د. الربيعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. نجدد معكم اللقاء في تمام حديثنا في هذا البرنامج المبارك لنحيا بالقرآن ومع تمام سورة تحدثنا عنها في المجلس الماضي هي سورة الفلق. ولعلنا نجدد الحديث عن مقصدها ونتابع آياتها. هذه السورة سورة الفلق ومعها الناس المعوذتين سبب نزولهما هو التعوذ بالله من الشرور الظاهرة والباطنة ومعنى آخر هذه السورة هي للتحصن والوقاية من الشرور كلها ظاهرها وباطنها، سورة الفلق ظاهر في كونها ي الشرور الظاهرة وسورة الناس في كونها من التحصن والتعوذ بالله تعالى من الشرور الباطنة. وقفنا في هذه السورة مع قوله عز وجل (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) فهل لك أن تعطينا لمحة ووقفة.
د. الخضيري: هذه السورة تعوذت من الشرور كلها (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴿١﴾مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴿٢﴾) كما بينا في الحلقة الماضية واليوم نذكر الشرور المفصلة التي ذكرت في هذه السورة. وهذه الشرور المفصلة جاءت ثلاثة الأول الليل (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) والثاني السحر (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) والثالث الحسد (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
د. الربيعة: قد يسأل سائل ما سر تخصيص هذه الأمور الثلاثة؟
د. الخضيري: الله أعلم ليس عندي تحقيق من هذا لكن لشدة الشرور الواقعة من خلال هذه الأشياء الثلاثة وخفائها وكثرتها وأيضاً مهما اتخذ الإنسان من احتياطات لوقاية نفسه منها فإنه لا يستطيع ولذلك لا بد له من أن يستعيذ بالله عز وجل ويعتصم بجنابه من الوقوع في شيء من شرّها. نبدأ بالاستعاذة من الليل ومن المناسب اننا نسجل هذه الحلقة في الليل ونقول يستعاذ بالله من شر هذا الغاسق الليل الذي تشاهدونه، هذا الليل إذا وقب هو الذي يستعاذ منه، لماذا الليل؟ لأنه تختبئ في ظلمته شرور كثيرة فالمفسدون في الأرض يختبئون في ظلمة الليل ويخططون في ظلمة الليل ويحبكون المؤامرات في ظلمة الليل، الذين ينشرون الفساد لا يقومون بذلك إلا في ظلمة الليل، الذي يريدون أن يسرقوا أموال الناس ويقطعوا طريقهم لا يعملون إلا في الليل، الهوام والدواب لا تسري بين الناس وتؤذيهم فتلسعهم وتلدغهم إلا في الليل. وشياطين الجن تتحرك في بداية الليل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كفّوا صبيانكم" يعني عند غروب الشمس فإن للشياطين انتشاراً. أيضاً السباع من الذئاب والثعالب والأسود والفهود والنمور وغيرها إنما تذهب للبحث عن صيودها في الليل وتؤذي الناس في الليل. البث الفضائي والبث الإذاعي بالأغاني والمجون يكون في الليل، الرقص يكون في الليالي الحمراء والبارات والخمّارات لا يكون إلا في الليل.
د. الربيعة: إذن الإنسان وهو يتعوذ بالله من شر الليل يستحضر هذه المعاني ومنها اصحاب الشر الذين يظهرون في الليل ومنها كما ذكرتم أصحاب القنوات وأصحاب الفساد وغيرهم
د. الخضيري: نعم يستحضر هذا كله ويتعوذ بالله من هذا الليل إذا دخل لكثرة ما يكون فيه من الشر, العباد ينقسمون في الليل إنقساماً ظاهراً فمن الناس من اتخذ الليل مطية للعبادة ومناجاة الله والخلوة بالله سبحانه وتعالى ينقطع عن الدنيا وما فيها وشاغلها وهؤلاء هم خيار أهل الأرض وهكذا كان الأنبياء والصالحون من عباد الله إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن الناس من يتخذ هذا الليل وسكونه وهدأته في نشر الفساد وترويجه ويتدثر هذا الليل من أجل أن يفسد في الأرض نسال الله العافية والسلامة، أولئك شرار الخلق. الليل شيء واحد ومع هذا يستعمل في الحق وفيما يتقرب به إلى الله وفي الوقت ذاته يستعمل في شر شيء يكسبه الإنسان. ومعنى الغاسق هو الليل، وورد في الحديث (وهذه نبينها للناس حتى لا تُشكل عليهم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وهو يشير إلى القمر إستعيذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب. فقد يقول قائل النبي صلى الله عليه وسلم اشار إلى القمر فهل هذا يتعارض مع صدّرتم به الآية أنه الليل؟ نقول لا تعارض
د. الربيعة: هو هنا تعوذ فأنت تتعوذ بالله من شر هذ الليل ثم المعنى الآخر القمر أنه هو موضع الإضاءة وموضع النور والضياء والكشف فلعلك تستعيذ برب هذا القمر الذي يضيء أن يكشف لك هذه الظلمة وما فيها من الشرور ويزيلها عنك. هذا معنى لعله ظاهر في هذا.
د. الخضيري: أنا لا أعرف هذا المعنى ولعله إن شاء الله يكون مقبولاً أو شيئاً مما يتسع له صدر المفسِّر. لكن ذكر العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى القمر وأراد به أنه آية الليل لأن القمر يظهر في الليل، فالآية اشرات إلى الليل والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر علامة الليل وهو ظهور القمر والله أعلم..
د. الربيعة: بعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
د. الخضيري: قبل ذلك بقي أمر مهم نحن دائماً نحاول أن نربط الآيات بالواقع فنقول هذا الليل يمكن أن يستعمل بالخير ويمكن أن يستعمل في الشر فهو آية من ىيات الله وعلينا أن نستعمله في الخير وأن لا نتخذه مطيّة إلى الأعمال السيئة، هذا أولاً. ثانياً أن نتقي الشر والأشرار في هذا الليل فنكفّ أبناءنا ونمنعهم من السهر ونحرص على أن نجتمع بهم في أول الليل ثم نطمئن أنهم أخلدوا للراحة والنوم ولا نسمح لهم بالخروج إلا في حدود الحاجة والضرورة ولا نتيح لأبنائنا أن يعبثوا بالأمن ويذهبوا للأسواق ويسيئوا بالأمن ونحن في فروشنا فيؤذوا عباد الله ونكون قد تحملنا وزرهم.
د. الربيعة: في الحقيقة في الليل يجتمع شياطين الإنس والجن فيكون سبباً في الفساد المركّب. بعد ذلك يقول عز وجل في الشر الذي يستعيذ الإنسان منه (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
د. الخضيري: المقصود بها السحر بغض النظر هل النفاثات هم السواحر أو الأنفس السواحر، المقصود بأن السحر شرّه عظيم وخطره بالغ ولأنه شيء غير مشاهد ولا يمكن أن يحترز منه فجعله الله مما يستعاذ منه في هذه السورة.
د. الربيعة: وهذا أمر ظاهر في الناس بسبب ما يكون بينهم من الشحناء والبغضاء وما يوغره الشيطان في صدورهم من العداوة فهذا السحر من أسباب إظهار الشر بينهم وهو واضح ظاهر في وقتنا الحاضر نسأل الله العافية. كم نسمع من السواحر والسحرات الذين انتشر شرهم فيستعيذ الإنسان بالله من شر هذا السحر وأهله. والتعبير بالنفّاثات هل هو دلالة على الساحرات أو الأرواح والأنفس السواحر؟ أقول تعبيره بالنفث للإستعاذة من شر هذا الساحر في وقت سحره ونفثه وهو اجتماع الأرواح الشريرة وقت فعل هذا الساحر لهذا السحر فينبغي للإنسان أن يستحضر هذا المعنى وأقول أن من أعظم ما يدفع شر الساحر والسحرة عنه أن يمتثل أمر الله عز وجل ويستعيذ بالله عز وجل من شرهم فيقرأ هذه السورة. هذه السورة من أعظم العلاج لدفع هذا السحر وهذا الشر العظيم.
د. الخضيري: ونقول ايضاً أنه متى علمت أخي المشاهد بساحر أو ساحرة يمارس هذا السحر فعليك أن تقوم بواجبك بإبلاغ السلطات والجهات المعنية عن هؤلاء لأنهم مفسدون في الأرض. وليسوا مفسدين فقط بل كفار والعياذ بالله لأن الساحر لا يتمكن من السحر حتى يخضع للجن ويعبدهم من دون الله، بل إننا وجدناهم ورأيناهم بالصور وهم والعياذ بالله يطأون على المصاحف ويبولون عليها ويتغوطون والعياذ بالله عليها ويضعونها في دورات المياه إرضاء لجنّهم وشياطينهم حتى يسخروا لهم ما يريدون أن يفعلوه بالناس. فالسحر بوابة الكفر لا يمكن للإنسان أن يكون ساحراً حتى يكفر بالله عز وجل. إذن نحن نقول متى علمتم بساحر أو علمتم بساحرة فاجتهدوا أن تكافحوهم وأن تقلعوا هذا الشر والفساد من أرض الله. وحدّ الساحر كما ورد في الحديث ضربة بالسيف فيجب أن يُستأصل هؤلاء الأشرار من الأرض.
د. الربيعة: ما أرحم الله تعالى بنا عندما أمرنا بالتعوذ من هذا الشر العظيم. الشر الذي أمرنا الله بالإستعاذة منه هو الحسد والعين (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)
د. الخضيري: والحسد شيء خفيّ ولا يكاد يخلو جسد من حسد ولكن المؤمن يدفعه ويرضى بقضاء الله وقدره ويطمئن لأمر الله. عندما تعلم أن أخاك أصابه مال كثير قد يقع في قلبك خواطر هذا الحسد لكنك لما تتذكر أن هذا فضل الله وأن الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء وأن الله كما أعطى الآن فهو سيعطي بعد آن وأن نعم الله ليست مقصورة. ذكِّر نفسك بأشياء كثيرة هذا يدفع عن بإذن الله عز وجل الحسد فيذهب عنك ولا تلام على ما وقع في قلبك لكن المنافق والفاسق والذي لا يرضى بقضاء الله ولا يطمئن لوعود الله ماذا يفعل؟ إنه يطمئن للحسد ويبدأ هذا الحسد يفعل فعله في نفسه فما يزال يحسد أخاه حتى يكيد له وحتى يصيبه بعينه ويؤثر عليه ويؤذيه أذى بالغاً وهو شر عظيم ومن آثاره العين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العين "لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"
د. الربيعة: نلحظ في هذا الزمن كثرة هذا الشر وهذا الشر يظهر أنه يقترن كثيراً مع النعمة فإذا كثرت النعمة عند الناس حسد بعضهم بعضاً عليها وهذا عجيب والواجب عكس ذلك أن تكون هذه النعمة سبباً في فضل الناس بعضهم على بعض. وأشير في مناسبة هذا أننا ينبغي أن نتقي هذا الحسد وهذه العين بأسباب كثيرة منها التعوذ بالله والتحصن وخاصة أن نحصن أبناءنا فإن كثيراً من الناس يتساهلون وخاصة من النساء، فمنهن هداهن الله من تزيّن أبناءها بل قد تزيّن نفسها ثم تخرج إلى تلك الأفراح والمناسبات وتتعرض لأسباب الحسد والعين بذلك. أقول ينبغي علينا أن نتقي ذلك خاصة وأنه قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر أمته يموتون من العين. فمن أسباب ذلك الوقاية بالتعوذ ومن أسباب ذلك البعد عن أسبابه ومسبباته. إذن هذه السورة العظيمة سورة الفلق سورة هي توجيه ووصية من الله عز وجل لنا أن نتقي الشرور بالتعوذ والإعتصام والإلتجاء إليه سبحانه وتعالى والتوحيد الخالص له سبحانه وتعالى وأن نتقي هذه الشرور بالبعد عنها أولاً ونحذر أن نكون من أهلها بالسحر والحسد والليل وغيرها. ينبغي أن نكون من أضدادها الصالحين الذي يحبون الخير للناس، الذين يدفعون الشر عن الناس، الذين ينشرون الخير بين الناسز هذه السورة العظيمة من الله عز وجل لنا أن نستعيذ بالله سبحانه وتعالى من الشرور التي كم نتعرض لها في أزماننا وحياتنا. بهذا نختم حديثنا عن هذه السورة ولنا معكم بإذن الله تعالى لقاء في مجلس آخر نسأل الله أن يقينا وإياكم وذرياتنا وأزواجنا الشرور كلها ظاهرها وباطنها وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عدل سابقا من قبل صقر في 06.05.10 15:08 عدل 3 مرات
كاتب الموضوع
رسالة
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:12
لحلقة 14
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذا هو المجلس الثالث عشر من برنامجكم المبارك "لنحيا بالقرآن". هذا المجلس سنخصصه لسورة الزلزلة هذه السورة التي قال الله عز وجل فيها (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴿١﴾ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴿٢﴾ وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴿٣﴾ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴿٤﴾ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴿٥﴾ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴿٦﴾ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾) إذن هذه السورة كما هو ظاهر من أسلوبها ومن إسمها ومن مضمونها تتحدث عن الزلزلة العظيمة والهزة القوية والرجفة الشديدة التي ستكون يوم القيامة. إنها تزلزل قلوب المؤمنين تزلزل قلوب الخائفين الخاشين فيخافون من ذلك اليوم ويستعدون للقاء الله عز وجل، وهي في الوقت ذاته تزلزل قلوب الكافرين الذين يكذبون بيوم الدين وتذكرهم بأنهم سيلقون يوماً عظيماً تتزلزل فيه القلوب. هذه السورة تبين لها شيئاً من أهوال يوم القيامة وشيئاً مما سيحدث فيها من الجزاء والحساب. دعونا نأخذ بعض الوقفات معها ونحول تلك الوقفات إلى محتويات عملية لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها ويجعلنا وإياكم من المتدبرين الذين امتثلوا قول الله عز وجل (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29) ص)
د. الربيعة: كما ذكرت أن هذه السورة تزلزل القلوب من يقرأها بتدبر وخشوع ومعرفة يعرف الهول الذي سيصيب هذه الأرض وأهلها، زلزلة عظيمة. ومن يقرأها يعرف قيمة الأعمال التي يعملها يريد الله عز وجل من هذا التهويل وهذه الزلزلة أنك أيها الإنسان في هذه الحياة أمامك أهوال فاستعد لها بالأعمال ولذلك ختم الله تعالى السورة بقوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾) كأنه يقول أيها الإنسان إذا أردت أن تقي نفسك من هذه الزلزلة وأهوالها فاعمل فإنك لك الذرة من الخير وإن عليك الذرة من الشر. وتأمل قول الله عز وجل في افتتاح السورة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) أي أن للأرض زلزلة عظيمة ونحن نشاهد بين وقت وآخر في بلدنا هذا وفي كل بلد ربنا عز وجل يعظنا وينبهنا ويحذرنا من تلك الزلزلة بزلازل تحدث هنا وهناك وانظر موقف الناس من تلك الزلازل.
د. الخضيري: يصيبهم من العرب والهول الشيء العظيم ويتفرقون ويقتل أناس كثير وتتهدم أبنية على رؤوس الناس
د. الربيعة: وهي مجرد هزة
د. الخضيري: وفي بقعة يسيرة قد لا تتجاوز مائة كيلو في مائة كيلو.
د. الربيعة: فكيف إذا تحرك هذا الجُرم العظيم تحركاً هائلاً واهتز وأخرج من فيه وأخرج ما فيه. لذلك قال الله عز وجل (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴿١﴾ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴿٢﴾)
د. الخضيري: أثقالها يعني من في بطنها من الموتى والكنوز.
د. الربيعة: حدثنا يا دكتور محمد عن هذا المعنى العظيم، عن هذه الهزة وعن الأمر العظيم الذي تحدثه هذه الهزة.
د. الخضيري:لا شك أن هذا الهول يزلزل القلوب وأن ما يحدث في يوم القيامة شيء فوق الوصف ولذلك ذكر الله عز وجل في بداية سورة الحج وصفاً يقرّب لنا الحقيقة وإذا الحقيقة أعظم مما تخيله عقولنا قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)) يوم ترون هذه الساعة المرأة التي ألقمت رضيعها ثديها فهي أقرب ما تكون إليه وأحنّ ما تكون عليه وأرحم ما تكون له تذهل ومن شدة الهول تطلق هذا الرضيع فيسقط من بين يديها. هل رأيت امرأة أصابها رعب فتركت رضيعها؟ نحن فيما نرى مما يحيط بنا في الدنيا أن المرأة أول ما يصيبها الرعب تضم جنينها إليها وطفلها إليها وتنجو به وما سيأتي يوم القيامة هو شيء سيجعل هذه المرأة تذهل عن ذلك الرضيع حتى يسقط على الأرض وهي لم تشعر به (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) إذن الأمر عظيم وأعظم من أن تتصوره
د. الربيعة: يجب أن يستحضره المسلم وهو يقرأ هذه السورة العظيمة.
د. الخضيري: وليس الإستحضار هو المجرد فقط وإنما الاستعداد لأنه بقدر عملك وبقدر استعدادك يكون رعبك والهول الذي يكون عليك. فالمؤمنون يلقي الله عز وجل عليهم الطمأنينة لأنهم كانوا في الدنيا خائفين وكانوا يخشون الله فالله يطمئنهم والكافرون كانوا لاهين عابثين مكذبين غافلين ولذلك يجعل الله في قلوبهم من الرعب ومن الهول أضعاف أضعاف ما يكون على المؤمنين.
د. الربيعة: قوله (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) يدلنا على أن الأرض ستخرج من فيها من الأموات وتخرج من فيها من كل شيء لعظم هذه الهزة. ثم يبين الله عز وجل حال الناس (وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا)
د. الخضيري: ماذا بها؟ ماذا حصل لهذه الأرض؟ إعلموا أن هذا شيء قد أخبرتم به وإن هذا شيء قد جاء القرآن به ودلّ عليه، هذه زلزلة كتبها الله على الأرض ونهاية لهذا العالم الأول وبداية لذلك العالم الآخر فانتبهوا لذلك واستعدوا له فقد أُنذرتم وقد حذرتم فاتقوا الله في أنفسكم واستعدوا للقاء الله عز وجل.
د. الربيعة: بعد هذه الآية كأنه جواب من الله تعالى يقول (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) يعني أن هذه الأرض تلك الهزة العظيمة وإخراج ما في بطنها من الأموات وغيرهم وأيضاً فإنها (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) ستخبر بكل عمل كان عليها
د. الخضيري: يا الله، هذه تدعو الإنسان إلى أن يتقي الله عز وجل كما قلنا في سورة العلق (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)) الله يراك وأيضاً قد جعل في هذه الدنيا من يراك ويحصي عليك عملك، حتى هذه الأرض ستحدد ما فُعِل عليها من خير أو شر تقول فلان صلى هنا وفلان صام هنا وفلان مشى إلى المسجد فوقي، فلان مشى إلى السرقة فوقي، فلان مشى إلى الزنا فوقي إذن الأرض التي تمشي عليها أيها المؤمن ستشهد عليك ولذلك قال العلماء أنه يستحب للإنسان أن يكثر من مواضع الصلاة لأن الأرض ستحدث بما عمل فوق ظهرها وتخبر بذلك.
د. الربيعة: يعني كل شبر من الأرض تعمل فيه عملاً صالحاً أو سيئاً فالأرض تخبر ربها بهذا العمل.
د. الخضيري: حتى المؤذن إذا اذن ما يبقى شيء يسمع صوته من شجر أو حجر أو تراب إلا جاء شاهداً يوم القيامة يشهد له لأنه سمعه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. أحد السلف رضوان الله عليهم جميعاً كان إذا أراد منه بعض الناس أن يصحبه في السفر اشترط عليهم أن يكون هو المؤذن فسالوه لماذا أنت حريص على ذلك. قال من أجل أن لا أؤذن في مكان إلا شهد لي ذلك المكان. فنحن نقول لإخواننا إجعلوا كل أرض تشهد لكم في غرفة نومك أكثر من الصلاة حتى تشهد لك أنك تقوم للصلاة وفي بيتك أكثِر من الصلاة ومن الذكر حتى يشهد لك.
د. الربيعة: بل إنك ينبغي يا أخي الكريم إذا ذهبت في أي بلد وفي أي رقعة بل وأنت تخرج في رحلة برية أو نزهة على البحر أو نزهة هناك وهناك ينبغي أن يكون المكان الذي تكون فيه تذكر الله فيه ليشهد لك.
د. الخضيري: ونحرص على أن تصلي في المكان الذي يقل ذكر الله فيه.
د. الربيعة: لعل تلك البقعة لا تشهد إلا لك وتكون في ميزان حسناتك. يقول الله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) لماذا تحدث أخبارها؟
د. الخضيري: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) هي تطيع الله عز وجل بمجرد أن أوحى الله لها أن تحدث بأخبارها قامت بالواجب الذي عليها. وهذا يدلنا على أن هذه الكائنات مطيعة لله مستسلمة لله منقادة لله فلا تكن خيراً منا نحن العقلاء الذين أنعم الله علينا وكرّمنا (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) لا يجوز أبداً أن نكون أقل من هذه المخلوقات التي لم تحفل بذلك التكريم فإنها تطيع الله عز وجل وتستسلم لأمره ولذلك نقول إن الكفار أضل من البهائم لأن البهيمة خلقت لشيء فأدّته فهي في ظاهر الأمر في ضلال لكنها أدّت ما كُتب عليها. أما الكافر فلم يؤد لكن لأنها قد أدّت ما كتب عليها أنها كتبت عليه فالكافر أضل منها لأنه قد خُلق لشيء فلم يؤدّ ما خُلِق لأجله
د. الربيعة: لعله مما يشهد لهذه الآية أيضاً قوله عز وجل (إذا السماء انشقت)
د. الخضيري: أذنت بمعنى استمعت وحُق لها أن تذعن وتخضع.
د. الربيعة: إذا كانت هذه الأرض العظيمة، إذا كان هذا الجرم العظيم يخضع لله عز وجل فكيف أنت أيها الإنسان الضعيف الذي لست بشيء مقارنة بهذه الأرض؟!.
د. الخضيري: في قول الله عز وجل (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) في يوم القيامة يأتون أشتاتاً وأوزاعاً متفرقين من أجل أن يشاهدوا ما عملوه في الدنيا يروا نزاعهم، ماذا عليهم. يأتي الإنسان يوم القيامة وله صحائف ملء البصر فيجد فيها كل شيء حتى قوله يوم حار ويوم بارد هذا يعجبني ولا يعجبني وأنا أحب ولا أحب وأفّ وها كلها مكتوبة. كما قال الله عز وجل (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) فهذا يجعلني وإياك وكل من يشاهدنا الآن يتذكر أنه سنجد يوماً فلا ينفعنا في ذلك اليوم إلا ما قدمناه فيه من عمل.
د. الربيعة: ولذلك انظر كيف ختم الله تعالى هذه السورة بآية عظيمة بقوله تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)) يعني أننا نستحضر أن كل عمل دقيق وجليل مكتوب لنا، قولنا جزاك الله خيراً مكتوب له، قول الإنسان لأخيه سبّاً أو شتماً مكتوب عليه
د. الخضيري: بل أن تنظر إنسان بعين الرحمة مر بك فقيراً تنظر له بعين الرحمة تكتب لك، حركة قلبك في إحسان الظن بأخيك أو رحمته أو اللطف معه مكتوب لك، أو مكتوب عليك إن أسأت بذلك كله كما قال الله عز وجل (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) هذه الحقيقة تجعل المؤمن على يقظة تامة. ما هناك مسامحة، ما هناك شيء يُعفى عنه فلا يكتب، كل شيء يًكتب أيها الإنسان ولا يعني أنه يُكتب أنه قد يُحاسب عليه فإنه قد يكتب من أجل أن يرصد ويبين لك يوم القيامة أنه مرصود ولم يضع من عملك شيء.
د. الربيعة: لذلك يقرب الله عبده يوم القيامة ألم تفعل كذا؟
د. الخضيري: هذا يظن أنه قد هلك فيقول الله عز وجل إني قد سترتها عليك في الدنيا وإني اغفرها لك اليوم.
د. الربيعة: هاتين الآيتين ينبغي أن نجعلهما أمام أعيننا دائماً لنحسب لأعمالنا حساب، كم من الأعمال نفرط فيه؟ كثير. كم من إنسان تأتيه الفرص ولا يغتنمها كم من إنسان يفعل من المعاصي والموبقات ما لا يشعر به! حقاً إننا ينبغي أن نعيش مع هذه الاية كيف نعيش مع هذه الاية؟ نعيش مع هذه الاية إذا استحضرنا عظم ذلك اليوم الذي سنحاسب فيه، استشعرنا تلك الهزة العظيمة والزلزلة الكبير، استشعرنا ذلك الهول واستشعرنا أن الأرض ستخبر بأعمالنا صغيرها وكبيرها وستشهد علينا بكل عمل.
د. الخضيري: أنا الآن بدت لي ملاحظة مهمة جداً وهي ملاحظة عملية نقدمها لإخواننا المشاهدين وهي أن الأعمال إذا كانت بالذرات ستحسب لنا أو علينا نقول لهم يا إخواني بإمكاننا في الدقائق التي نعيشها أنت ننتج ذرات من الإحسان ذرات الإحسان. وأنت تشاهد الأخبار ما الذي يمنعك أن تقول لا إله إلا الله، سبحان الله، هذه ذرات بل هي عظيمات عند الله ومع ذلك لا تأخذ منك إلا الجزء اليسير ثم يحقق منها الكثير.
د. الربيعة: ما أجمل أن يجعل الإنسان لحظات الإنتصار في الاستغفار وفي ذكر الله. هذه السورة تعطينا معاني عظيمة ويجب أن نستحضرها استحضاراً ونحن نقرأها في الصلوات الجهرية والسرية.
د. الخضيري: هذه بعض الوقفات مع هذه السورة الكريمة نسأل الله أن ينفعنا بها وإلى لقاء قادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:13
الحلقة 14
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فهذا هو المجلس الثاني عشر من برنامج أضواء المقاطع ومقطعنا هذا اليوم هو في الجزء الثاني عشر من كتاب الله العظيم في سورة هود الآية 112، قال الله عز وجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير (112) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (116)). هذه الآيات العظيمة هي من أشد الآيات في القرآن العظيم حتى قال بعض العلماء إنها هي المقصودة بقول النبي صلى الله عليه وسلم "شيبتني هود وأخواتها" قالوا إن محل الخوف من سورة هود هي هذه الاية التي أمر الله فيها رسول صلى الله عليه وسلم أن يستقيم كما أُمر أن يطيع ربه ويؤدي الواجبات على ضوء ما أُمر من غير زيادة ولا نقص وهذا شديد على النفوس ليس أمراً هيناً ولا أمراً ميسوراً وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "سددوا وقاربوا". سددوا أي إئتوا بالأمر على وجه السداد من غير نقص ولا تجاوز، وقاربوا إذا لم تستطيعوا السداد يعني إذا لم تقدروا على السداد لنقص علم أو لنقص قدرة أو لأمر عارض أو لعذر يعذركم الله به فقاربوا وهذا لا شك أمر شديد على النفوس ونحن مطالبون به وعلينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى في القيام به. ولهذا قال العلماء أن هذه من أشد الآيات في القرآن العظيم. قال (فَاسْتَقِمْ) أي يا محمد (كَمَا أُمِرْتَ) يعني كما أوحي إليك تأتي بالواجبات كما طلب منك وتترك المنهيات كما طلب منك دون أن تقصر ودون أن تغلو أو تزيد. قال (وَمَن تَابَ مَعَكَ) أي وكذلك الذين تابوا معك وأنابوا إلى الله عز وجل ورجعوا إلى الحق ودخلوا في الدين يجب عليهم أن يستقيموا كما تستقيم أنت. قال (وَلاَ تَطْغَوْاْ) وهذا يدلنا على أن أمر الاستقامة ليس مقصوراً على رسول الله ولا على العلماء بل هو أمر قد أمرنا به جميعاً. إن الاستقامة تعني أن يطيع العبد ربه سبحانه وتعالى فلا يعصيه وأن يقوم بأوامره في كل الأحوال وأن إذا وقع في شيء من الذنوب والمعاصي إذا به يسارع إلى التوبة ويستعجل إليها ولا يرتكس في معصيته. إن الاستقامة تعني أن يثبت الإنسان على الدين فلا ينحرف عنه وإن الاستقامة تعني أن يأخذ الإنسان هذا الدين بجد وألا يتوانى في أخذه بهذه الروح الجادة وأن يعزم العزم كله على تنفيذ كل ما يبلغه من أوامر الله عز وجل وترك كل ما يبلغه من نواهي الله جل وعلا. إن الاستقامة تعني ألا يتأول الإنسان شيئاً من دين الله تأولاً رخيصاً ليوافق هواه أو يوافق مجتمعه أو البيئة التي يعيش فيها أو ليحاول أن يخضع دين الله عز وجل لأهواء الناس ولما يشتهونه وهذا لا شك أن هذا مما تزل به الأقدام ومما تزيغ به الأفهام فكثير من الناس تحت ضغط الواقع وتحت تكاثر المجرمين والملبسين وأهل الباطل يتراجع عن الصدع بالحق وعن الأخذ به وعن القيام بأمر الله عز وجل ويبدأ يعلن تنازلاته. ولو كانت هذه التنازلات التي يعلنها يعلن معها أنه مخالف لأمر الله لكان الأمر محتملاً لكن الأسوأ من ذلك أن يقول للناس إن هذا الذي أفعله من التقصير هو ما دل عليه الله وما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيّضِل الإنسان ويُضل اللهم إنا نعوذ بك من أن نَضل أو نُضل أو نَزِل أو نُزِل أو نجهل أو يُجهل علينا. هذا الأمر خطير وفي الأزمان التي تعلو فيها راية الباطل ويكثر فيها المرجفون وأهل الشبهات يقل المستقيمون على أمر الله وهذا ما ستؤكده لنا الآيات بعد قليل عندما قال الله عز وجل (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) قال الله عز وجل لما ذكر الاستقامة نهى عن ضدها قال (وَلاَ تَطْغَوْاْ) ولاحظوا كيف فرق بين الأسلوبين ففي أسلوب الأمر وهو أمر بالاستقامة جاء به خطاباً للنبي وفي أسلوب النهي جاء به خطاباً للجماعة ولعلّ هذا والله أعلم تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلالاً لقدره ورفعاً لمكانته فهو يقول فاستقم كما أمرت يا محمد ولا تطغوا كأنه لا يتصور من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطغى. قال (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هذا تهديد وهذا فيه إحياء لجانب المراقبة يعني استقيموا فالله مطلع عليكم وأدوا ما أُمرتم كما أمرتم فإن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه من عملكم شيئاً وإياكم أن تطغوا فإن الله مطلع عليكم وقادر على أن يعاقبكم سواء عجل العقوبة أو ادخرها. وهنا نشير إلى ملاحظة مهمة في كتاب الله وهي اللازم من الخبر فإنه عندما يقول إنه بما تعملون بصير لا يريد أن يبين أن الله سبحانه وتعالى يبصر الأشياء فقط وإنما يريد لازم ذلك وهو أن الله يبصر الأشياء وسيحقق من وراء ذلك شيئاً وهو أنه مطلع عليكم وسيجازيكم بما تعملون إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. ثم نهاهم الله عز وجل عن أمر آخر وهو أمر عظيم فقال (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) يعني لا تداهنوا الظالمين ولا تميلوا إليهم ولا ترضوا بأعمالهم ولا تستعينوا أيضاً بهم فإن هذا كله يدخل في الركون إلى القوم الظالمين أياً كان هؤلاء الظالمين سواء كانوا من المشركين أو من اليهود والنصارى أو من الطغاة المنتسبين إلى الإسلام فإن الركون إليهم وإعانتهم على ظلمهم والتصفيق لهم والتطبيل لظلمهم وتأييدهم على ما يفعلون كل ذلك من الركون الذي يدخل الإنسان به في عداد المخالفين لهذه الآية. قال (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) يعني إن ركنتم إليهم مستكم النار. وأيّ شيء هذه النار حتى يستهين الإنسان بها؟! إنها نار عظيمة عذابها شديد وقعرها بعيد ولا يطيقها أحد فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا حرها وشرها وأن يحرم بشرتنا ولحومنا عليها. قال (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) يعني إن ركنتم وطغيتم ولم تستقيموا كما أمرتم فما لكم من دون الله من أولياء ليس لكم أولياء دون الله عز وجل يمنعون عنكم عذابه أو ينتصرون لكم. (ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) ما كان أحد ينتصر لكم ويمنع عذاب الله عنكم فاحذروا من ذلك أشد الحذر ولذلك على المسلم أن يخشى الله ويتقيه وهذا الخطاب للمؤمن التقي الذي إذا ذكر بالعذاب ارتجف قلبه وتغيرت نفسه وخاف من الله عز وجل أشد الخوف. قال الله عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ) نؤكد على أن الأوامر تأتي بصيغة المفرد مخاطباً بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنواهي بصيغة الجماعة. قال (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ) كأن إقامة الصلاة هي عنوان الاستقامة فمن اقام الصلاة أعانه الله على سائر أبواب الطاعة ووفقه لذلك ودله عليه وأعانه على الثبات على دين الله وعلى أوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد قلنا مراراً إن الصلاة لم يؤمر بها في القرآن عادة إلا على وجه الإقامة كأنها هي الصلاة المقبولة وما سواها فليست مرادة من الله ولا مقبولة ممن يؤديها نسأل الله العافية والسلامة. قال (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) اختلف المفسرون في طرفي النهار فقيل صلاة الفجر وصلاة المغرب وقيل طرفا النهار صلاة الفجر وصلاة العصر وقيل وهو أقرب طرفا النهار صلاة الفجر وصلاتي الظهر والعصر فهذا في أول النهار وهذا في نصفه الثاني. (وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْل) قال العلماء يراد به صلاة المغرب والعشاء وقال آخرون يراد به صلاة العشاء وذكر ابن كثير رحمه الله تعالى أن هذه الاية تحتمل أن تكون نزلت في أول الإسلام قبل أن يأتي فرض الصلوات الخمس فتكون أقم الصلاة طرفي النهار أي صلاتي الفجر والعصر وزلفاً من اليل أي قيام الليل ولم يكن واجباً على المؤمنين في أول الإسلام إلا صلاة بالنهار وصلاة بالليل وكان الله قد أوجب عليهم أيضاً قيام الليل ثم نسخه عن عامة المؤمنين وابقاه واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سورة المزمل. قال (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) الحسنات أياً كانت صلاة أو صوماً أو وكاة أو حجاً أو عمرة أو ذكراً أو تلاوة للقرآن يذهبن السيئات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" فإن الإنسان إذا فعل سيئة ثم أتبعها بحسنة محت تلك الحسنة السيئة. قال الله عز وجل (ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ذلك الذي أمرناكم به ودللناكم عليه ذكرى للذاكرين وليس المقصود بهذا أنها ليست ذكرى لغيرهم ولكن الذاكرين ينتفعون بها ولذلك خصهم الله عز وجل بذلك. ثم ختم الله هذه الآيات بقوله (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) بدأ الأمر بالاستقامة وختم بالصبر وماذا بين الاستقامة والصبر؟ متلازمان،لا يمكن للإنسان أن يستقيم إلا بالصبر ولا يمكن للإنسان أن يكون صابراً وهو غير مستقيم وأعظم الصبر هو الصبر على طاعة الله عز وجل ولاحظوا كيف جعل الله عز وجل المُظهر مقام المضمر فقال (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ولم يقل واصبر فإن الله لن يضيع أجركم أو أجره وإنما قال (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) للدلالة على أن من استقام كما أثمر ولم يطغَ ولم يركن إلى الذين ظلموا واقام الصلاة وصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة فإنه يكون من المحسنين. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن استقاموا كما أمروا ولم يطغوا ولم يركنوا للذن ظلموا واقاموا الصلاة وأدّوها كما أمر الله أن تؤدى وصبروا في كل الأحوال صبروا على طاعة الله وصبروا عن معصية وصبروا على أقدار الله المؤلمة وجعلهم الله بذلك من المحسنين وأورثهم حسن العاقبة في الدنيا وفي الآخرة. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:14
الحلقة 13
د. الربيعة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين حياكم الله في هذا البرنامج المبارك الذي نريد أن نعيش وإياكم فيه مع القرآن (لنحيا بالقرآن) ونحن مع حلقة من حلقات هذا البرنامج مع سورة كريمة منه من قصار المفصّل سورة البينة هذه السورة وهي من أطول قصار المفصل. قصار المفصل من سورة الضحى إلى سورة الناس وهذه السورة وسورة العلق هي من أطول هذه السور. (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴿١﴾ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴿٢﴾ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴿٣﴾ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴿٤﴾ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴿٥﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴿٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴿٧﴾)
هذه السورة من إسمها يتبين مقصدها (البينة) يظهر فيها أن الله عز وجل منح هذه الأمة بل منح البشرية هذا الدين البين الواضح الذي يبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البشرية وما هو هذا الدين؟ نتلوه من كتاب الله عز وجل. بيان في بيان واضح فمن يوفق في الإطلاع على هذا الدين وهذا الكتاب العظيم وهذا البيان الشامل من النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أنه سيعرف الحق والحقيقة وسيعرف أن هذا الدين هو الحق. ولذلك تأمل معي أفواج النصارى الذين يؤمنون بهذا الدين حين يطلعون عليه حق الإطلاع. يحدثني أحد الإخوة الذين لهم جهود في دعوة النصارى يقول أخذت شريطاً بقراءة الشيخ الحذيفي ومترجم معانيه باللغة الفرنسية يقول أهديه إليهم يقول والله لقد هدى الله به أناس من غير ما أشرح لهم هذا الدين، قالوا هذا القرآن؟! قالوا هذا حق. هذا يدلنا على كل من اطلع على هذا الدين وعلى هذا القرآن سيتبين له الحق كما سماه الله تعالى بيان (وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185) البقرة) فهذه السورة الكريم حينما نقرأها يتبين فيها أن الله عز وجل أرسل للبشرية منهجاً قيماً وبيّنه ولذلك قال في افتتاحيتها (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) منفطين عما هم فيه من ضلال ودين محرّف حتى تأتيهم البينة.
د. الخضيري: معنى هذه الآية أنه لن ينفك هؤلاء سواء المشركون الذين كانوا في مكة أو جزيرة العرب أو أهل الكتاب الذين كان جزء منهم في جزيرة العرب وكثيرون منهم خارجها من اليهود والنصارى لم يكونوا تاركين شيئاً مما عهدوا عليه آباءهم حتى تأتيهم البينة يعني دليل واضح ساطع يدلهم على أن ما هم فيه ضلال وأن ما جاءهم من الله وعلى لسان رسول الله وما أنزل الله على رسوله هو الحق وقد جاءهم بحمد الله ذلك. كل الدلائل الموجودة في القرآن من أعظم ما يميزها هو بيانها ووضوحها وظهورها ليس فيها تعقيد وليس فيها غموض وليس فيها ألغاز بل هي واضحة وجلية وبينة وقريبة.
د. الربيعة: ولذلك يقول تعالى (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (44) النحل)
د. الخضيري: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34) النور) (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) آل عمران) و(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) القمر) فهو بيّن وواضح. لكن السؤال قال (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) ثم فسّر البينة (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)) هذا يدلني على أن الله أنزل علينا الحق هذا الكتاب فيه البيان وفيه الرحمة فلنعد إليه ولنرجع إليه ووالله لن نجد الحق إلا به ولن نعرف الهدى إلا منه. ولذلك لا نتعب أنفسنا فقد تعب أقواماً بذلوا جهوداً عظيمة وألفوا مؤلفات وكتباً كثيرة وفي نهاية المطاف ما وجدوا الحق إلا في كتاب الله عز وجل. لذلك نقول قد كفينا فعلينا أن نأتي إلى المعين الذي لا ينضب، إلى المعين الصافي ولذلك قال (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً) صحف وهذا الكتاب نقرأها ونتلوها ونستهدي منها ونستخرج منها الهداية.
د. الربيعة: أحد الإخوة قال لي في بيان أن هذا القرآن وأنه شامل واضح في كل شيء يقول ما مر علي مشكلة ولا قضية ولا أشكل عليّ أمر إلاقرأت كتاب الله بقصد أن أبحث فيه عن بيان وأبحث فيه عن منهج يهديني ويعالج هذه المشكلة، ويقول والله من غير مبالغة إني أجد ذلك بكل يسر وسهولة، أفتح المصحف من أي موضع ثم أقرأ كتاب الله عز وجل بقصد الشفاء وبقصد الفرج وبقصد حل مشكلة ما، ثم بعد ذلك أشعر كأن هذه الايات تخاطبني مباشرة في هذه المشكلة.
د. الخضيري: وهذا واضح وجربه كثيرون. نقول إجعلوا هذا الكتاب حياة لكم، إجعلوه نبراساً يضيء لكم هذه الحياة، نعم والله لو صدقنا مع الله لكفانا ولكننا مع كل أسف قد صُرفنا عنها وحالت بيننا وبينه حوائل وعوائق مفتعلة ومصطنعة، والشيطان له دور كبير فيها يريد أن يصرفنا عن هذا الكتاب، ويريد أن يحول بيننا وبين كتاب الله عز وجل لأنه يغار منا ويرى أننا أخذنا فضلاً عظيماً عندما أنزل الله عز وجل هذا الكتاب.
د. الربيعة: تأمل الآية التي بعدها (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) لماذا تفرقوا؟ بعد أن جاءتهم البينة الواضحة؟
د. الخضيري: هذه النعمة جاءت وهي أن هؤلاء القوم كانوا يقولون نحن لا يمكن أن نترك ديننا حتى تأتيما البينة فلما جاءتهم البينة الموافقة لما في كتبهم استكبروا وكان الدافع لهم في الغالب هو الكِبر والحسد، كذبوا حسداً وكذبوا كِبراً كما ذكر الله عز وجل فهم لم يمنعهم عدم وضوح البينة ولم يمنعهم أن هذا الكتاب لم يطابق ما جاء بالإشارات في كتبهم لا والله بل كل الإشارات لا يمكن أن تنطبق إلا على رسول الله وإلا على هذا القرآن.
د. الربيعة: كأن هذه الآية تحذير من الله لنا ونحن نقرأ هذا القرآن أن نتصف بهذه الصفة تأتينا البينة الواضحة ثم نتفرق ونترك دين الله. إنما يذكره الله عز وجل ليخبرنا عنهم لنحذرهم ونحذر وصفهم. تأمل قوله بعد ذلك (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ)
د. الخضيري: هذا تعجيب، بمعنى أيها المنحرفون عن اتباع رسول الله يا من تلكأتم عن الاستجابة لدعوته وقد ثبت إليكم بالدليل الصادق أنه رسول آيات واضحة تدل على أنه رسول وقد تحديتم به أنكم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله فدلّ على أنه كلام الله، ما الذي دعاكم إلى أن تكذبوه علماً بأنكم لو رجعت إلى الأوامر الموجودة في كتاب الله لوجدتم أنها هي التي جاءت بها الأنبياء يعني ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس تعالوا واعبدوني أو اعبدوا إلهاً غير الله سبحانه وتعالى حتى يكون لكم سبيل في تكذيب رسول الله. رسول الله ما جاء إلا ليقول لكم اعبدوا الله مخلصين له الدين، أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، وهذا هو الدين الذي جاءت به الأنبياء إذن ما هو الملحظ؟ على ماذا كذبتم؟
د. الربيعة: نستطيع أن نأخذ من الكلام دليلاً على أن كتب الله كلها متفقة في الدعوة إلى التوحيد وما تضمنته اليوم من الإنجيل وغيره للدعوة إلى التثليث فإنما هو محرّف وباطل
د. الخضيري: ولذلك نحن نقول إن أصل الدين واحد وعلينا أن نتأكد منه ونتثبت من عمل ذلك وهو إخلاص الدين لله وأن لا نعبد الله إلآ بما شرعه عن رسول الله وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة هذا هو الدنيا التي جاء بها الأنبياء من فعل هذه الأشياء فقد أقام الدين وقد وحد الله رب العالمين وقد استقام على المحجة التي جاء رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وجاءت بها الأمم السابقة. ونلاحظ هنا أنه لم يقل (مخلصين له اليوم ويصلون ويزكون) ولم يأتي بها الأمم السابقة . ولم يقل مخلصين له الدين ثم قال مصلون ومزكون وإنما قال (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ (5) البينة)
د. الربيعة: الوصف الأول قال (حنفاء) فما معنى حنفاء؟
د. الخضيري: الحنيف يقول العلماء الذي مال عن الشرك
د. الربيعة: ولذلك وصف الله تعالى نبيه حينما كان قومه يعبدون غير الله عز وجل كان حنف عنهم ومال إلى التوحيد وهذا يدلنا على أن الإنسان في هذه الحياة ينبغي أن يميل عن الطرق المنحرفة ويبحث عن الحق فإن أمامه طرقاً تستهويه. ختام الآية في قوله (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
د. الخضيري: يعني ذلك الدين المستقيم بأصحابه فمن سلكه فهو واصل إلى الله.
د. الربيعة: كما قال الله عز وجل (دِينًا قِيَمًا (161) الأنعام) وهذا في الحقيقة يجعلنا أن نقول أن ديننا دين القيم، ديناً قيماً في بنائه ونظامه وهو دين القيم الذي يبني في أنفسنا القيم، دين الأخلاق دين المبادئ السامية دين المعالم تلتي تبني كمال البشرية إذا أراد الإنسان الكمال في هذه الحياة. ما أعظم هذا الوصف العظيم لهذا الدين القيم!
د. الخضيري: لعلنا نتوقف مع قول الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7))
د. الربيعة: بعد أن بين الله هذا البيان رسم الطريق
د. الخضيري: رسم الطريق وبيّن أصناف الناس وموقفهم من هذا الكتاب. لا يمكن أحد يقول أنا وسط لست مع هؤلاء ولست مع هؤلاء نقول لا، إما أن تكون من خير البرية وإما أن تكون من شر البرية ليس هناك طريق بين هذين الطريقين (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ (37) المدثر) فإما تتقدم فتعمل وإما أن تتأخر فتهلك نسأل الله العافية والسلامة. وهذه موعظة لي ولكم هل نحن مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكون من خير البرية أو مع من تخلوا عن العمل الصالح وهو شر البرية؟
د. الربيعة: وتأملوا كيف عبر الله تعالى عن الكافرين بشر البرية وعبّر عن المؤمنين بخير البرية. والله إنه لوصف يدعو الإنسان أن يتبصر فيحض نفسه على أن يكون مع خير البرية. هذه البرية التي براها الله عز وجل كل البرية خيرها هم المؤمنون وشرّها هم الكافرون بالله عز وجل.
د. الخضيري: وبهذا نعلم أن هذين الفريقين لا يمكن أن يجتمعا وأن هاتين الفئتين لا يمكن أن يجمع بينهما بعض الناس يعمل خلطاً يريد أن يجعل المسلم والنصراني والبوذي واليهودي والملحد شيء واحد فيما يسمونه الدعوة لوحدة الأديان دعونا نكون واضحين ونعلم أن الطريق واحد، الموصل إلى الله واحد كما قال الله عز وجل (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (153) الأنعام) هناك سبل كثيرة لو اتبعناها، لو أطعناها لو طاوعنا أصحابنا عندما يدعوننا إليه والله لتصدننا عن سبيل الله.
د. الربيعة: كيف يتفقان ويجتمعان وهذا في أسمى مكانة وهو طريق المؤمنين وذلك في أسفل مكان! لعلنا نختم السورة بخير ختام، يقول الله عز وجل في جزاء المؤمنين (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ )
د. الخضيري: استوقفتني قوله (عِندَ رَبِّهِمْ) بدأ بالصاحب والجار قبل الدار (عند ربهم) أولاً ما ذكر الجنة وهذا يدلنا على أن الإنسان يختار الجار قبل الدار ويحرص عليه لأنه هو الذي تقوم به السعادة الحقيقية.
د. الربيعة: الجار الحقيقي هو جار الدين والخير والصلاح تصاحبه في دنياك ليعينك على طاعة الله عز وجل.
د. الخضيري: ويستوقفني في الختام قوله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) أي ذلك الجزاء العظيم الرفيع العالي لا يكون ولا يتحقق إلا لمن خشي الله سبحانه وتعالى أي خاف منه الخوف الذي يليق به. والفرق بين الخشية والخوف كما يقول العلماء أن الخشية خوف برفق وأما الخوف فإنه يكون اضطراباً وقلقاً فالمؤمنون الذي يخشون الله يخافونه وهم يعلمون ذلك ونحن يجب علينا أن نخشى الله بل نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقسم لنا من خشيته ما يحول به بيننا وبين معصيته.
د. الربيعة: وقد قال الله عز وجل (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) مما يؤكد هذه الآية في عظم أمر الخشية (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ (40) النازعات) (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) فما أعظم هذا الوصف يتصف به المسلم! خير ختام يقول الله قبل هذه الجملة (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) والله إن هذا لوصف عظيم إذا استحضره المسلم يرجو رضى الله وهو راض عن الله عز وجل. هذه السورة إخواني سورة نتبين فيها هذا الدين البيّن لنكون من أهله ونكون من هذا الدين القيم فنكون على أقوم طريق نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا على الطريق السوي البيّن ولنا لقاء معكم بإذن الله في جلسة قادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:14
الحلقة 13
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد فهذا هو المجلس الحادي عشر من برنامج أضواء المقاطع واليوم نتحدث في الجزء الحادي عشر في سورة يونس الآية 61، قال الله عز وجل (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)) هذه الآيات تحيي في نفوس المؤمنين مراقبة الله سبحانه وتعالى وتُعلِمنا بأن الله سبحانه وتعالى مطلع علينا لا يخفى عليه شيء من أمرنا كما قال سبحانه وتعالى (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59) الأنعام) فالمؤمن عندما يقرأ هذه الآية يمتلئ قلبه من مهابة ربه ومن خشيته ومن علمه باطلاع الله عليه في كل أحواله، لا يعزب عن ربنا سبحانه وتعالى مثقال ذرة مما نعمل ولا مما نقول ولا مما نُضمر ولا مما نجهر به. يقول جل وعلا (وَمَا تَكُونُ) أي يا محمد وإن كانت صورة الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا إنها عامة في حق كل أحد، (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أي شأن كان، شأن في بيتك، شأن مع الناس، شأن في الليل شأن في النهار شأن يخص شأن يعم الناس، إلى آخر ما هنالك (وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ) أي ما تتلوه من هذا الكتاب من قرآن أي من آية أو جملة أو كلمة. (وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) ما تعملون من عمل ولاحظوا كيف تأتي المبالغة في هذه الآية بالاتيان بكلمة (من) فإن (من) هنا إنما يؤتى بها لللمبالغة في العموم أي تعم جميع الأشياء، ما تعملون من عمل أيّ عمل كان صغيراً كان أو كبيراً قليلاً كان أو كثيراً يُرى عند الناس أو يكون سراً في الظلام أو تحت الشمس. (إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) يعني إذ تعملون ذلك الشيء وتقومون به وتأخذون في صنعه والقيام به. (إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا) أي نحن مطلعون، عالمون لا يخفى عنا شيء ولا يعزب عنا مثقال ذرة. وقال الله عز وجل (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ) لاحظوا كيف تأتي (من) مرة ثانية وثالثة للإستغراق في العموم والدلالة على أن أيّ مثقال مهما كان قليلاً فإنه داخل في هذا العموم. (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ) ومثقال الذرة شيء لا يكاد يرى بالعين المجردة ومع ذلك ربنا سبحانه وتعالى يبين لنا أن هذا لا يعزب أي لا يغيب ولا يخفى عن الله سبحانه وتعالى ولا عن علمه ولا أيضاً عن كتابته. فكل ما يكون في هذا الكون من حركات وسكنات سواء كان لبني الإسنان أو كان للجان أو كان للثقلين أو غير الثقلين من دواب الأرض ومن الطيور وغيرها إلا والله سبحانه وتعالى يعلم أحوالها وقد دوّن ذلك في كتاب وإن ذلك على الله يسير. قال (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) سواء كان ذلك في الأرض أو كان في السماء (وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ) ما هو أصغر من الذرة وما هو أكبر منها كله في كتاب مبين ومعلوم أن الكتابة هي مرحلة من مراحل الإيمان بالقدر. فالإيمان بالقدر إيمان بعلم الله عز وجل الواسع الشامل وسع كل شيء رحمة وعلماً ثم الإيمان بكتابته لهذا العلم فالله عز وجل لما خلق القلم قال له اكتب فكتب ما هو كائن وكان ذلك قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة ثم بعد ذلك المشيئة مشيئة الله للأشياء ثم خلقه لها وإيجاده لها بعد العلم والكتابة والمشيئة فهذه مراتب الإيمان بالقدر لا بد على المسلم أن يؤمن بها وأن يعلم أن كل ما كان وكل ما يكون من أعمالنا وأحوالنا وأعمال غيرنا من الإنس والجن ومن في السماء حتى حركة الدواب كل ذلك قد دون وسجل ولا يخفى على الله منه شيء.وإذا كان هذا المخاطب به هو ما يتصل ببني الإنسان أو المكلفين الذين أُنزل عليهم القرآن فإن الله عز وجل قد بيّن في آيات أخرى أن حركات حتى الحيوانات محسوبة ومقدرة ومكتوبة ومقدرة (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام) فإذا كان هذا في غير المكلفين فما بالكم بغير المكلفين؟! وبهذا نعلم أن مجالسنا هذه وأن هذا الجهد وهذه الخطوات التي نخطوها لبيوت الله عز وجل كلها مكتوبة وكلها محسوبة ولا شيء يخفى على الله عز وجل منها. قال الله جل وعلا (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) يبين الله سبحانه وتعالى أن أولياءه لا خوف عليهم ولا يحزنون وهؤلاء أضيفوا إلى الله جل وعلا إضافة تشريف وتكريم وهم القريبون من الله الذين عبدوا الله حقاً وقد جاء تفسيرهم في الآية التي تليها بقوله (الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) فهؤلاء هم أولياء الله ولذلك لا ينبغي أن يختلف في تفسير الولي لأنه قد جاء تفسيره في القرآن العظيم فهذا مما جاء البيان في القرآن بتبيانه وكشفه فلا حاجة لنا لمعرفة ما يقال في غير القرآن. ولي الله هو الذي آمن واتقى الله ولذلك ليس الولي هو الذي تجري على يده المعجزة أو الخارقة أو الكرامة ولكن الولي الذي يؤمن ويتقي ولذلك قال الإمام الشافعي إذا رأيت الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء لا يغرنّك حتى ترى إلى عمله أيوافق الكتاب والسنة أو يخالفهما؟ فنحن لا نعرف الناس بالكرامات ولا نعرف الأولياء بخوارق العادات وإنما نعرفهم بإيمانهم وتقواهم لله عز وجل فإذا كان متخلفاً عن أداء الواجبات ومتهاوناً في أداء المفروضات ومتعدياً لحدود الله منتهكاً لحرماته فلا والله لا يمكن أن يكون ولياً لله حتى وإن تمخرق على الناس وجاء بالعجائب. فالله عز وجل بيّن لنا حالهم هنا وقد جمع وصفين (الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) فالإيمان وصف دائم ثابت لهم والتقوى وصف أيضاً من أوصافهم العظيمة وحقيقة التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه كما قال الشاعر:
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
هذه هي حقيقة التقوى فسّرها بعض السلف بتفسير التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله. وعلى كل الأحوال فتفسير العلماء للقتوى يدور حول هذا التفسير. هؤلاء الأولياء قال الله عز وجل (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) لهم البشارة والبشارة هي ما يقدم للإنسان قبل حصوله على الجائزة فيبشر ويُسر بسماع الخبر السار أبشِ{ برضوان الله وأبشر برحمة الله. (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) يقول العلماء إن هذه البشرى تكون بالرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو تُرى له وهذا بحمد الله كثير فإن كثيراً من الصالحين يُرى ما أعد الله عز وجل له من المنزلة والكرامة سواء يرونه بأنفسهم أو يراه غيرهم لهم وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن النبوة ذهبت وبقيت المبشرات، قيل وما المبشرات يا رسول الله؟ قال الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له. هذا واحد من المبشرات والثاني هي تلك البرشى التي ينالها أو يسمعها أو يحصل عليها المؤمن عندما يكون في اللحظات الأخرى من حياته كما قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (31) فصلت) فالمؤمن إذا كان في حالة الاحتضار تأتيه الملائكة وتبشره وتقول له أبشر بما يسرّك عند الله فالملائكة تبشر وبذلك يُسر المؤمن ويُرى المؤمن في كثير من الأحوال ضاحكاً مسروراً مبتهجاً هذا السرور لأنه رأى ملائكة بيض الثياب فيهم من الدلالات والعلامات ما يسر المؤمن كما ورد في حديث البراء بن عازب إن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب فقالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء وهذا في حديث طويل رواه الإمام أحمد وأبو داوود والنسائي وغيرهم. قال الله عز وجل (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) لهم البشر في الآخرة بدخولهم الجنة فهم إذا خرجوا من الصراط جاءت الملائكة تبشرهم تتلقاهم الملائكة وتبشرهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون تبشرهم بالجنة فيسروا وتقر عينهم. وايضاً تكون لهم البشرة بعد دفنهم فإنهم يأتيهم من يأتيهم في قبورهم فيبشرهم بجنة الله عز وجل حتى إنه يفتح لكل واحد من المؤمنين باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وريحانها فيقول يا رب أقم الساعة يا رب أقم الساعة لما يعلم أن ما ينتظره خير مما هو فيه. قال الله عز وجل (لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) أي ذلك وعد من الله حتماً سيقع والله لا يخلف الميعاد والله لا يغيّر ما وعد به عباده فعل المسلم أن يطمئن وأن يعلم أن هذا الوعد من الله لا تغيير فيه ولا تبديل. قال الله عز وجل (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الفوز الذي فازه هؤلاء والخير الذي حصّله هؤلاء الأولياء جعلني الله وإياكم منهم هو الفوز الذي يجب أن يتنافس الناس فيه وهو أعظم الفوز أن ينالوا هذا الرضوان وأن ينالوا هذه المبشرات في الدنيا والآخرة. أسأل الله بمنّه وكرمه أن يجعلني وإياكم من أوليائه المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:15
الحلقة 12
د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذا المجلس هو المجلس الحادي عشر من مجالس هذا البرنامج المبارك لنحيا بالقرآن وهذا البرنامج نحاول أن نأخذ بعض الهدايات العملية من الآيات القرآنية التي نتلوها بتكرار واستمرار ونحفظها وتتردد على مسامعنا كثيراً. اليوم معنا سورة القدر هذه السورة العظيمة التي بين الله سبحانه وتعالى فيها منزلة ليلة القدر وأن الله شرّف هذه الليلة بشرف عظيم وأنه أنزل فيها القرآن الكريم فشرُفت هذه الليلة بهذا الشرف العظيم وهو إنزال القرآن. وجعل الله سبحلنه وتعالى هذه الليلة خيراً من ألف شهر يعني أن العمل الصالح فيها بعدل عند الله جل وعلا عمل ألف شهر. وألف شهر عمر إنسان كامل من أمة محمد وزيادة لأنه يتضمن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر فأنت إذا تعبدت لله عز وجل في هذه الليلة وأحسنت العبادة حصّلت أجراً عظيماً وزاداً وافياً وافراً تقدم به على الله عز وجل. وانظروا بأي شيء شرّف الله عز وجل هذه الليلة؟ لقد شرف الله عز وجل هذه الليلة بإنزال القرآن. وهذا يدلنا على أن القرآن شرف وأنه إذا كان في شيء كان شرفاً له. إذا كان في ليلة شرفت تلك الليلة فصارت خيراً من ألف شهر خيراً من ثلاث وثمانين سنة وأربعة اشهر، وإذا كانت في جوف الإنسان فاذا يكون هذا الإنسان؟
د. الربيعة: لا شك أنه عظيم، ويعظم. ولعلنا أيضاً نأخذ من هذا المعنى الجميع أن الله عز وجل اختار لإنزال كتابه ليلة مباركة أن المسلم القارئ للقرآن ينبغي أن يختار لكتاب الله عز وجل في قرآءته أعظم أوقاته وليس فاضل أوقاته بل يختار أصفى أوقاته وهي الليل والفجر ووقت الصفاء وليس وقت الفراغ الذي بعد كدّه وتعبه يقرأ، ولا يؤتيك القرآن ثماره وتجد الأُنس به إلا حينما تقرأه بصفاء وبوقت تفرّغ فهذا من تعظيم القرآن فينبغي أن نعظم وقت القرآن كما عظمه الله عز وجل.
د. الخضيري: ولذلك ذكر الله عز وجل في سورة المزمل (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)) يعني إن قرآءة القرآن بعد قيام الليل إلى الفجر هي أشد مواطئة للقلب وأقوم قيلا يعني هذا القول يكون ظاهراً بيّناً مفيداً للنفس مؤثراً فيها وهذه إشارة في غاية الروع نحن نقول إحرصوا على أن تقرأوا القرآن في أوقات تخلو فيها النفس من جميع مشاغلها، تكون فيها النفس خالية مقبلة لا شيء يشغلها بل وأبعدوا عن أنفسكم المشاغل وأنتم تقرأون القرآن يعني لا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن مثلاً وهو يشاهد التلفاز أو مثلاً يقرأ القرآن وهو بين أولاده يلعبون عنده أو غير ذلك قد يقرأه الإنسان فيؤجر ولكنه يحرم من بركاته وهدايته والفوائد العظيمة التي يحصّلها من قرآءة القرآن.
د. الربيعة: تأمل الله عز وجل قال (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) الإسراء) لماذا خصّ الفجر؟ هذا وقت النزول الإلهي والملائكة وكما قال ابن القيم (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) يشهده الله وملائكته. وقت الفجر مع هذا الفضل لأن وقت شهود الله وملائكته فإنه وقت صفاء ووقت روحانية والحقيقة هذا أمر مجرّب كثير من الإخوة الذين يقولون أن أجعل وردي اليوم بعد صلاة الفجر خاصة إذا أخذ قسطاً من النوم ليلاً فإنه يجد في هذه القرآءة متعة بعد الفجر وقبل الفجر. وقبل الفجر أفضل لمن وفقه الله وأعانه على القيام كمثل أيام رمضان. ايام رمضان أيام فاضلة، أيام صفاء وليالي رمضان أيضاً صافية ونحن في ليالي رمضان نقوم مع الإمام كم يجد الإنسان من متعة ويقرأ ويسمع كلام الله عز وجل خلف إمام قارئ ذا صوت حسن يجد للقرآن طعماً. ولذلك تجد رجوعاً للقرآن في وقت رمضان وتجد حياة في رمضان من المسلمين وتغيراً ما تجده في غيره وغير ذلك من الأوقات التي نشير إليها إشارة في هذه الآية .في السورة بعد ذلك قول الله عز وجل (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) شرف هذه الليلة العظيمة
د. الخضيري: هذه الليلة العظيمة كما قال العلماء هي في رمضان وهي في العشر الأواخر من رمضان وترجى في أوتار العشر أكثر من أشفاعها وقد ذكر العلماء أن أرجى تلك الليالي ليلة السابع والعشرين ومع ذلك هي تتحول كما قال العلماء فقد تكون في ليلة خمس وعشرين وقد تكون في ليلة الثالث والعشرين وقد تكون في ليلة واحد وعشرين أو تسع وعشرين.
د. الربيعة: هل نلمس فضائل لهذه الليلة في تفضيلها؟ م حكمة تفضيلها وتشريفها؟
د. الخضيري: سميت ليلة القدر من وجهين الوجه الأول ليلة القدر بمعنى ليلة الشرف والمنزلة أُنزل فيها القرآن ومن تعبد لله عز وجل فيها وأخلص فيها العبادة وقام فيها الليل كله أو أكثره حصل له الشرف والمنزلة والعظمة بقدر ما حصّل. ويمكن أن تكون أيضاً ليلة القدر من التقدير لأن الله عز وجل يجعل فيها مقادير العام كله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) الدخان) لأن مقادير الله قد كتبت في اللوح المحفوظ هذا التقدير العام الكلي الشامل ثم يأتي التقدير العمري وهو الذي يكون عندما يرسل الملك والإنسان في بطن أمه فيكتب عمره وعمله شقيٌ أو سعيد ثم يأتي التقدير الحولي وهو الذي يكون في ليلة القدر. ففي هذه الليلة تكتب المقادير فتفصل من اللوح المحفوظ كأنها سجلات مستقلة لهذا العبد ثم يأتي من بعد ذاك التقدير اليومي (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) الرحمن) فهذه الليلة ليلة عظيمة
د. الربيعة: ولعلنا نأخذ شرف هذه الليلة من السورة أيضاً، تأمل الأوصاف التي وصفها الله تعالى في هذه السورة في أربع صفات (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) نزول القرآن، فشرفت بنزول القرآن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)) فهي ليلة تتنزل فيها الملائكة والروح فيها بإذن ربهم، فيها نزول أمر الله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) الدخان). والأمر الرابع (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وصفها الله بالسلام. فهذه الأوصاف الأربعة تدل على شرف هذه الليلة العظيمة التي نسأل الله عز وجل أن أن يشرفنا بأن نكون من أهلها والقائمين فيها.
د. الخضيري: ومما ينبغي أن ننبه عليه عندما نتحدث عن هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ومن قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه. وأنا أهيب بنفسي وبإخواني أن يغتنموا هذه الفرصة وهي فرصة ليلة القدر في أن يجتهدوا في العبادة فيها وهي من رحمة الله بنا هذه الأمة، جعل لنا مثل هذه المواسم التي ندرك فيها ما حصّله السابقون من الأمم من طول الأعمار.
د. الربيعة: وإنمك تجد للأسف الشديد في أوقاتنا الحاضرة في الإجازات إذا توافق رمضان إجازة تلحظ عدم مبالاة كثير من المسلمين من يضيع هذه الليالي الشريفة التي يُرجى أن تكون ليلة القدر خصوصاً أنها ليلة قرب أيام العيد فينشغل الناس بشراء حاجاتهم والخروج إلى الأسواق ووالله هذا حرمان وخشران أن ينشغل الإنسان بأمور دنياه عن أمر عظيم له له به من الأجر سنوات.
د. الخضيري: عندي لفتة أرجو أن يتسع صدركم لها، لما يذكر الله عز وجل ليلة القدر ويقول إنها ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تقدر المقادير ألا يدلنا هذا على أن ربنا سبحانه وتعالى يبين لنا أن الأمور تجري بتقدير ولا تجري سبهللة مع أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن تدور الأمور كما شاء بدون أن تكون هذه المقدمات لكنه سبحانه وتعالى يقدر كل شيء قدره ويعطي لكل شيء حقه فهناك كتابة أزلية كتبت في اللوح المحفوظ كُتب كل شيء يكون في هذا الكون قال الله عز وجل للقلم اُكتب، قال ما أكتب؟ فكتب مقادير كل شيء إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. ثم يأتي من بعد ذلك يأتي التقدير العمري يعني عندما ياذن الله بخلق هذا الإنسان وخلق الروح يكتب أجله وعمله وشقي أو سعيد ثم التقدير الحولي تخطيط خطة عامة للحياة ثم خطط تفصيلية لكل شيء.
د. الربيعة: يدلك على عظمة شرع الله عز وجل ونظام الكون كله
د. الخضيري: فيجب علينا نحن أن نكون منظمين ونخطط لكل شيء.
د. الربيعة: هذا معنى لطيف وجميل أن يكون المسلم حقاً منظماً ومرتباً في كل شؤون حياته.
د. الخضيري: هنا أيضاً لفتة أخرى أتمنى أن نتلمسها من هذا الجانب وهي أن الأعمال عند الله ليست شيئاً واحداً بمعنى أن هناك عملاً يساوي أعمالاً وهناك ليلة تساوي ليالي. وهناك عمل مع كونه أن له أجراً مع فضله لكنه ليس بتلك المنزلة فعليه ينبغي للمسلم أن ينتهز الفرصة ويعلم أن هناك أعمالاً هي أفضل. الأعمال نوعان أعمال فاضلة تساوي أعمالاً كثيرة. وأقول يا إخواني تفقهوا في الأعمال وتفقهوا في مراتب الأعمال. قد تذكر الله بقولك سبحان الله والحمد لله وقد تقرأ آية أو سورة من كتاب الله عز وجل وهذا ذكر وهذا ذكر وكل محبوب من الله ولكل شيء منهما وقته لكن تأكد أيهما أفضل في ذلك الوقت لك أنت. قد يكون الأفضل أن يحمد الله ويسبحه وقد يكون الأفضل لفلان هو أن يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل بما به.
د. الربيعة: وهذا معنى لطيف أشار إليه شيخ الإسلام بعض الناس يفتح له في باب من الخير يجد فيه قلبه ويجد فيه افتقاره لله عز وجل كالصلاة والصيام وهذا من رحمة الله وفضله. نمر سريعاً على الايات البقاية في السورة كما يقول الله عز وجل (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)) الملائكة يتنزلون في تلك الليلة فلماذا؟
د. الخضيري: يتنزلون كما قال العلماء لأنهم يشيعون السلام والأمن ويشهدون مواطن العبادة مع المسلمين. تلك الليلة لا يمرون بقوم من المؤمنين إلا سلموا عليهم وتسليم الملائكة دعاء نسأل الله أن يسلمكم من كل بلاء ومن كل ضر ومن كل فتنة ومن كل عذاب.
د. الربيعة: تأمل ايها المسلم الكريم وأنت تذهب إلى بيت الله عز وجل تصلي في تلك الليالي الفاضلة وأنت تصوم وأنت تذكر الله وأنت تتصدق الملائكة تحفك تسلم عليك وتستغفر لك.
د. الخضيري: بل الآن أن بعض المسلمين عندما يذهب للصلاة تجده ينظر متى يأتي الإمام؟ تأخر الإمام دقيقة أو دقيتين، هذا والله من الشيطان! لماذا نستبطيء جلوسنا في المساجد مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال كلمة عظيمة جداً لو علم بها من يأتون إلى المساجد ويستعجلون لما فعلوا الذي يفعلون. قال عليه الصلاة والسلام: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يُحدث. إذن لماذا لا تستكثر من دعاء الملائكة وهم يدعون لك ما دمت تنتظر الصلاة؟! بل يقول النبي صلى الله عليه وسلم " وما يزال الرجل في صلاة ما دام ينتظر الصلاة"
د. الربيعة: معنى لطيف قد نلمسه في قول الله عز وجل (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4)) مما يدلك على أن جبريل العظيم الذي هو أمين الوحي يتنزل في تلك الليلة ولعل هذا دليل والله تعالى أعلم أن جبريل لا يتنزل إلا لأمر عظيم لما كانت تلك الليلة عظيمة كان نزول جبريل مع الملائكة وإلا فالملائكة تنزل في الليل والنهار فهذا يدلنا على أن خيار الملائكة تنزل تلك الليلة العظيمة لتعيش مع خيار عباد الله في صلاتهم وعبادتهم وذكرهم لله عز وجل نسأل الله أن يجعلنا منهم.
د. الخضيري: هذا يدلنا على أن الملائكة معنا وأننا يجب أن نحب هؤلاء الملائكة وأن نعترف لهم بالفضل فهم يدعون لنا وهم يسلمون علينا وهم يشهدون مجالسنا الطيبة وهم يتعاقبون علينا ويحفظوننا كما ذكر الله عز وجل في سورة الرعد (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ (11)). إذن نأخذ من هذ السورة محبة الملائكة بل والاستكثار بهم، كيف تستكثر بهم؟ عندما تشعر أيها المؤمن أنك ضعيف وأن الأعداء قد هيمنوا عليك وأنهم قد أحاطوا بك من كل جانب أو أن أعداء الإسلام أو من يناوؤنك ويعادونك قد آذوك تذكر أن ملائكة الله الذين لا يحصي عددهم إلا الله معك.
د. الربيعة: بل يأنس الإنسان بهم إذا رأى قلة المؤمنين وقلة الطائعين وقلة المصلّين فيأنس أن هنالك ملائكة تحضر الصلوات وتحضر مجالس الذكر
د. الخضيري: وتؤيد المؤمنين وتمدهم وتكون معهم وهذه سلوى للمؤمن. أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بكلامك وأن يجعلنا من الصالحين من عباده نسال الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأصلي واسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:17
الحلقة العاشرة
د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في برنامجكم لنحيا بالقرآن هذا هو المجلس التاسع من مجالسنا مع سور قصار المفصل. وفي هذه السور نحن لا نرمي إلى بيان معاني الآيات ولا نثير في تفسيرها وإنما نذهب إلى مواطن العمل والهداية ونأخذ منها ما نظن أنه سهل ميسور عليكم حتى نعمل به في حياتنا. ولنضرب مثالاً في ذلك سورة العلق التي هي تحفيز على طلب العلم وعلى الهداية بالعلم وتعلم الخط والكتاب وأن الله سبحانه وتعالى امتن علينا بهما وجعلنا نتعلم من خلالهما. هذا المعنى المقصود في السورة ظاهر فيها حيث افتتحت الآيات الخمس الأولى بذلك (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) ثم قال الله بعد ذلك (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7)). فالمقصود أن الآيات الخمس الأولى هي من أول ما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه وهي دلّتنا على هذا المعنى العظيم أنه لا حياة للأمة ولا رقي ولا تقدم ولا نجاة لها إلا بأن تكون أمة قارئة وأمة تكتب وتستفيد من القلم وأن القلم والعلم رفعة للناس من الجهل والانحطاط وأنه سبب لنجاة الناس من الخسران بإذن الله جل وعلا. دعونا نقف مع بعض آيات هذه السورة ونحاول أن نستنبط العبر والدروس العملية من آياتها.
د. الربيعة: أحب أن أبيّن ما ذكرتَه في أول هذه السورة العظيمة ونؤكد أنها أول سورة نزلت مما يدلنا دلالة واضحة على أهميتها وبدؤها بالأمر بالقرآءة للنبي صلى الله عليه وسلم يدلنا على أن الله تعالى أراد لهذه الأمة أن تكون أمة إقرأ أمة العلم لأن العلم هو موضع الصعود والعلو والرفعة فالله سبحانه وتعالى أراد لنا الرفعة بالعلم، أولاً العلم الشرعي علم الله الشرعي وأوامره ونواهيه والعلم الدنيوي حتى في أمور الدنيا يجب أن نكون على علم وبينة لنسبق العالم ونكون ذا شأن فيه
د. الخضيري: حتى نكون أمة قوية وتستغني عن الآخرين، قال الله عز وجل (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (60) الأنفال) والقوة شاملة.
د. الربيعة: أقف مع كلمة (إقرأ) هذه الكلمة العظيمة ذات الدلالات الكثيرة افتتح الله سبحانه وتعالى نزوله بالوحي. وكما نعلم في حديث بدء الوحي أن جبريل عندما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إقرأ فقال النبي ما أنا بقارئ قال فأخذني فشدني حتى بلغ مني الجهد ثم قال لي إقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فشدني حتى بلغ مني الجهد ثم قال إقرأ باسم ربك الذي خلق، هذا التأكيد ثلاث مرات بالأمر على ماذا يدل؟
د. الخضيري: يدل على أهمية ما سيلقى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأمر بالقرآءة
د. الربيعة: وأن هذا الوحي يحتاج إلى قلب يعي هذا الوحي العظيم ويحتاج إلى أن الإنسان ينبغي أن يتحمل عبء الدعوة وعبء هذا الوحي العظيم في تبلغيه والصبر عليه لا شك أنه أمر يحتاج المسلم أن يهتم به غاية الاهتمام.
د. الخضيري: من ذكرك لهذا الحديث العظيم عن نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة في غار حراء يتعبد لله عز وجل فغطه غطاً شديداً حتى بلغ منه الجهد ثلاث مرات، أقول أن هذا فيه فائدة تربوية أن لا نلقي المعلومات على أبنائنا وأطفالنا وتلاميذنا في المدارس جزافاً فجبريل عندما أراد أن يلقي المعلومات على النبي هيأه لذلك ثلاث مرات هذه الثلاث تجعله يستقبل المعلومة بكل حفاوة ولا يمكن أن ينساها. أنت إذا ألقيت عشر معلومات على متعلم يمكن أن يلقي منها سبع ويأخذ ثلاث لكن عندما تعطيه المعلومة بصورة مؤكدة ومحفزة وبعدد من الطريق وبأساليب متنوعة هذا يدعوه إلى أن يحفظ هذه المعلومة ولا ينسى شيئاً منها
د. الربيعة: أنت إذا أردت أن تنبه إبنك وهو غافل ربما تشده لينتبه، أساليب التنبيه كثيرة وفي هذا العصر تعددت أساليب التنبيه والتعليم والتوجيه مما ينبغي أن نأخذ منها ونستفيد بها. تأملت في أول آية افتتح الله كتابه وفي آخر آية نزولاً وهي آية الدين. فأول ما ابتدأ الله عز وجل نزول هذا الوحي كلمة (إقرأ) للنبي صلى الله عليه وسلم ثم بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ومن يؤمن من الناس بالقرآءة فيعلمهم القرآءة قرآءة هذا القرآن الكريم أولاً. في آخر ما نزل آية الدين التي فيها الأمر بالكتاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ (282) البقرة) تكررت كلمة كتب في الآية كثيراً وهذا التكرار ليس إلا لحكمة عظيمة وهي لا شك حكمة عظيمة وهي آخر آية وقد وقفت معها متأملاً أنها آخر آية نزلت في أقوال مختلفة لعل هذا من أظهرها وهي آية طويلة لعل هذا إرشاد من الله لنا بعد أن تلقينا الوحي تلقياً وحفظاً أن نحفظ هذا الدين بكتابة والتدوين كأن هذا أمر من الله تعالى أن تعلم الكتابة لندوّن الشريعة بعد قبض النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي فانظر كيف أن الله عز وجل عنى بهذه الأمة في حفظ هذا الوحي نتلقاه وحفظه أن نكتبه ونحفظه، ملحظ ينبغي أن نتنبه له ونحن نقرأ هذه السورة وتلك الآية الكريمة.
د. الخضيري: أنت الآن انتقلت إلى معنى آخر في الايات وهو تدوين العلم وحفظه وهذا أمر قصّر فيه المسلمون في الأزمنة المتأخرة وقد بالغ المسلمون في العناية به في الأزمنة المتقدمة وكان أحد أسرار انتصارهم وعزهم وهيمنتهم واتساع علومهم أما نحن الآن نسمع كثيراً في التلفاز والراديو والأشرطة ونقرأ في الكتاب ولكننا لا ندوّن بل ولا ندون معلوماتنا وتجاربنا التي استفدناها في حياتنا وهذا لا شك أثّر علينا فكثير من التجارب ومن العلوم وكثير من الأشياء ذابت وذهبت وانذثرت بل حتى تزول عن الإنسان نفسه فقد يكون حصل على معلومة في وقت من الأوقات ثم بعد خمس أو عشر سنين نسيها لأنه لم يدونها ولم يحتفظ بها فأنا اقول هذا تنبيه لنا جميعاً أن ننتبه للقلم ولذلك قال الله عز وجل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) وكأنها بشارة لمن يكتب بالقلم أن الله سبحانه وتعالى سيعلمه علماً لم يكن عنده إذا أمسك القلم وبدأ يدون ملاحظاته ويفتح الله عليه.
د. الربيعة: والدليل في قوله تعالى في آخر آية الدين (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) قال بعض المفسرين اتقوا الله بتعلّم الكتابة فيعلمك الله تعالى ويفتح عليكم كما فتح الله لهذه الأمة من العلوم الشيء الكثير. خاطرة أخيرة حول ابتداء الله تعالى بإقرأ أنه ينبغي أن نتعلم القرآءة قرآءة كتاب الله عز وجل فينبغي أن يكون لنا ورد يومي بقراءة كتاب الله عز وجل لتحيا به قلوبنا ونحن نتحدث عن الحياة بالقرآن فوالله الإنسان الذي له ورد يومي يقرأ كتاب الله تعالى قراءى متدبرة سيجد فيها سعادة واطمئنان في الحياة. الأمر الثاني أن يكون لنا شأن في القرآءة عموماً في علوم الشريعة بل قرآءة علوم الدنيا لنتعلم بها ونتبصر ونكتفي بها عن غيرنا ومن المؤسف لو رأينا واقع أمة الإسلام في أمر القرآءة لوجدناه مؤسفاً بينما تجد الغرب من أساسيات حياتهم القرآءة والكتابة.
د. الخضيري: لا تكاد تجد إنساناً في عمله أو في مؤسسته أو في حياته الشخصية إلا وهو يجون ملحوظاته في مذكرات ويكتب كل ما يمر به في حياته من أمور وتجارب تاريخية علمية أدبية ولذلك تتجمع هذه المعلومات وتصبح كماً كبيراً لأنها بنتف صغيرة.
د. الربيعة: أذكر نوذجاً جميلاً ليكون مثالاً: أحد الإخوة يقول جعلت لإبني ورداً يومياً من أيسر الأمور وهو أن يقرأ صفحة من كتاب الله تلاوة وأن يقرأ صفحة من كتاب في كل يوم وجعلت الأمر منافسة بين أولادي وتخفيزاً لهم بجائزة، انظر كيف يتعلم الطفل القرآءة والكتابة خطوة خطوة ليكون ذا معرفة وإدراك تتفتح له أمور الخير ويحمي نفسه من هذه الأفكار التي تأتي من هنا وهناك. لو تجاوزنا في هذه السورة (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) هل هناك سر أنه بدأ بالقرآءة ثم ذكر بعده الخلق؟ ما سر تقديم القرآءة؟ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾) مما يدلك فيما يظهر أن أمر العلم منّة الله عز وجل على الإنسان بهذا العلم وأعظم ذلك تعليمه هذا القرآن أعظم من خلقه أليس الله يقول (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) الرحمن) فلا شك أن منّة الله تعالى علينا بتعليمنا هذا القرآن وهذا الوحي أعظم من هذا الخلق لأن الخلق يشترك معنا فيه سائر الخلق لكن هذه المنة العظيمة منة الهداية والوحي خص الله تعالى البشر به.
د. الخضيري: وتأكيداً على هذا الكلام ما جاء في بداية البقرة (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) فبيّن أن العلم هو الذي تميز به آدم عليه الصلاة والسلام على الملائكة وقال العلماء لو كان هناك يتميز به آدم أعظم من العلم لميّزه الله به فكان العلم بذلك أعظم ميزة يتميز بها الإنسان.
د. الربيعة: ولذلك نستطيع أن نقول للشاب والشابة أن شرفك في العلم ليس شرفك في بدنك ولا زينتك ولا نسبك وللأسف نجد كثيراً من الشباب همّه ديكوره، الديكور الذي يخرجه أمام الناس لكن الشرف والعز والرفعة في مقامك بين الناس هو بالعلم ولا شك في ذلك.
د. الخضيري: لذا نحن نؤكد ونقول إعلموا أن العلم هو عزّ الإنسان ومصدر شرفه فعلينا أن نهتم بالعلم بوسائله الكثيرة التي أتيحت لنا في هذا العصر لم تتح لمن كان قبلنا ونحمد الله على توفرها وتيسرها فتستطيع هذا عن طريق الانترنت والصحف والمجلات والقنوات المفيدة والأشرطة والإذاعات.
د. الربيعة: هذه الأمور لم تكن من قبلنا ولذلك انظر قول الله عز وجل في هذه السورة (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) كم علمنا الله تعالى من علوم. نحن ربما نسمي هذا العصر عصر العلم وكم من العلوم انتشرت اليوم وهذا يدل على أن العلوم التي عند الله عز وجل لا منتهى لها.
د. الخضيري: كل ما أوتيه الناس من علم الله عز وجل مثل ما يُدخل أحدنا المخيط أو الإبرة في البحر فلينظر بم ترجع هذه العبرة، يعني هذا هو مقدار علوم كل الناس منذ أن خلقهم الله عز وجل بالنسبة إلى علم الله عز وجل (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) لقمان)
د. الربيعة: وقوله (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) بالنسبة لعلم الله, وهذا يجعلنا نسأل الله عز وجل أن يفتح لنا أبواب العلم وأن يعلمنا ما لم نعلم وأن يرزقنا فهم كتابه والعلم به وهذا ما أوصي به نفسي وإخواني أن يكون دعوة دائمة في ليله ونهاره بهذه الدعوة.
د. الخضيري: اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علماً ينفعنا وفي القرآن (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه) هذه وصية من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ليزيده. وموسى عليه الصلاة والسلام رحل رحلة طويلة لأن الله علمه أن هناك في الأرض من يعلم علماً لا يعلمه موسى مع أنه هو كليم الرحمن وسيد أهل الزمان ومع ذلك أمره الله أن يرحل ليتعلم فالعلم شرف ولذلك نقول لأنفسنا عليكم بالعلم، يقولون العلم من المحبرة إلى المقبرة ينبغي أن يكون هذا برنامج أو ديدناً لنا نأخذه نأخذه على أنفسنا ونعلمه أبناءنا ونحرص عليه فإن شرفنا وعزنا يكون بعد إذن الله عز وجل في تعلمنا وفي حرصنا على العلم. أسأل الله أن يوفقنا لنكون من العلماء الصادقين الصالحين وأن يجعلنا ممن يعملون بعلم وأن ينفعنا بما علمنا ويرزقنا علماً ينفعنا وإلى لقاء قادم مع بقية هذه السورة الكريمة وهي سورة العلق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:18
الحلقة التاسعة
د. الربيعة: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذه الجلسة السابعة من جلسات برنامجكم (لنحيا بالقرآن) نسأل الله تعالى أن يحيي قلوبنا بالقرآن. وهذه الجلسة ستكون مع سورة تنشرح بها الصدور وتأنس بها النفوس إنها سورة الشرح. ويقول الله عز وجل (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿١﴾ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴿٢﴾ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴿٣﴾ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴿٤﴾ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٦﴾ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴿٧﴾ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴿٨﴾) هذه السورة العظيمة هي متممة لسورة الضحى ولذلك تأمل قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) كما قال في سورة الضحى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) فهي متممة لتمام امتنان الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم.
د. الخضيري: إذن ما الفرق بينها وبين سورة الضحى؟
د. الربيعة: يبدو والله أعلم للمتأمل والمتدبر أن الفرق بينها أن سورة الضحى تضمنت امتنان الله عز وجل على نبيه بالنعم الحسية التي فيها اليتم والضلال والفقر وأما هذه السورة فهي في امتنان الله عز وجل على نبيه بالنعم المعنوية بشرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر. فهذه السورة حينما نتأملها نجد أنها في امتنان الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم أولاً وهي أيضاً تظهر للمسلم حينما يقرأها امتنان الله عز وجل عليه ما أتاه من انشراح صدره بهذا الدين (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ (22) الزمر) والله لن يكون للإنسان انشراح صدر تام إلا بهذا الدين. ثم أيضاً امتنان الله عليه بمغفرة ذنبه ورفع ذكره بأن جعله في هذا الدين عزيزاً شريفاً أشرف مخلوق. فما أعظم هذه السورة حينما نتأملها وحينما ننظر إليها من هذا المنظار. لعلنا نأخذ بعض آياتها التي فيها بعض الجوانب التي نعيشها في حياتنا.
د. الخضيري: لعل أول شيء نلاحظه في هذه السورة قول الله عز وجل (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) هذا الاستفهام يسميه العلماء استفهام التقرير يعني هذا تقرير من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول له قد شرحنا لك صدرك ألم نشرح لك بمعنى قد شرحنا لك صدرك، هذه نعمة وكون الرب سبحانه وتعالى قدّمها في هذه السورة تدل أيضاً ولا شك أن من أعظم النعم وأجلّها وأعلاها منزلة هو أن ينشرح صدر الإنسان فقد يكون عند الإنسان قصر وسيارة وزوجة وولد ومال وأشياء كثيرة ولكن صدره ضيق فلا يأنس بشيء من متاع الدنيا. وقد يكون الإنسان على عكس ذلك لا زوجة ولا ولد ولا بيت ولا سيارة وهو فقير وحاله بائسة لكن نفسه منشرحة فهو يعيش نعيم الدنيا ولذتها. ولذلك نقول للمشاهدين تعلموا كيف تشرحون صدوركم بهذا الدين وبهذه النعمة وبهذا الوحي، حتى قال بعض السلف إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. تصور أن الإنسان إذا حافظ على ذكر الله عز وجل اطمأنت نفسه، إذا حافظ على أوراد الصباح والمساء اطمأن قلبه (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد) إذا حافظ على ورده من هذا الكتاب هذا القرآن العظيم تقرأ منه كل يوم ما شاء الله متدبراً ينشرح صدرك، إذا رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً فإنك تنشرح نفسك، إذا علمت أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك إنشرح صدرك. إذن علينا جميعاً أن نسعى لشرح صدورنا وأن نعلم أن شرح الصدور له أسباب وأن من أعظم الإيمان ومن أعظم أسبابه العمل الصالح ومن أعظم أسبابه قراءة القرآن بالتدبر ومن أ‘ظم أسبابه الدعاء، ومن أعظم أسبابه المحافظة على أذكار الصباح والمساء ومن أعظم أسبابه الرضا بالقضاء ترضى بقضاء الله وقدره ينشرح صدرك فمن رضي بقضاء الله وقدره اطمأنت نفسه. ثم لا ننسى الدعاء ادعوا الله أن يشرح صدوركم في صبيح كل يوم قُل رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري مثلما دعا موسى عليه السلام لما كُلِّف بالرسالة قال (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) طه) فنحن ينبغي لنا أن ننتبه لموضوع شرح الصدر.
د. الربيعة: وهناك نقطة مهمة هي أن المسلم حينما يصيبه همّ أو غمّ أو تضيق به أمور الدنيا من قلة العيش فليقرأ هذه الآية (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ألم يؤتيك الله هذا الدين نعمة؟ أنت مسلم وأنت مؤمن كفاك أن ينشرح صدرك بهذه النعمة العظيمة حينما فقدت أمور الدنيا.
د. الخضيري: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) يونس). النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يدعو ويستعيذ بالله عز وجل من الهمّ والحزن لأنهما إذا جثما على قلب إنسان ضاقت الدنيا في عينه وتكدر عيشه وأصبحت حياته عذاباً مع العلم أنه قد يكون في سعة من الرزق وقد يكون في رغد من العيش لكن إذا ضاق الصدر لا يمكن أن يُملأ بشيء
د. الربيعة: وأعظم ما يضيق به الصدر حقيقة هو معصية الله عز وجل والغفلة عن ذكر الله فإذا وجد الإنسان ضيقاً فليتهم نفسه (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى)
د. الخضيري: ومن أعظم المصائب ضيق الصدر. إذن إذا أصابك ضيق صدر فاعلم إنه بسبب ذنب أحدثته (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين) ولعل هذا يذكرنا بالآية التي بعدها قال (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿١﴾ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴿٢﴾ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴿٣﴾)
د. الربيعة: انظر كيف قارن الله تعالى بينهما. كأن أعظم ما يشرح الصدر مغفرة الذنوب ومغفرة الذنوب تستوجب العبد تطهر من هذه الذنوب بالاستغفار لكن هذه الآية ابتداء هي امتنان من الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم حينما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
د. الخضيري: كما قال في سورة الفتح (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2))
د. الربيعة: تأمل أيضاً قول الله عز وجل هنا (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴿٢﴾ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴿٣﴾) الحق أن الوزر وأن الآثام وأن المعاصي تزيد الإنسان هماً وتحمله حملاً عظيماً في هذه الحياة كأنه يحمل جبلاً. لكنك في هذه الآية حينما يخاطب الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم فإن الأمر الذي اثقل حمل النبي عليه الصلاة والسلام هو الهمّ همّ المعصية أو همّ الخطأ والأنبياء هم معصومون في شرع الله عز وجل لكن قد يخطئون في همّ الحياة فلا شك أن الإنسان ينبغي إذا وجد الحياة ثقيلة عليه أن يتذكر ذنوبه فيستغفر الله عز وجل.
د. الخضيري: ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول - وهذا حديث عظيم جداً في معناه – يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه" إنهليغانعلىقلبيوإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة" (ليغان) يقول العلماء الغين غشاء رقيق جداً يكون بسبب الغفلة أحياناً أو الانشغال بأسباب الدنيا ومتاعها، " إنهليغانعلىقلبي" يكون هناك غشاء رقيق يهيمن على القلب وإني لأبطل ذلك وأعوضه بالاستغفار "وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة" بل كانوا يعدّون له صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد وهو يقول أستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة.
د. الربيعة: هذا وهو رسول الله الذي قد غُفر له ما تقدم من ذنبه.
د. الخضيري: ولذلك على الإنسان الذي يقول أنا تعبان، أنا مهموم، عندي ضيق، ماذا أصنع؟ نقول له الدواء موجود، استغفر تُب إلى الله، عُد إليه، والله إننا لنقسم على ذلك بالله سبحانه وتعالى ونعلم أننا صادقون لأنه ما (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (30) الشورى)
د. الربيعة: بل إذا ضاقت الأمور على الإنسان كأن يطلب وظيفة فلم يجد، كأن يطلب رزقاً فلم يُفتح له، ولداً فلم يُرزق به، إعلم أن من أعظم مفاتيح الرزق هو الاستغفار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح) فلا شك أن الاستغفار له من الآثار والثمار والخير والنتائج ما لا يحصى من إزالة الهموم ومن سعة الرزق من مغفرة ذنبه ومن انفكاكه من هذا الحِمل الذي أثقله.
د. الخضيري: دعنا نتأمل في حال بعض العصاة من المسلمين تجده ينحرف عن المسجد ويفوّت الصلاة ولا يكاد يشهد الصلاة مع المسلمين إلا من الجمعة إلى الجمعة، ماذا يحصل له؟ أول بلاء يحل عليه هو ضيق الصدر ولذلك يبحث عن منفِّسات فيذهب إلى الدخان وإلى الشيشية وإلى السينما وإلى المخدرات والأفلام الإباحية يريد أن يخرج من همومه ومشاكله وأحزانه، هي حقيقة تخدره لكن يضيع عن عالمه الحزين ثم إذا ذهب مفعولها يعود إليه الضيق وزيادة، فماذا يفعل؟ يعبّ مرة أخرى منها وهكذا يستمر يعالج البلاء ببلاء. لكننا نقول له ليس الطريق من هنا، الطريق من الاستغفار والتوبة كما أوحت به الآيات (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿١﴾ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴿٢﴾ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴿٣﴾)
د. الربيعة: لعلنا نأخذ آية أخرى في هذه السورة.
د. الخضيري: قول الله عز وجل (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)). نحن اتفقنا أننا لن نقف عند كل آية وإنما سنأخذ بعض الآيات ونقول لهم هذه هي الطريقة العملية لنحيا بالقرآن من خلال هذه الآيات. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) ربنا سبحانه وتعالى يبين لنا أن كل عسر يحل بنا فإن معه يسر ولذلك يؤكد هذا المعنى في الاية مرتين فيقول (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) يعني إذا أصابك العسر يا عبد الله فاعلم أن الله كتب معه اليسر وأنزل معه اليسر فلا تحزن ولا تيأس ولا تقنط من رحمة الله عز وجل. إنتبه لهذا يا عبد الله ولا تيأس من روح الله وإذا اشتدت عليك أزمة وكُربت فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد جاء بالفرج فلا تستعجل. ولذلك ذكر ابن عباس شيئاً عجيباً في هذه الآية فقال: لن يغلب عسرٌ يسرين. كيف ذلك؟ في هاتين الآيتين ذُكر العسر واليسر مرتين ومع ذلك العلماء يقولون إن العسر المذكور هنا هو واحد واليُسر اثنين، كيف ذلك؟ يقول العلماء - وهذه لفتة لغوية - إن المعرفة إذا كُررت في الكلام فهي شيء واحد كما لو قلت جاء الرجل، ذهب الرجل، رأيت الرجل، فهذا رجل واحد مهما كررته في الكلام لأنه معرفة أما لو كان نكرة فإنك إذا كررته في الكلام فإنه يتعدد. لو قلت جاء رجل ورأيت رجل ومررت برجل، هؤلاء ثلاثة، تأملوا في الآية أن العسر جاء معرفة فهمها تكرر فهو واحد واليسر جاء نكرة (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) فإنه إذا تكرر تعدد إذن لن يغلب عسرٌ يسرين.
د. الربيعة: والآية فيها سر ولطيفة عظيمة هي أولاً وعد من الله عز وجل ثم إنه تكرار وإعادة وتأكيد والتأكيد يدل على تحقق لتستيقن أيها المؤمن أنه إذا أصابك العسر فاعلم أنه سيكون بعده اليسر.
د. الخضيري: قصة يوسف عليه السلام هي أعظم ما يتسلى به المؤمن. يوسف عليه السلام اعتدى عليه إخوانه، ألقوه في الجُب، بيع، صار خادماً، اعتدت عليه امرأة العزيز، سُجِن وهو مظلوم ثم خرج من أقبية السجون إلى عروش الملك صار يدبر أمر مصر كلها، سبحان الله! أليس بعد العسر يسرا؟
د. الربيعة: وهذا يتجلى ظاهراً في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ألم يكن في بداية حياته في شدة وأوذي حتى وضع الجزور على رأسه وهو ساجد.
د. الخضيري: وحُبس في الشعب ثلاث سنين لا يكاد يدخل إليه من الطعام إلا خلسة وخفية.
د. الربيعة: وطرده أهل الطائف وأذوه حتى أدموه
د. الخضيري: أدموا عقبيه. وطرده قومه حتى هاجر عليه الصلاة والسلام، هذا شيء لا يوصف من العسر ولذلك أشد الناس بلاء الأنبياء. ثم حصل ذلك اليسر ففتح الله عليه وولاه على المدينة وجيّش الجيوش وما مات عليه الصلاة والسلام حتى أذعنت جزيرة العرب وبدأ عليه الصلاة والسلام يخاطب ملوك الشرق والغرب.
د. الربيعة: حقاً من صبر ظفر.
د. الخضيري: ولنعلم أن كل عسر ينزل بنا فإن معه اليسر فلنصبر ولنحتسب ولنترقب الفرج.
د. الربيعة: هل يمكن أن نضرب نماذج في واقع الحياة الاجتماعية التي يذوق فيها الإنسان عسرا؟
د. الخضيري: اضرب مثالاً وهو أن الإنسان إذا مر امتحان فلا يظن أن هذا نهاية المطاف وليترقب الفرج. وأذكر أحد مشايخنا كان يقول كان هناك طالب ضعيف في دراسته ووصل إلى الثالث ثانوي فرسب في السنة الأولى فأصابه شيء من اليأس ففكر في ترك الدراسة فرأى نملة تمشي بجواره وتريد أن تصعد الجدار صعدت صعدت ثم سقطت فرآها مرة ثانية فصعدت مرة أخرى ثم سقطت فصعدة مرة ثالثة ورابعة وخامسة والعاشرة والإحدى عشر، في الحادية عشر صعدت وانطلقت وأكملت طريقها. فقال والله والله والله لأكملن الدراسة حتى لو بقيت مثل ما بقيت هذه النملة وبقي في الثالث ثانوي 11 سنة يعيدها في كل مرة ثم نجح.
د. الربيعة: لو أخذنا آية أخرى في هذه السورة. في ختامها يقول الله عز وجل (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)) والله إن الإنسان وهو يقرأ هذه السورة ليقف مع هذه الآية. فإذا فرغت من ماذا؟ لم يذكر مفعولاً هنا يعني فإذا فرغت من أمور الدنيا فانصب في أمور الآخرة وإذا فرغت من أمور الآخرة فانصب في أمور الدنيا. لكن السورة هنا مختومة بأول السورة التي فيها امتنان من الله عز وجل بأنه عليك أن تنصب لربك عبادة وذكراً وشكراً لله عز وجل والإنسان ليس في كل حاله فارغاً بل هو في نصب حتى لو كان في إجازات الصيف وفي مثل فرص من فرض الحياة عليه أن يعلم أنه ينصب في أموره ويجدد حياته مع الله ويعلم أن هذه فرصة من الفرص التي يجدد فيها طاقته وحياته. الحقيقة أن الفراغ حينما يجعله الإنسان من نيته فيه وقصده أن يجدد فيه طاقته فإنه يجد فيه متعة لكن حينما يخرج هنا وهناك هكذا بلا هدف فإنه يرجع وهو يشعر بالملل والتعب. وهذا كثير من الناس يشكون منه يقولون نذهب ونستمتع ثم نرجع ونشعر بالملل أقول جربوا إذا خرجتم في متعة أو سفر فاجعلوه سبيلاً وسبباً يجدد لكم طاقتكم في عبادة الله عز وجل. (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)) لعلنا نختم هذه السورة العظيمة وبها ينشرح الصدر ولا يمل الإنسان من ذكرها نسال الله عز وجل أن يشرح صدورنا بالقرآن وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وإلى لقاء آخر بإذن الله عز وجل.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:19
الحلقة التاسعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا هو المجلس التاسع من برنامج أضواء المقاطع وحديثنا اليوم في الجزء التاسع في سورة الأعراف في الاية 199 يقول الله عز وجل (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)). في هذه الآية يأمرنا الله عز وجل بأن نأخذ العفو وأن نأمر بالعُرف وأن نعرض عن الجاهين وإذا نزغنا من الشيطان نزغ فلنستعيذ بالله إنه سميع عليم. هذه الآيات من الآيات الجامعة في القرآن الكريم الجامعة لمكارم الأخلاق والتي لا يستغني مسلم يريد الحياة الطيبة عن الأخذ بما جاء فيها من وصايا وحكم ربانية. أولها يقول الله جل وعلا (خُذِ الْعَفْوَ) يعني خذ من الناس ما سمحت به أنفسهم واحتمل منهم ما جاؤوا به واقبله منهم وإياك أن تكلفهم ما لا يريدون أن يقدموه وما لا يرضون أن يأتوا به فإن الإنسان إذا امتلأ قلبه بذلك وأخذ من الناس ما جادوا به وما سمحت به أنفسهم فذلك والله خير له. وذلك أطمن لقلبه وأرضى لنفسه وأبعد له عن الشقاق وعن الخلاف وعن الضغينة البغضاء وعن الحسد. يقول العلماء رحمهم الله تعالى خذ العفو أي من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس. وقال هشام بن عروة عن أبيه: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وهذا أمر ينبغي على كل داعية أن ينتبه له، فأنت عندما تقابل الناس وتجالسهم وتخالطهم تجد فيهم الكريم وتجد فيهم البخيل وتجد فيهم اللئيم وتجد فيهم السمح وتجد فيهم الشجاع وتجد فيهم من يقوم بقضاء الحاجات ويغيث الملهوفين وتجد منهم من يشح بذلك فلا يخدم الناس ولا يقضي حوائجهم فإذا أردت أن تعيش معهم سالماً من كل أذى موفور العِرض من غير أن يقع في قلبك شيء من الضيق والضيم والضررفخذ العفو من أخلاقهم فإن الله جبل الناس على أخلاق كثيرة فإذا أردت أن تحاسبهم على ذلك وأن تأخذ في نفسك عليهم آذاك هذا الأمر أذى شديداً وأتعبك وصرت في معاملتك للناس لن تجد من تأنس به. قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما مثل الناس كإبل المائة لا تكاد فيها واحداً" يعني لا تكاد تجد من يوافقك في أخلاقك وطريقتك إلا واحد في المائة. وهذا والله نجده الآن عندما نكون في المدارس وفي الجامعات وفي الوظائف ترى أناساً كثيرين فلا يوافقك من هؤلاء الناس إلا واحد أو إن أكثرت اثنين. إذن حتى تحيا سالم الصدر معافى من كل ضغينة وشحناء تعامل الناس معاملة بالقسط تطلب ما عند الله عز وجل وتريد وجهه (خُذِ الْعَفْوَ). يقول أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: بقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته لِمَ فعلته ولا لشي لم أفعله لم لم تفعله" وهذا تطبيق عملي لقول الله عز وجل (خُذِ الْعَفْوَ) يعني إياك أن تحمل في صدرك على أحد لأنه لم يوافقك على الأمر الذي تريد وهنا نلاحظ أن كثيراً من الناس تجده يعيش زمانه وهو يشمت بالناس ويسخر منهم ويحاسبهم ويعاتبهم على تقصيرهم في حقه، فلان طلبت منه خدمة فلم يقم بها، فلان أردت منه أن يفعل كذا فلم يفعل، فلان نصحته فلم يمتثل، فلان كانت عنده مناسبة أو وليمة أو عرس أو جمع الناس ولم يطلب مني أن آتي ولم يدعني كما دعا سائر الناس، تجده دائماً يتشكى من الناس الذين لم يقدروه قدره ولم يعرفوا له حقه. نقول (خُذِ الْعَفْوَ) إن دُعيت فأجِب، إن أُحسِن إليك إفرح، إن أُسيء إليك فاقبل واطمئن واعلم أن هذه النفوس بيد الله عز وجل. قال الله جل وعلا (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) لا يعني لك إذا فعلت الذي فعلت أو رأيت الناس على تلك الحال أن لا تأمر بالمعروف مُر بالمعروف ودٌلّ الناس على الخير ليكن قصدك وحظك أن تدل الناس على الله ولا يكن قصدك وحظك أن تأخذ بحقك من الناس. إياك أن تدعو وأنت تريد من الناس أن يحترموك ويقدروك وأن يكرموك وأن يرفعوا منزلتك وأن يقوموا بشأنك ولكن ليكن همك أن تأمرهم بالمعروف وتدلهم على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وهذا أمر عظيم. عندما تكون مع الناس إنسَ نفسك وقم بحق الله عز وجل وإذا قمت بحق الله فإن الله سيسخّر هؤلاء الناس لك يقومون بحقك. إذن مُر بالمعروف قم بالواجب وأد ما أوجبه الله عليك من الأمر بالمعروف والنصح لخلقه والقيام بشؤونهم وإياك أن تنتظر منهم أن يردوا إليك هذا الجميل أو أن يحسنوا إليك بل خذ منهم ما سمحت به أنفسهم وما تفضلت به ولا تلمهم على شيء ادخروه عنك. وأنت قم بما أوجب الله عليك فأُمر بالعرف وإذا أمرت بالعرف ماذا يكون؟ لا بد أن يصلك شيء من الأذى من الخلق ولا بد أن يصيبك شيء من ظلمهم وبغيهموعدوانهم فإن هذه سنة الله عز وجل فيمن يأمرون بالمعروف ولذلك قال (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) فأنت سينالك شيء من جهلهم وعدوانهم فإياك أن تقابل الجهل بجهل مثله. فإذا أمرت إنساناً أن يصلي وقلت له صلِّ يا فلان أو قلت له يا فلان حضرت الصلاة فقم إلى الصلاة فقال إذهب، أُغرب عني، دعني وما أنا فيه، لكم دينكم ولي دين، يا رجعي، يا أصولي، مالك ولي؟ نحن في دولة ديموقراطية، مالك والناس؟ عليك أن يخصك. إياك أن يحملك هذا الكلام من هذا الرجل الذي استفزك بأن ترد عليه بمثل كلامه، أعرض عن الجاهلين. أنت أمرت ولا يأمرك الله عز وجل بشيء أكثر من ذلك. انتبهوا لهذا المعنى العظيم وهذا المعنى الطيب (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ولذلك الداعية الحق عندما يدعو لا يلتفت إلى الوراء ولا يحاسب الناس بل يدعو إلى الله عز وجل ويقابل السيئة بالحسنة (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) فصلت) هذا ما سيكون حقاً وهو أن تقابل جهل الجاهلين بالإحسان منك فإنك سترى أثر ذلك واضحاً عليك وعلى طريقة تعاملهم معك قال (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) كأنه بسبب إحسانك إليه ولي حميم (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) جعلني الله وإياكم منهم.
قال الله عز وجل (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إذا وسوس الشيطان في قلبك وقذف في قلبك شراً وقال لك انظر ماذا يفعل هذا الرجل، ماذا قال هذا الرجل، فلان لم يحترمك وفلان لم يقدرك وفلان لم يستمع إليك، متى نزغ الشيطان بنزغ من عنده فرُدّ كيده بشيء واحد لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً، رُدّه بشيء واحد وهو أن تعتصم بالله وحده وبجنابه الكريم من شر الشيطان الرجيم فتقول أعوذ بالله من شر الشيطان ويرتد على عقبيه. وهذا جاء بعد قوله (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ومناسبة ذلك أتم مناسبة لأن الإنسان في أول الأمر قد يُعرض عن الجاهلين لكن الشيطان يأتي إليك ويقول لك فلان يسخر منك وتتركه؟ فلان يحط من قدرك ولا ترد عن نفسك؟ بل إنه أحياناً يتلبس لبوس الدين غيرة للدين فيقول يؤذيك ويسب دينك ولا تنتصر لدينك؟ إنتصر لدينك وهو يريد أن يغرر بك ويوسوس لك بحجة أنه يريد إكرامك. قال الله عز وجل (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ) إذا جاءت هذه الوساوس إلى قلبك وبدأت ترد على فؤادك فاحذر والجأ إلى الله لردّها فإنك لا تستطيع أن تدافع إبليس. المسيء إليك من بني الإنسان تدفعه بالإحسان (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أما إبليس فلا تنفع معه مداراة عدو حقيقي لدود لا يرضى إلا أن تدخل معه في نار جهنم، هذا الذي يرضيه، إذن ماذا تفعل؟ في هذه الحالة مالك إلا شيء واحد وهو أن تستعيذ بالله وأن تعتصم بجنابه الكريم فتقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فيندحر أو تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم أي الله فيندحر إبليس أو تقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فيندحر إبليس. هذا الذي يجب علينا عندما ينزغ الشيطان في قلوبنا نلجأ إلى الله ونستعيذ بجنابه. وهنا قد يسأل سائل لماذا؟ لأن الشيطان لا يُرى ولا يُعرف مكانه والأعلم بكيده ونزغاته ووساوسه هو الله والأقدر على ردّ ذلك هو الله، إذن اختصر الطريق، تجلس أنت تدافع وتدافع، إلى متى؟ أنت تمل وهو لن يمل وسيبقى لأنه خلق من أجل هذا وأنت لا قدرة لك ولا طاقة بك على المصابرة في هذا الباب إذن إختصر الطريق واتصل بالله الذي خلقك وخلقه وهو أدرى بضعفك وأسمع لدعائك وقل أعوذ بجنابك يا الله من شر هذا الشيطان فيندحر الشيطان ويذهب ولا يصل إليك بإذن الله. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يجعلنا جميعاً ممن يأخذون العفو ويأمرون بالعرف ويعرضون عن الجاهلين وإذا نزغهم من الشيطان نزغ استعاذوا بالله إنه هو السميع العليم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:19
الحلقة الثامنة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا هو المجلس الثامن من برنامج أضواء المقاطع ونحن الآن في الجزء الثامن في سورة الأنعام في الاية 151 يقول الله سبحانه وتعالى (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)) هذه عشر وصايا أوصانا الله سبحانه وتعالى بها هي من أصول هذا الدين وهي قضايا لا يدخلها النسخ لأنها من الحقائق المجمع عيها التي اتفقت عليها الشرائع بها وجاء بها الأنبياء ونزلت بها الكتب ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مبيناً أهمية هذه الوصايا "من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هذه الآيات (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) إلى قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وهي الآيات الثلاث التي ذكرناها. وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتب ثم قرأ الآيات (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) وهذا الحديث كما قال الحاكم صحيح الإسناد. هذه الآيات لو تأملناها لوجدناها جامعة لأصول وحقائق عظيمة جداً تمثل الركن الأساس لقيام هذا الدين ولذلك جعلها الله عز وجل حقائق معدودة وأيضاً محدودة ليسهل فهمها وجمعها من أجل أن يجتمع القلب عليها وأن يراعيها كل إنسان وجاءت في القرآن المكي لأنها من أصول الدين. قال الله جل وعلا (قُلْ) وكل آية افتتحت بـ (قُل) ففيها مزيد عناية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) تجد أن الآيات التي تفتتح بـ (قُل) فيها شيء من العناية ومزيد من الاهتمام. (قُلْ تَعَالَوْاْ) هلمّوا (أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أبيّن لكم الشيء الذي حرمه الله عليكم وحذركم من الوقوع فيه وهذه نستفيد منها أن المحرمات في الإسلام معدودة بخلاف المباحات فإنها غير معدودة ولا محدودة. يعني الأصل في الأشياء النافعة أنها مباحة وحِلٌ لنا (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً (29) البقرة) فكل شيء فيه نفع لنا فالأصل فيه أنه حلال لنا ما لم يرد ما يدل على تحريمه. وهنا قال الله جل وعلا (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) عندما قال (ربكم) عرفنا أن فيها مزيداً من العناية فهذا من تربية الله لنا ومزيد عنايته لنا فالله ما حرمها علينا إلا لشدة ضررها بنا ولأنها لا تليق بنا ولأنها مفسدة لأحوالنا الدنيوية والأخروية. قال الله جل وعلا (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) حرّم علينا أن نشرك به أيّ شرك قليلاً كان أو كثيراً ويدخل في هذا صغير الشرك وكبيره والشرك أن يُجعل مع الله شريك بأي وصرة من الصور أو شكل من الأشكال سواء كان ذلك عن طريق عبادة الصنم أو السجود له وهو أجلى أنواع الشرك أو الطواف بالقبر وسؤال المقبورين المدد والغوث والمغفرة والرحمة والرزق وغير ذلك مما يُسأله بعض المقبورين أو أن يتخذ الإنسان شركاً من نوع (ما شاء الله وشئت) ومن نوع (والأمانة، والنبي) كالحلف بغير الله عز وجل، فكل ذلك من الشرك الذي ينبغي على المسلم أن يتقيه. فأعظم الحرمات عندنا هو جانب الشرك وجانب التوحيد تصفيته وتنقيته هو أجل ما يقوم به الإنسان ولذلك قال الله جل وعلا (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) النساء) إذن إحذر أن تقع في الشرك فإنك إذا سلمت منه سملت من شر عظيم وأنت بإذن الله عز وجل قريب من رحمة الله سبحانه وتعالى. ثم قال (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) بعد أن ذكر حقه في أن لا يُشرك به ذكر حق الوالدين لأنهما سبب وجود الإنسان ولم يذكر حقهما على سبيل أن لا يؤذيهما الإنسان ليس هذا هو المطلوب وليس المطلوب أن لا تعقهما بل المطلوب من كل أحد أن يحسن إلى والديه كما أحسنا إليك (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الإسراء). فأنت تحسن إليهما وتبدأ بفعل ذلك الإحسان قاصداً رضى الله أولاً ثم رضاهما ثانياً واعلم أن رضى الله برضى الوالدين وسخط الله بسخط الوالدين كما ثبت في ذلك الحديث الصحيح. الوصية الثالية (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) لما وصى بالوالدين انتقل بعد ذلك إلى الأولاد وهذا أمر كان شائعاً عند أهل الجاهلية وما يزال إلى اليوم موجوداً كما تسنه الآن نظم وقوانين ودول وتعمل به ولا تجد من ينكر عليهم ففي الصين يقتلون الأولاد بالملايين وكذلك في الهند وفي كوريا وفي الدول الغربية يسن الإجهاض ويشرّع ويؤمر به حتى تستمتع النساء بشهواتهن وخصوصاً الفتيات القاصرات. (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ) لا تقتلوهم خوفاً من الوقوع في الفقر أو لأنكم قد وقعتم في الفقر بالفعل كما هو مقتضى هذه الآية. (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) نحن نرزفكم أنتم أيها الفقراء وإياهم أي وأولادهم فقد يدعو الإنسان فقره إلى أن يقتل ولده فيقال له لا تقتله من فقر فإن الله سبحانه وتعالى يرزقك ايها الفقير ويرزق ولدك وفي سورة الإسراء (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم (31)) أنتم الآن أغنياء ولكن تخافون الفقر على أولادكم نحن نرزقهم أولاً وإياكم. فلما كانوا فقراء قال نرزقكم ولما كانوا يخشون الفقر قال نرزقهم وإياكم. ثم قال (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) الفواحش هي كل الأثام وما يستفحش يعني يتناهى في القبح (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) فالزنا ظاهر والحسد والكبر باطن. (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ) وهي النفس المعصومة لا يحل لامرئ أن يقتل نفساً إلا في حالات ثلاث النفس بالنفس والثيّب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة. (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهذه الأمور لكا كتنت تُدرك بالعقل ذكر العقل هنا. يعني العقل يدل عليها لو لم يأتي بذلك الشرع. وقال الله عز وجل (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي إحذروا من قربان مال اليتيم إلا بالصورة التي هي أحسن أي على وجه ترون أنكم تحسنون به إلى اليتيم (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) يعني حتى يصل إلى المرحلة التي يقدر فيها على حسن التصرف في المال كما قال الله عز وجل (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ (6) النساء). الوصية الثامنة (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فكلما تتكلمون تكلموا به على وجه العدل يعني قولوا قولاً سديداً كما الله عز وجل في سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (71)) عذرنا الله في الكيل والميزان فقال (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وأما في القول فإنه لم يعذرنا لأنن نقدر على ذلك قال (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ) قولوا قولاً عادلاً بلا ظلم ولا شطط. (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) ولو كان الذي تقولون فيه صاحب قربى فإياكم أن تظلموا الناس بسبب قرابة من تتحدثون له أو عنه بل اعدلوا حتى مع قرابتكم لو جاءك إنسان يقول لك ما حال أبيك؟ وقد خطب ابنتي وأنت تعرف أن أباك لا يستحق ذلك فقل الحق فيه (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى). ثم قال الله عز وجل (وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ) إذا عاهدتم عهداً فوفّوا بها ومن ذلك الوفاء بالمواعيد وإذا عقد الإنسان عقداً كعقد النكاح وفّى بما عقد عليه وكذلك ما يكون بيننا وبين أعدائنا.
ثم ختم الله هذه الوصايا بوصية جامعة عظيمة قال (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) إتبعوا هذا الصراط وهو القرآن فإنه الموصل إلى الله عز وجل فإذا اتّبعناه اهتدينا. (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) فإنكم لن تجدوا من وراء القرآن ومن خلاف القرآن إلا سبلاً وهذه السبل كلها توصل إلى النار ولا تهديكم إلى الله عز وجل (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التقوى وأن يجعلنا من المستقيمين على صراطه المتّبعين له إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر زائر
registered since
موضوع: رد: موسعة برامج القران الكريم متعدد الحلقات 06.05.10 15:20
الحلقة السابعة
د. الربيعة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، أيها الأحبة هذا المجلس هو المجلس الثامن من مجالسنا المباركة مع البرنامج الذي نحيا به بإذن الله عز وجل "لنحيا بالقرآن" ومع سورة شريفة هي سورة التين لنقف أولاً قبل أن نقطف ثمارها لنقف معها وقفة مقدمة وتمهيد. هذه السورة حينما يقرأها المسلم فإنها تدعوه وتبيّن له شرفه شرف هذا الإنسان بالدين وأن هذا الإنسان ليس له شرف بغير هذا الدين. هذه السورة الكريمة حينما يقرأها المسلم قراءة متدبرة متمعنة فإنها تُظهر له قيمته بالدين وشرفه ومنزلته وأنه بغير هذا الدين لا يساوي شيئاً.
د. الخضيري: لا يساوي شيئاً بل هو في أسفل سافلين.
د. الربيعة: هو من أشرف المخلوقات بالدين ومن أسفل المخلوقات بغير هذا الدين. لنتأمل في افتتاحيتها ودلالة هذه الافتتاحية على هذا المعنى. يقول الله عز وجل (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴿١﴾ وَطُورِ سِينِينَ ﴿٢﴾ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴿٣﴾ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿٤﴾ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴿٥﴾ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴿٦﴾ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴿٧﴾ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴿٨﴾) أقسم الله تعالى بأربعة أشياء بالتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين، ما علاقة هذه الأربعة بالدين وشرف الإنسان؟ علاقتها هي أن هذه الأمور شرفت بالدين، هذه الثمار (التين والزيتون) وهي إشارة إلى بلد نوح عليه السلام والزيتون بلد عيسى عليه السلام في فلسطين وطور سنين هو الجبل الذي بعث الله عز وجل به موسى أو كلّمه والبلد الأمين هو البلد الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم. انظر كيف شرُفت الأماكن بالدين فكيف بالإنسان الذي خُلق من أجل هذا الدين؟!. فما أعظمنا حينما نتأمل هذه السورة. وقد يسأل سائل فيقول لماذا لم يذكر الشام وفلسطين وقال التين والزيتون؟ في الحقيقة أطلت البحث في هذا لأنه له ملحظ مهم فاطلعت على دراسة أخيرة حديثة حول دراسة يابانية قام فريق بحث علمي من اليابان بدراسة الإنسان فوجدوا كيف أن الإنسان وهو طفل ينمو ثم يهرم، ما الذي يجعله ينمو ثم يهرم مع أنه قد يطعم طعاماً واحداً ويأكل أكلاً واحداً ونوماً واحداً؟ فما الفرق؟ حللوا هذا الإنسان فوجدوه يفرز مادة من صغره هي التي تنمي جسمه وتجعله قوياً فهذه المادة كلما كبر الإنسان ونما هي تزيد معه إلى سن الأربعين إذا بلغ أشده. ثم بعد الأربعين إلى الستين تستوي، ثم بعد الستين تنقص وهو الهرم. فحللوا هذه المادة ووجدوا جزئياتها فما هي المادة؟ فما هي المادة المماثلة لها في النباتات أو الحيوانات؟ درسوا الحيوانات فوجدوا المادة التي في الحيوانات تختلف اختلافاً عن مادة الإنسان، ثم درسوا النباتات فوجدوا أن أدل النباتات إفرازاً لهذه المادة التي تعادل مادة الإنسان هي التين والزيتون.
د. الخضيري: يعني أن المادة المستخلصة من التين والزيتون هي التي تعوض الإنسان ما نقص من مواد تنمي الحيوية والشباب
د. الربيعة: أجله محدود بيد الله عز وجل. ثم جاء عالم مصري مهتم بالإعجاز العلمي فدرس هذه الجزئية فوجد أن التين والزيتون في هذه السورة، ما دلالتهما؟ فتبين له أن اجتماع التين والزيتون له اثر في خلق الإنسان ولهذا قال الله عز وجل (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) إلى أن قال (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)
د. الخضيري: وهذا ما نريد أن نقف عنده وقفة ثانية في هذه السورة وهي قوله (لقد خلقنا) أقول لنفسي وللمشاهدين ينبغي أن نقف عند هذه الآية وقفة كريمة وهي أن هذه الآية الكريمة تدل على أن الله سبحانه وتعالى قد كرمنا وقد شرفنا ولذلك لا يليق بك أيها الإنسان ويا ابن آدم تزدري نعمة الله عليك وأن تقلل من فضل الله تعالى عليك وتنسى هذه النعمة العظيمة تنسى أن الله سواك وأحسن خلقك وعدّلك وأنبتك نباتاً طيباً كريماً فكلما تأملت أن هناك شيء ناقص عندك تأمل أن الله كملك وأحسن صورتك فنحمد الله سبحانه وتعالى وتقول الحمد لله أنا في نعمة أنا في خير. كان النساء يأتون إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فيقلن لها فلانة قد أنجبت فتقول هل هو سالم في عينيه، سالم في أذنبه، سالم في فمه، فكانت تطمئنهم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) يعني لا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى ما هو غير ذلك يعني المرأة تقول أنا أريد المولود جميل أو أشقر أو أبيض أو أصفر أو أحمر ويدون ويشكل وكأنه يريد أن ينافس الناس بجمال أبنائه وحسنهم، نقول لا (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) بعض النساء تعيش هماً عظيماً وكمداً متوالياً بسبب أنها ترى نفسها أنقص في الجمال وأقل في لون البشرة من أختها أو ابنة عمها أو صديقتها أو جارتها أو غير لذك نقول لها لا تنسي انظري إلى أولئك المشلولين وإلى الذين ابتلوا بالعاهات الدائمة ومع ذلك صبروا وذلك من حكمة الله.
د. الربيعة: ثم إن هناك تقويماً وشرفاً أعظم من هذا البدن وهو جانب الدين
د. الخضيري: هذا إذا نظرنا إلى الإنجاز المادي، ما هو الجانب المعنوي في هذه القضية؟
د. الربيعة: جانب الدين، فالله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم خلقته في أحسن تقويم يهيؤه لعبادة الله عز وجل. أرأيت كيف أن هذه القوامة بطول الإنسان وهو المخلوق الوحيد الذي شرّفه الله بقوامته وقيامه ومشيه على قدمين في أصله لا مخلوق فيما أعلم في أصل خلقته في طبيعته يمشي على رجليه قد يمشي الوطواط على رجلين لكنه يمشي على رجلين أو على أربعة لكن هذا الإنسان قد نصبه الله أولاً شرفاً له وثانياً أن هذا الجسم هو أهيأ ما يكون في خضوعه لله عز وجل
د. الخضيري: ولذلك إذا أراد أن يسجد تمدد هذا الجسم وانقبض ليتحقق له هذا السجود وهذا الخضوع والركوع لله
د. الربيعة: تأمل ليونة مفاصل الإنسان هي لأجل أن يلين لله عز وجل ويخضع ويخشع (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ليهيؤه لعبادة الله عز وجل. ثم تأمل بعد ذلك قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) كيف ذلك؟ لقد هيأك الله تعالى أيها الإنسان لعبادة الله وشرّفك بهذه العبادة وخلقك على أحسن تقويم في جسمك ولسانك وعينيك وجميع قواك لتعبد الله فإن خرجت عن هذه المهمة العظيمة وهذا الشرف العظيم فإن الإنسان بهذا في أسفل سافلين. في أسفل سافلين في منزلته بين الدواب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) التوبة) هم أشرّ من الدواب ثم إنه في أسفل سافلين في النار. هذا معنى الآية (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هيأه الله سبحانه وتعالى بقوامته وهيأته وعقله لدين الله فإن هو تخلى عن هذا الشرف فإنه في أسفل سافلين.
د. الخضيري: ولهذا نقول ليس لنا خيار إما أن تقوم وتحمل هذه الأمانة وإلا فإن مردك إلى أسفل سافلين
د. الربيعة: ولهذا فإن أهل الطاعة في الحقيقة في عزّ "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله". انظر إلى حال المسلمين حينما ساروا وراء الغرب!
د. الخضيري: صاروا متخلفين وفي ذل القائمة وإلى يوم الدين إلى أن يشاء الله أن يرجعوا إلى دينهم.
د. الربيعة: ولذلك إن الإنسان كلما استقام على دين الله تعالى كان أعظم عزة وفخراً وإحساساً بهذه الحياة وعزتها وشرفها. فلنشرف بهذا الدين حينما نتمسك به ونعتز به ونعلم يقيناً أنه لا شرف لنا إلا بما شرفنا الله به. أما حينما يطلب الإنسان الشرف في موضاته الغربية وقصات وأشكال عجيبة هذا ليس والله لا شرف ولا عزّ.
د. الخضيري: مما يؤكد كلامك أنه ستأتي معنا السور القادمة أن كل الناس خاسرون وأنهم كلهم جميعاً هالكون إلا من التزم بالمواصفات الربانية كما سيأتي معنا في سورة العصر (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) إذا قمت بهذه الواجبات وأديت هذه الشروط استحقين هذا النجاح وفزت وسعدت في دنياك وأخراك وإذا تركت هذه الشروط فاعلم أنك خاسر في دنياك وخاسر في أُخراك ولا يغرنك أنك تملك أدوات وأجهزة وأموال وغيره، هذا لا يغرك هذا متاع زائل وذاهب. إذن نؤكد على أنفسنا ونتأكل هذا المعنى العظيم في نفوسنا خلقنا الله بأحسن تقويم لنعبده فإن لم نعبده فإن مردّ هذا القوام الحسن أن يكون حطباً لجهنم كما قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (6) التحريم)
د. الربيعة: تأمل كأمثلة نضربها على هذه الآية، من أشرف الناس؟ الأنبياء والرسول صلى الله عليه وسلم أشرفهم، بماذا شرفوا؟ برسالة الله، بهذا الوحي الذي هو هذا الدين إنما كان الملبلِّغ الأول له عليه الصلاة والسلام ورسل الله أجمعين، ثم من حمل لواء هذه الدعوة.
د. الخضيري: من الصحابة والتابعين والصالحين والصديقين
د. الربيعة: ولذلك تجد أعظم الناس شرفاً في نفوس الناس هم العلماء، هم أهل الدين الذين يذبّون عن دين الله والذين ينشروه في الأرض دعاة الله في الأرض هؤلاء سبحان الله لهم في قلوب الناس مكانة.
د. الخضيري: ولذلك قال الحسن البصري كلمة جميلة قال إنهم (اي أهل المعاصي) إن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البرادين فإن ذل المعصية في رقابهم لا يفارقهم حتى يفارقوا معصية الله سبحانه وتعالى. وهذا ذل فطري قد يتبارى الإنسان بالعز والجبروت ولكن في قلبه ذل بحيث أنه إذا قابل عالماً أو صالحاً أو ولياً من أولياء الله تجده يتصاغر أمامه ويعلم أن ذلك على الحق وأنه على المنهج الرباني الصحيح وأنه هو ليس على شيء. ولذلك نجد الكثير من هؤلاء من فنانين وغيرهم تختم لهم بخواتم نسأل الله العافية والسلامة، خواتيم كثير منها سوء، بعضهم ينتحر وبعضهم يموت ميتة لا تُحمد ثم ترى جنائزهم نسأل الله العافية والسلامة في غاية السوء لا يشهدها إلا الفُسّاق والعصاة وأراذل عباد الله.
د. الربيعة: بعدها قال الله عز وجل (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) كيف نربط هذه الآية بما قبلها؟
د. الخضيري: لا شك أنه الآن لما بيّن الله سبحانه وتعالى أنه من لم يأخذ بهذا الدين فإنه في أسفل سافلين بيّن المنجى من ذلك وهو في أمرين وإنهما يسيران على من يسره الله سبحانه وتعالى عليه وهي أن يؤمن الإنسان بالله إيماناً صادقاً ويعمل الصالحات. والحمد لله عمل الصالحات ميسور لمن أقبل بقلبه وصدق مع ربه. عمل الصالحات أن تقوم بالصلوات الخمس وأن تصوم رمضان وأن تحج بيت الحرام مرة في العمر وأن تؤدي الزكاة وبر الوالدين وصلة الرحم.
د. الربيعة: إذن الدين يسير وهذا ملحظ في السورة مقصود وأن هذا الدين ليس صعباً، هذا الشرف الذي تنال به شرف الدنيا والآخرة تناله بعمل بسيط.
د. الخضيري: يعني الدين لا يمنعك من شهواتك تستطيع أن تستمتع بما أحلّه الله سبحانه وتعالى تستطيع أن تأكل وتشرب وتملك وتذهب وتجيء وتسافر وتستمع بمتع الحياة ومع ذلك تلتزم بأوامر الله وتنتهي عن نواهي الله ولا تتعدى حدود الله وتعلم بذلك أنك تحصل الشرف في الدنيا وتحصّل الفلاح في الآخرة
د. الربيعة: تأمل كيف ختم الله تعالى هذه السورة. إن كان هذا الدين موضع شرفك فما الذي يجعلك تتخلى عنه؟
د. الخضيري: والله ما هو إلا النفس الأمارة واتباع الهوى ومسايرة الناس وإلا سل الآن اي إنسان أوغل في معاصيه تقول له هل تشك في الله؟ يقول لك لا، تقول هل تشك في رسول الله؟ يقول لا، تقول هل تشك في كتاب الله؟ يقول لا، إذن ما الذي يمنعك من أن تتبعه وتقوم به وتؤدي حقوقه عليك؟ يقول لا أعرف، لأنه يريد أن يكون مثل زملائه يشرب الدخان ويترك الصلاة ولا يريد أن يصوم ولا يريد أن يزكي ولا يريد أن يصل رحمه ولا يريد أن ينصح ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا يطعم المسكين ولا يرحم اليتيم، سبحان الله! إلى متى؟! هذه إن فعلتها فهي خير لك وهي حتى سعة لصدرك وراحة لبالك وانشراح لدنياك ولذة عاجلة
د. الربيعة: كما قال تعالى في آخر السورة (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) أنك حينما تُمنح هذا الدين فهو حكمة الله أعظم حكمة أنه خلقك أيها الإنسان وهيأك لهذا الدين وجعل لك أجراً غير ممنون أي غير مقطوع وغير محاسب عليه والله إنها لأعظم حكمة. الحقيقة أن هذه السورة سورة عظيمة لا نمل منها ولا نشبع، سورة تعطينا شرفنا وتبين لنا قيمتنا في هذه الحياة بأننا لا شرف ولا عز ولا تمكين إلا بهذا الدين. نسأل الله عز وجل أن يشرفنا بهذا الدين ويجعلنا به أعزة ويجعلنا متمكنين. نختم الحلقة ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى. وإلى لقاء آخر بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.