاق إلى بيت الله وذلك إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما زالت دعواه مباركة وما زالت إلى اليوم. والعجيب أن هذه الآيات جاءت بعد قول الله عز وجل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24)) ما هي الكلمة الطيبة؟ قيل لا إله إلا الله وقيل كل كلمة طيبة أصلها ثلبت وفرعها في السماء وكذلك كلمة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فالناس في كل زمان وفي كل مكان ومن ذاك العصر إلى اليوم وهم يتفيئون ظلال وبركة دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قال الله عز وجل (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) أي إجعل هذا البيت آمناً ليقيموا الصلاة واجعله محرّماً ليقيموا الصلاة وارزقهم من الثمرات لعلهم أن يعبدوك ويتفرغوا لعبادتك ومكة من بين بلاد الله من سائر الأزمان ترزق من الثمرات بما لا يرزق بها غيرها. فتجد فيها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء وتجلب لها الخيرات من كل أصقاع الأرض وتأتي مع الحجيج من كل مكان وهي أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولكن الله سبحانه وتعالى بفضله ومنّه وكرمه وإجابته لدعوة خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد جلب لها الأرزاق وهيأ لها الأمور. ثم قال الله عز وجل (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ) يعني إني لم أقصد بهذا الدعاء إلا وجهك ولا أريد إلا الخير لبيتك وحرمك ولقطان هذا الحرم ولمن وحدوك قال (وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) انظروا كيف يخلط إبراهيم في دعائه الثناء على ربه والاعتراف له والانطراح بين يديه والخضوع التام له جل جلاله. قال (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء) كأنه يقول إسمع دعائي وأجبني يا رب كما سمعت دعائي الأول وأجبتني إليه عندما دعوتك أن ترزقني بالذرية فرزقتني بإسماعيل وإسحق على كبر من سني، رزق إسماعيل وعمره 99 ورزق إسحق وعمره 112 عاماً. قال الله عز وجل (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) ختم بإقامة الصلاة لأن إقامة الصلاة هو عنوان العبودية قال النبي صلى الله عليه وسلم "الصلاة خير موضوع فمستقلٌّ ومستكثر" اي خير شيء وضعه الله. (وَمِن ذُرِّيَّتِي) قال بعض العلماء هذه للتبعيض أي من ذريتي من يقيم الصلاة لأنه قد علم أن بعضهم يكفرون ومنهم من قال أن (من) هنا بيانية أي واجعل ذريتي كذلك. (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) هذا فيه مشروعية أن يقول الإنسان اللهم تقبل دعائي في ختام دعائه. ثم يختم بالاستغفار (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) ودعا لوالديه قبل أن يُنهى عن الدعاء لأبيه فإنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. قال (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) أيضاً فيه مشروعية الدعاء للمؤمنين ومشروعية إذا دعا الإنسان أن يدعو لنفسه أولاً ثم لوالديه ثم للمؤمنين يوم يقوم الحساب. أسأل الله أن ينفعني وإياكم بكلامه وكتابه وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.