الحلقة
العاشرة
د. الخضيري:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في
برنامجكم لنحيا بالقرآن هذا هو المجلس التاسع من مجالسنا مع سور قصار
المفصل. وفي هذه السور نحن لا نرمي إلى بيان معاني الآيات ولا نثير في
تفسيرها وإنما نذهب إلى مواطن العمل والهداية ونأخذ منها ما نظن أنه سهل
ميسور عليكم حتى نعمل به في حياتنا. ولنضرب مثالاً في ذلك سورة العلق التي
هي تحفيز على طلب العلم وعلى الهداية بالعلم وتعلم الخط والكتاب وأن الله
سبحانه وتعالى امتن علينا بهما وجعلنا نتعلم من خلالهما. هذا المعنى
المقصود في السورة ظاهر فيها حيث افتتحت الآيات الخمس الأولى بذلك (اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) ثم قال الله بعد ذلك (كَلَّا
إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)). فالمقصود أن
الآيات الخمس الأولى هي من أول ما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه وهي
دلّتنا على هذا المعنى العظيم أنه لا حياة للأمة ولا رقي ولا تقدم ولا نجاة
لها إلا بأن تكون أمة قارئة وأمة تكتب وتستفيد من القلم وأن القلم والعلم
رفعة للناس من الجهل والانحطاط وأنه سبب لنجاة الناس من الخسران بإذن الله
جل وعلا. دعونا نقف مع بعض آيات هذه السورة ونحاول أن نستنبط العبر والدروس
العملية من آياتها.
د. الربيعة:
أحب أن أبيّن ما ذكرتَه في أول هذه السورة العظيمة ونؤكد أنها أول سورة
نزلت مما يدلنا دلالة واضحة على أهميتها وبدؤها بالأمر بالقرآءة للنبي صلى
الله عليه وسلم يدلنا على أن الله تعالى أراد لهذه الأمة أن تكون أمة إقرأ
أمة العلم لأن العلم هو موضع الصعود والعلو والرفعة فالله سبحانه وتعالى
أراد لنا الرفعة بالعلم، أولاً العلم الشرعي علم الله الشرعي وأوامره
ونواهيه والعلم الدنيوي حتى في أمور الدنيا يجب أن نكون على علم وبينة
لنسبق العالم ونكون ذا شأن فيه
د. الخضيري: حتى
نكون أمة قوية وتستغني عن الآخرين، قال الله عز وجل (وَأَعِدُّواْ لَهُم
مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (60) الأنفال) والقوة شاملة.
د. الربيعة:
أقف مع كلمة (إقرأ) هذه الكلمة العظيمة ذات الدلالات الكثيرة افتتح الله
سبحانه وتعالى نزوله بالوحي. وكما نعلم في حديث بدء الوحي أن جبريل عندما
أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إقرأ فقال النبي ما أنا بقارئ
قال فأخذني فشدني حتى بلغ مني الجهد ثم قال لي إقرأ فقلت ما أنا بقارئ
فأخذني فشدني حتى بلغ مني الجهد ثم قال إقرأ باسم ربك الذي خلق، هذا
التأكيد ثلاث مرات بالأمر على ماذا يدل؟
د. الخضيري:
يدل على أهمية ما سيلقى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأمر بالقرآءة
د. الربيعة:
وأن هذا الوحي يحتاج إلى قلب يعي هذا الوحي العظيم ويحتاج إلى أن الإنسان
ينبغي أن يتحمل عبء الدعوة وعبء هذا الوحي العظيم في تبلغيه والصبر عليه لا
شك أنه أمر يحتاج المسلم أن يهتم به غاية الاهتمام.
د. الخضيري:
من ذكرك لهذا الحديث العظيم عن نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله
عليه وسلم أول مرة في غار حراء يتعبد لله عز وجل فغطه غطاً شديداً حتى بلغ
منه الجهد ثلاث مرات، أقول أن هذا فيه فائدة تربوية أن لا نلقي المعلومات
على أبنائنا وأطفالنا وتلاميذنا في المدارس جزافاً فجبريل عندما أراد أن
يلقي المعلومات على النبي هيأه لذلك ثلاث مرات هذه الثلاث تجعله يستقبل
المعلومة بكل حفاوة ولا يمكن أن ينساها. أنت إذا ألقيت عشر معلومات على
متعلم يمكن أن يلقي منها سبع ويأخذ ثلاث لكن عندما تعطيه المعلومة بصورة
مؤكدة ومحفزة وبعدد من الطريق وبأساليب متنوعة هذا يدعوه إلى أن يحفظ هذه
المعلومة ولا ينسى شيئاً منها
د. الربيعة:
أنت إذا أردت أن تنبه إبنك وهو غافل ربما تشده لينتبه، أساليب التنبيه
كثيرة وفي هذا العصر تعددت أساليب التنبيه والتعليم والتوجيه مما ينبغي أن
نأخذ منها ونستفيد بها. تأملت في أول آية افتتح الله كتابه وفي آخر آية
نزولاً وهي آية الدين. فأول ما ابتدأ الله عز وجل نزول هذا الوحي كلمة
(إقرأ) للنبي صلى الله عليه وسلم ثم بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يلقن
أصحابه ومن يؤمن من الناس بالقرآءة فيعلمهم القرآءة قرآءة هذا القرآن
الكريم أولاً. في آخر ما نزل آية الدين التي فيها الأمر بالكتاب (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ
مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ
يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ (282) البقرة) تكررت كلمة كتب في
الآية كثيراً وهذا التكرار ليس إلا لحكمة عظيمة وهي لا شك حكمة عظيمة وهي
آخر آية وقد وقفت معها متأملاً أنها آخر آية نزلت في أقوال مختلفة لعل هذا
من أظهرها وهي آية طويلة لعل هذا إرشاد من الله لنا بعد أن تلقينا الوحي
تلقياً وحفظاً أن نحفظ هذا الدين بكتابة والتدوين كأن هذا أمر من الله
تعالى أن تعلم الكتابة لندوّن الشريعة بعد قبض النبي صلى الله عليه وسلم
وانقطاع الوحي فانظر كيف أن الله عز وجل عنى بهذه الأمة في حفظ هذا الوحي
نتلقاه وحفظه أن نكتبه ونحفظه، ملحظ ينبغي أن نتنبه له ونحن نقرأ هذه
السورة وتلك الآية الكريمة.
د. الخضيري:
أنت الآن انتقلت إلى معنى آخر في الايات وهو تدوين العلم وحفظه وهذا أمر
قصّر فيه المسلمون في الأزمنة المتأخرة وقد بالغ المسلمون في العناية به في
الأزمنة المتقدمة وكان أحد أسرار انتصارهم وعزهم وهيمنتهم واتساع علومهم
أما نحن الآن نسمع كثيراً في التلفاز والراديو والأشرطة ونقرأ في الكتاب
ولكننا لا ندوّن بل ولا ندون معلوماتنا وتجاربنا التي استفدناها في حياتنا
وهذا لا شك أثّر علينا فكثير من التجارب ومن العلوم وكثير من الأشياء ذابت
وذهبت وانذثرت بل حتى تزول عن الإنسان نفسه فقد يكون حصل على معلومة في وقت
من الأوقات ثم بعد خمس أو عشر سنين نسيها لأنه لم يدونها ولم يحتفظ بها
فأنا اقول هذا تنبيه لنا جميعاً أن ننتبه للقلم ولذلك قال الله عز وجل
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ
عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) وكأنها بشارة لمن يكتب
بالقلم أن الله سبحانه وتعالى سيعلمه علماً لم يكن عنده إذا أمسك القلم
وبدأ يدون ملاحظاته ويفتح الله عليه.
د. الربيعة:
والدليل في قوله تعالى في آخر آية الدين (وَاتَّقُواْ اللّهَ
وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) قال بعض المفسرين اتقوا الله بتعلّم الكتابة
فيعلمك الله تعالى ويفتح عليكم كما فتح الله لهذه الأمة من العلوم الشيء
الكثير. خاطرة أخيرة حول ابتداء الله تعالى بإقرأ أنه ينبغي أن نتعلم
القرآءة قرآءة كتاب الله عز وجل فينبغي أن يكون لنا ورد يومي بقراءة كتاب
الله عز وجل لتحيا به قلوبنا ونحن نتحدث عن الحياة بالقرآن فوالله الإنسان
الذي له ورد يومي يقرأ كتاب الله تعالى قراءى متدبرة سيجد فيها سعادة
واطمئنان في الحياة. الأمر الثاني أن يكون لنا شأن في القرآءة عموماً في
علوم الشريعة بل قرآءة علوم الدنيا لنتعلم بها ونتبصر ونكتفي بها عن غيرنا
ومن المؤسف لو رأينا واقع أمة الإسلام في أمر القرآءة لوجدناه مؤسفاً بينما
تجد الغرب من أساسيات حياتهم القرآءة والكتابة.
د. الخضيري:
لا تكاد تجد إنساناً في عمله أو في مؤسسته أو في حياته الشخصية إلا وهو
يجون ملحوظاته في مذكرات ويكتب كل ما يمر به في حياته من أمور وتجارب
تاريخية علمية أدبية ولذلك تتجمع هذه المعلومات وتصبح كماً كبيراً لأنها
بنتف صغيرة.
د. الربيعة:
أذكر نوذجاً جميلاً ليكون مثالاً: أحد الإخوة يقول جعلت لإبني ورداً يومياً
من أيسر الأمور وهو أن يقرأ صفحة من كتاب الله تلاوة وأن يقرأ صفحة من
كتاب في كل يوم وجعلت الأمر منافسة بين أولادي وتخفيزاً لهم بجائزة، انظر
كيف يتعلم الطفل القرآءة والكتابة خطوة خطوة ليكون ذا معرفة وإدراك تتفتح
له أمور الخير ويحمي نفسه من هذه الأفكار التي تأتي من هنا وهناك. لو
تجاوزنا في هذه السورة (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) هل هناك سر أنه
بدأ بالقرآءة ثم ذكر بعده الخلق؟ ما سر تقديم القرآءة؟ (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾) مما يدلك
فيما يظهر أن أمر العلم منّة الله عز وجل على الإنسان بهذا العلم وأعظم
ذلك تعليمه هذا القرآن أعظم من خلقه أليس الله يقول (الرَّحْمَنُ (1)
عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) الرحمن) فلا شك أن منّة
الله تعالى علينا بتعليمنا هذا القرآن وهذا الوحي أعظم من هذا الخلق لأن
الخلق يشترك معنا فيه سائر الخلق لكن هذه المنة العظيمة منة الهداية والوحي
خص الله تعالى البشر به.
د. الخضيري:
وتأكيداً على هذا الكلام ما جاء في بداية البقرة (وَعَلَّمَ آدَمَ
الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ
أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ
سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ
فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي
أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا
كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) فبيّن أن العلم هو الذي تميز به آدم عليه الصلاة
والسلام على الملائكة وقال العلماء لو كان هناك يتميز به آدم أعظم من
العلم لميّزه الله به فكان العلم بذلك أعظم ميزة يتميز بها الإنسان.
د. الربيعة:
ولذلك نستطيع أن نقول للشاب والشابة أن شرفك في العلم ليس شرفك في بدنك ولا
زينتك ولا نسبك وللأسف نجد كثيراً من الشباب همّه ديكوره، الديكور الذي
يخرجه أمام الناس لكن الشرف والعز والرفعة في مقامك بين الناس هو بالعلم
ولا شك في ذلك.
د. الخضيري:
لذا نحن نؤكد ونقول إعلموا أن العلم هو عزّ الإنسان ومصدر شرفه فعلينا أن
نهتم بالعلم بوسائله الكثيرة التي أتيحت لنا في هذا العصر لم تتح لمن كان
قبلنا ونحمد الله على توفرها وتيسرها فتستطيع هذا عن طريق الانترنت والصحف
والمجلات والقنوات المفيدة والأشرطة والإذاعات.
د. الربيعة: هذه
الأمور لم تكن من قبلنا ولذلك انظر قول الله عز وجل في هذه السورة
(عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) كم علمنا الله تعالى من علوم. نحن
ربما نسمي هذا العصر عصر العلم وكم من العلوم انتشرت اليوم وهذا يدل على
أن العلوم التي عند الله عز وجل لا منتهى لها.
د. الخضيري:
كل ما أوتيه الناس من علم الله عز وجل مثل ما يُدخل أحدنا المخيط أو الإبرة
في البحر فلينظر بم ترجع هذه العبرة، يعني هذا هو مقدار علوم كل الناس منذ
أن خلقهم الله عز وجل بالنسبة إلى علم الله عز وجل (وَلَوْ أَنَّمَا فِي
الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ
سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (27) لقمان)
د. الربيعة:
وقوله (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) بالنسبة لعلم
الله, وهذا يجعلنا نسأل الله عز وجل أن يفتح لنا أبواب العلم وأن يعلمنا ما
لم نعلم وأن يرزقنا فهم كتابه والعلم به وهذا ما أوصي به نفسي وإخواني أن
يكون دعوة دائمة في ليله ونهاره بهذه الدعوة.
د. الخضيري:
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علماً ينفعنا وفي القرآن
(وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه) هذه وصية من الله لنبيه صلى الله
عليه وسلم ليزيده. وموسى عليه الصلاة والسلام رحل رحلة طويلة لأن الله
علمه أن هناك في الأرض من يعلم علماً لا يعلمه موسى مع أنه هو كليم الرحمن
وسيد أهل الزمان ومع ذلك أمره الله أن يرحل ليتعلم فالعلم شرف ولذلك نقول
لأنفسنا عليكم بالعلم، يقولون العلم من المحبرة إلى المقبرة ينبغي أن يكون
هذا برنامج أو ديدناً لنا نأخذه نأخذه على أنفسنا ونعلمه أبناءنا ونحرص
عليه فإن شرفنا وعزنا يكون بعد إذن الله عز وجل في تعلمنا وفي حرصنا على
العلم. أسأل الله أن يوفقنا لنكون من العلماء الصادقين الصالحين وأن يجعلنا
ممن يعملون بعلم وأن ينفعنا بما علمنا ويرزقنا علماً ينفعنا وإلى لقاء
قادم مع بقية هذه السورة الكريمة وهي سورة العلق وصلى الله وسلم على سيدنا
محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.